بغض النظر عما يمكن أن تسفر عنه الأحداث في تونس، وهو أمر يجعل
الوصول فيه إلي نتائج محددة هو أمر مبكر جداً .. ذلك لأن ماحدث هو أن المواجهة
الشعبية لهيمنة حزب النهضة في تونس قد أوصلت الصراع السياسي علي السلطة إلي نقطة
ذروة مرتفعة ، وإلي مستويات متشعبة من الصراع لايمكن اختزال عناصرها في مجرد
الصراع بين الرئيس التونسي (الغامض من حيث الهوية السياسية) قيس سعيد وحزب النهضة
بزعامة راشد الغنوشي الزعيم الماكر المراوغ للإخوان المسلمين في تونس ..
ليس هذا موضوعنا في هذا المجال
فقط أكتب هنا لأن هناك موضوع فرض نفسه لاستحقاق قدر غير قليل من
الإلتفات .. ألا وهو ذلك النموذج الفج للتجارة بالدين والنصب والتلاعب بالمشاعر
الدينية للبشر ..
هذا النموذج الذي تجسد فيما يسمي باتحاد علماء المسلمين الذي أصدر
فتوي بخصوص الأحداث الجارية في تونس تنص علي (حرمة الاعتداء علي العقد الاجتماعي
بين الشعب والسلطة) !!!!
إذن اتحاد علماء المسلمين المعروف بكونه قبلة العمامات السياسية
وواجهة المتاجرين سياسياً بالدين الإسلامي في جميع أنحاء العالم يتحدث لأول مرة عن
(حرمة العقد الاجتماعي) !!!!
بينما تاريخ اتحاد علماء المسلمين لم يشهد يوماً ما الاعتراف بشئ
أسمه (الشعب) فالناس في نظرهم ونظر كل جماعات التدين السياسي ماهم إلا (رعية)
والرعية وظيفتها الطاعة ، (طاعة أهل الحل والعقد) ، وميراث جميع أنظمة الحكم
الديني سواء في أنظمة الخلافة أو الإمامة أو في مشروع الدستور (الإسلامي) الذي صدر
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عن (المجلس العالمي للمسلمين) والذي انعقد في
إسلام آباد ، وهو الذي أصبح المانفستو السياسي الذي يجمع كل تيارات التدين السياسي
بدءاً بكل أفرع جماعة الإخوان المسلمين في العالم مروراً بالجماعات الوهابية
والجهادية السلفية ..
هذا الميراث الموثق لم يعترف يوماً بالشعب كطرف أساسي في أي عقد اجتماعي
، ولايعترف أصلاً بفكرة العقد الاجتماعي بدليل أنه أصدر تعميماً لكل مسلمي العالم
كنموذج نظام الحكم الإسلامي لم يترك فيه أي مساحة للتعديل أو الاجتهاد .. للأمانة
فقط ترك مساحة فارغة للملء بمعرفة حكام كل إمارة إسلامية تتضمن أسم الدولة(كولاية
إسلامية) وعاصمتها، وهذا كان هو الاجتهاد الوحيد المسموح به للجميع .
هذه التيارات التي يستمد منها الإتحاد العالمي للمسلمين ثقله ووزنه
ووجوده لاتعترف بفكرة العقد الاجتماعي فهي ترفع شعارها الزائف (القرآن دستورنا)
للتجارة بمشاعر البسطاء ومحدودي المعرفة بينما هم يرون أن الحكم يرتكز علي أصحاب
الحل والعقد (أصحاب العمامات السياسية بالطبع) والشعب ليس سوي رعية ، ودور الرعية
في هذا النظام هو الطاعة ..
وحزب النهضة التونسي لم يكن يختلف في هذا ولكنه اضطر لارتداء
القناع الديمقراطي التعددي شأنه شأن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان
المسلمين في مصر أو حزب المؤتمر الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في
السودان أو العدالة والتنمية الذراع السياسية في تركيا ، وذلك لكي يستخدم صندوق الاقتراع
في الوصول للحكم لا أكثر ولا أقل ..
اتحاد العلماء المسلمين اعتبر أن حزب النهضة هو الحارس الملاك
للعقد الاجتماعي في تونس (الدستور) وعليه أصدر فتواه التي أراد بها أن يرفع حزب
النهضة التونسي إلي مستوي من القداسة تجعل من المساس بهيمنته علي البلاد حرام شرعاً
..
وهذا نموذج غير مسبوق في الكذب والتدليس والتزييف واللعب بالفتاوي
الدينية كلما تطلبت مصالح العمامات السياسية ، وطبقاً لقوانين أسواق التجارة
الدينية التي انشأتها تلك الكيانات المريبة لتسليع الدين سياسياً ، وتوظيفه كأداة
لتزييف الوعي ..
______________
حمدى عبد العزيز
28 يوليو 2021
0 تعليقات