المهم أن الله تعالى لما قال لآدم إن الشيطان عدو لك جاء آدمَ متنكرًا وقال
لـه هل أدلك على شجرة إذا أكلت من ثمرها نلت الحياة الأبدية، وهل أخبرك بمُلك لا
يباد أبدًا؟ فاغتر آدم بكلامه المعسول، فأكل هو وجماعته، أو هو وزوجته، من ثمر تلك
الشجرة التي قد نهاه الله عن الاقتراب منها، بمعنى أنهم أتوا العمل الذي قد نُهوا
عنه. وبما أن ما ارتكبه آدم كان خلافًا لمشيئة الله تعالى فأخذت عواقبه السيئة
تظهر على الفور، فأدرك آدم أنه قد ارتكب خطأ فادحًا بمخالفته أمر الله تعالى. حيث
يقول الله تعالى (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (طه: 122) أي بأكلهما من تلك الشجرة انكشفت
عليهما عيوبهما، وظهرت عليهما النتائج السيئة لفِعلتهما، وعلِما أنهما قد وقعا في
أمر معيب. فلما أحس آدم بخطئه أخذا يغطيان نفسهما بأوراق الجنة.
ثم يقول الله تعالى إن آدم خالف أمر الله تعالى فوقع في الشقاء. ثم أكرمه
الله تعالى حيث إن آدم لما أخذ بتغطية نفسه بورق الجنة هداه الله تعالى إلى طريق
يؤدي به وبجماعته إلى الفلاح…
ومن معاني الورق في العربية الزينة، والنسل أيضًا حيث ورد في القواميس: الورقُ
جمالُ الدنيا وبهجتُها. ويقال أنت طيّب الورقِ أي طيّب النسلِ (الأقرب). وعليه
فقوله تعالى (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (طه: 122).
يعني أوّلاً، أن آدم وزوجته أخذا
يستران نفسهما بزينة الجنة وجمالها. والبديهي أن زينة الجنة وجمالها سكّانها
المؤمنون الطاهرون.
وثانيًا: أن آدم أخذ يزيل تأثير
خدعة الشيطان من خلال ذريته الطيبة، حتى نجح في ذلك.
لقد ورد هذا الحدث في التوراة كالآتي:
“وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ
الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: أَحَقًّا قَالَ
اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ
لِلْحَيَّةِ: “مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ
الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ
وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا. فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: لَنْ
تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ
أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. فَرَأَتِ
الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ
لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ
ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ
أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ
وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ” (سِفْرُ التَّكْوِينِ 3 : 1-7)”.
لقد استعملت التوراة هنا ورق التين بدلاً من ورق الجنة. فلنرَ الآن هل ورق
التين وورق الجنة شيئان أم شيء واحد؟ ونرجع بهذا الصدد إلى علم تعبير الرؤيا حيث
ورد: “التِّين في المنام يفسَّر بالصلحاء وأخيار الناس” (تعطير الأنام في تعبير
المنام).
وهذا هو معنى ورق الجنة أيضًا. فثبت أنه ليس ثمة اختلاف بين القرآن
والتوراة بهذا الشأن، فإنهما متفقان على أن الشيطان لما خدع آدم شعر آدم بخطئه،
فضم إليه جماعة المؤمنين وأفشل مكائد الشيطان. كان بنية الشيطان أن يهزم آدم بمكيدته،
ولكن كيده أدى إلى صحوة جديدة في آدم بدلاً من أن يضره أو يفسده، فأخذ معه جماعة
المؤمنين الطيبين وقضى على الفتنة التي أثارها الشيطان. أي أنه تعالى اختاره ونظر
إليه نظرة رحمة، وهداه إلى التدبير السليم، فخيّب به آدم خطط الشيطان كلها.
0 تعليقات