سلام حمد آل بريبت
و هو الفقه الذي لا يستند للواقع الاجتماعي، وحاجة الأمة بحيث يكون بمعزل
عن الواقع ، ويؤسس نظرية لقضية فقهية خيالية ، فيطرح احدهم سؤال، ويحاول ان يجيب
عنه مستعملا روايات وأحاديث من أمهات الكتب الروائية التي كتبت في وقت متأخر.
وبينها وبين وفاة النبي زمن طويل،
يعتريها فكر أسطوري، وفي الكثير منها صياغات تقترب من الشعر في أسلوبها
وبنائها، مع وجود سنة متواترة تشكل النزر القليل إلى حجم تلك المرويات الهائلة
التي ترويها كتب المدرستين، مدرسة أهل البيت، ومدرسة الخلفاء، حيث ضخمت كل مدرسة
مروياتها في تعظيم أشخاصها ،فقد وسعت مدرسة الخلفاء من عصمة الصحابة، وجعلت كل من
عاش في عصر النبي حتى وان لم يشاهده صحابي يؤخذ منه ولا يرد عليه. وهذا ما فعلته مدرسة أهل البيت وسعت العصمة
وجعلتها أصلية في أربعة عشر معصوما، وابتدعت العصمة الثانوية في حين لم تقدم دليلا
عقليا عليها وإنما روايات ، بل امتدت العصمة لتشمل العلماء وأصبح السلف الصالح
مقدس ليس لوعيه وإنما لقدمه.
ويبدو ان ظاهرة القدم مقدسة تنسحب في كل العلوم ، وعند كل الملل، ومع توسع
أصحاب المرويات والمعتبرات، المفروض تكون
الأحكام ذات علاقة رياضية طردية لا عكسية فيكون اختلاف زمان ومكان المرويات تسهيل
في الأحكام، لكن تجد فقه نظري لا يستند للقرآن الكريم والعقل فمثلاً إذا مر إمام
المصلي كلب اسود أو امرأة ، باعتبار ان الكلب نجاسته لشدة سواده واللون هنا عامل،
وليس ذات الحيوان لذلك جعلوا اللون الأسود دلالة الرق، وتقرأ مثل ذلك في عنصرية
اللون في قصة جون الذي استشهد مع الإمام الحسين عليه السلام، فهو يطلب من الإمام
ان يدعو له حتى يطيب ريحه ،لان لونه اسود وحسبه لئيم ؟!
وكذلك إذا مسته زوجته وجب إعادة
الوضوء .....الخ ولا أعرف كيف يتم الجمع بين المرأة والكلب، لعله التراث الذي ينظر
لها أنها خلقت من ضلع اعوج ، وهذا ما فعله صاحب يتيمة الدهر، الذي جعل صفات النساء
والخيل في باب واحد، وقد يكون من باب التعظيم فمدحوا حاتم لأنه ذبح فرسه واراه خطأ
في المنهج لم يكن مقصودا ، ومن الأمثلة الواضحة للفقه النظري طرح أحد المراجع فكرة
ثقب الكرة الأرضية، كما تثقب خرزة المسبحة بآلة ونظرنا من هذا الثقب، ووجدنا ضوء
الشمس ينبعث منه يأتي السؤال الغبي، أي صلاة نصلي ؟ الظهر والعصر أم المغرب
والعشاء؟ !!! .
مع العلم نحن في وقت الليل، ويقدم الحلول الغبية التي تنم عن عقلية الجاهل،
وليس العالم وكأنه كالذي سأل الاحنف بن قيس اذا صعد إلى مئذنة الجامع وألقى، بنفسه
للأرض هل يموت؟ ! فضحك الاحنف وانشد قول الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
.....................................ومن حسن إسلام المرء أن لا يتكلما .
وبذلك يعيش الفقه النظري، الذي يستند الى روايات يرويها أشخاص يشدهم الصراع
القبلي، كما في مرويات سيف بن عمر التميمي الذي تعصب للفرع المضري تدعمه السلطة
الأموية، أو تاريخ قيس الهلالي الذي يدعمه ويروج له السلطان البويهي، وحسنا فعلت
إيران بإعادة طبع بحار الأنوار بعد شذيبه من العقلية الأسطورية اذا كتب للمشروع
النجاح، وفي الختام المنهج الاجتماعي مهم
جداً في فهم سبب إنتاج هكذا فقه. كما انه مهم في تلبية حاجة المجتمع المتطورة
المتجددة، وان نقدم فقها لا ينظر للتراث انه غير صحيح ،وإنما على قول الدكتور أمين
الخولي :((إن نقتل التراث فهما )) .ونذهب بالفهم مع مدرسة نصر حامد أبو زيد مع
الحذر منها في مفاصل معينة، وكذلك مع مدرسة الدكتور محمد أركون ومحمد وعبدالمجيد
المشرفي وبنفس الحذر مع سابقتها، والذهاب إلى وحدة الأمة العربية مع مشروع الدكتور
طيب التيزيني السوري .ولكي تكتمل الرؤوية الصحيحة
لمشروع وحدودي إسلامي يجب أن ننفخ التراب عن الكتب الصفراء ونعيد الفهم
للماضي وفق منهج عقلي اجتماعي، وان نربط العلوم مع بعضها وفق منهج تكاملي. يجعل من
المعرفة العامة في جميع العلوم أداة للتخصص، كما فعل علماء الأمة مثل الخوارزمي
الذي انتج لنا الخوارزميات ولهذا اليوم يطلق عليها اسم مدينته التي رفع راياتها في
العلم ،ومثله الفارابي وابن سينا ونصيرالدين الطوسي وجابر بن حيان والخليل بن أحمد
الفراهيدي، وكل هولاء في الأصل درسوا ودرسوا القرآن الكريم والعلوم الشرعية وننظر
لعصر ما قبل الإسلام نظرة واقعية .ونستفيد من نتاج الحضارات القديمة دون ازدراء
وهمجية ونعمل بالقول المأثور :إن الحكمة ضالة المؤمن. ونجعل قاعدة لا إكراه في
الدين أصلا لقاعدة لا إكراه في المذهب . ونكتفي بالدماء التي سقطت من احق بالخلافة
وقد مضى عليها قرون .وانت سني احترمك مازلت تؤمن ان الخلافة شورويه ،وهو شيعي يؤمن
بالخلافة نصية وكلاكما لا يتنازل عن رايه ،فلنترك هذا الخلاف العقيم ونجعل الحاكم
فيه الله تعالى .وتعال لنبني ثقافة التسامح والأخوة لانه لدينا مشتركات أكثر مما
لدينا متقاطعات .والأمة الحية التي تترك الخلاف وتدفنه مع الموتى كما فعل
الكاثوليك والبروستانت والأرثوذكس، فنحن أولى بالخير وفي مسرحية قمبيز علي خان
هناك مشهد بين السفير البريطاني ومواطن مصري فيقول:المصري لماذا تستعمرونا فيرد
عليه السفير بقوله :غبائكم يستدعينا إلى استعماركم.
أليس من الأولى أن يستعمر عقلك القرآن الكريم وتقف متأملاً فيه ، وهذا
الكون محط إبداعك ، ولنكون كالعداء الذي وضعت العوارض في طريقه يعبرها ،لأن عينه
صوب الهدف الأسمى، وهو تحقيق النجاح الذي به تحصل السعادة.
0 تعليقات