علي الأصولي
لم يكن إبليس إلا فردا واحدا حينما خوطب كما في قوله تعالى(قال اهبطا منها)
غير أنه وبعد الهبوط تجد أن القرآن الكريم يشير وبوضوح الى جملة من الشياطين من
قبيل قوله تعالى(أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) ناهيك عن بعض الأخبار التي
وردت بمفاد - جمع الشيطان أو إبليس أعوانه –
وهذا لا يتسنى إلا بعد عملية تكاثرية وقد أشارت رواية تفسير العياشي عن
جابر عن النبي(ص) بحديث طويل إلى أن قال - لا يولد لابن آدم - والحكاية عن لسان
الله مخاطبا إبليس - إلا ويولد لك ولدان -
إلى أن قال الله للشيطان بعد طلب الأخير بالاستزادة - ربي زدني، قال: تتخذ آنت
وذريتك في صدورهم مساكن –
إذن: إذا كنا نحن والموروث الروائي فهو ينص على أن عملية تكاثر إبليس بحسب
ما ورد - يلوط بنفسه - و - يبيض - بالتالي يلزم من هذه الأخبار عدم وجود زوجة لإبليس،
وكما ترى؛ أما أن تلتزم حرفيا وهذه الأخبار وأما إن نذهب صوب التأويل وما
يناسب الحال مع اخذ النظر أن الله خاطب الناس بما يفهمون وخطابات المعصوم لم تخرج
عن حدود بيئة المتلقي آنذاك. هذا مع فرض صحة ثبوت هذه المرويات.
وقد فهم قتادة وغيره أن الجن يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وهم أكثر عددا
وهو قول السفاريني، وحيث ذهبوا على أن نساء الجن يطمثن كنساء الأنس بعد الاستفادة
من ظاهر الآية (لم يطمثهن أنسن قبلهم ولا جان) بالتالي بصرف النظر عن ماهية
التكاثر اتفق السنة والشيعة بوجود ذرية لإبليس تبعا لنص آية سورة الكهف(افتتخذونه
وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو مبين) .
ولعل أحسن ما قيل في هذا المقام ما نقل أن الشعبي سئل يوما عن زوجة إبليس؟
فقال: ذلك عرس لم أشهده!
إلا أن الشعبي ذكر قوله تعالى(افتتخذونه وذريته .. الخ ) كإجابة وهي أن
الذرية تلازم التزاوج،
ومنهم من تمسك بمفاد - باض وفرخ - كما في بعض النقولات الروائية غير أن
لفظي باض وفرخ يستعملها العرب بمعنى اغوي - الغواية - وأضل ووسوس - وهذا الاحتمال
مسقط للاستدلال على أي حال،
وهنا نقف لمعرفة معنى الذرية في اللغة إذ أنها سوف تقرب لما المعنى العلمي
للتكاثر.
الذرية: أصلها ذريئة فخففت الهمزة وتعني النسل وهي تنسب إلى الذر وهو صغار
النمل. أو تنسب إلى الذرء وهو الخلق. ومنه قوله تعالى(وجعلوا لله مما ذرا من الحرث
والأنعام نصيبا) سورة الأنعام/ بالتالي وعلى المعنى اللغوي - الذرء - أي الخلق
فهنا نفهم بأن لا زوجة لإبليس ووجود الذراري لا يلزم أو يلازم وجود الزوجة كما في
قصة مريم(ع) بناء على المشهور الذي أثبتنا خطا ما ذهبوا إليه في غير هذه المقام،
وعليه: الأقوال في الذرية وكيفية حصول الذراري لإبليس،
أولا: ينكح نفسه ويتولد منه الذراري كما سمعنا سابقا من الروايات. وهذا
يلازم عدم ضرورة وجود زوجة له.
ثانيا: نفس القول الأول إلا أنه يبيض.
ثالثا: له زوجة ومنها صارت الذراري.
وكيف كان: لا ملازمة بين التناسل والذراري كما عرفنا من اللغة إذ أن المعنى
ينسب إلى الذرء وهو الخلق. والخلق اعم من الزواج والتزاوج ومن ثم التناسل والتكاثر.
وهذا ما يمكن فهمه بالعمليات التكاثرية الانشطارية من قبيل تكاثر الطحالب وغيرها
من المخلوقات التي لا تحتاج إلى زوج آخر لعملية التكاثر أما كيفية هذا التكاثر فهو
الالتحاق بخط ومنهج إبليس ومبايعته ومشايعته وهذا ما هو حاصل على طول التاريخ إلى
يوم القيام المهدوي بحسب المباني الإسلامية الإمامية.
ولو تأملنا قوله تعالى(ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) فمع أنهم
حقيقة وواقعا وظاهرا ونسبا وانتسابا من ذرية إبراهيم(ع) إلا أنهم لا تشملهم مقام
الامامة لخروجها منهم تبعا لسلوك الخط المناهض وهو الظلم.
وقوله تعالى( أنه ليس من اهلك) كما في قصة ابن نوج وبهذا يقترب الفهم
والمراد مما ذكرناه أعلاه. وللكلام بقية إن شاء الله ..
0 تعليقات