حسن مطر
إن العواطف النفسية في الصغر تسيطر على الفرد أكثر مما تسيطر عليه
الميول العقلية والمنطقية.
وقد يزداد الطين بلّة عندما تُو َّظف العقائد لأغراض الجذب والدفع الأيديولوجي،
فيُغالى فيها لجذب الأتباع وتجييش المشاعر، أو للرد على الخصوم المفترضين، وهي ما
تخلق حالة قد تتطلع فيها النفوس إلى تمني المزيد من المغالات حتى ولو كانت على
حساب المحبوب المُغالى فيه.. فيا لها من مفارقة!
ولعل الشاهد في ذلك ما يجري لدى المجالس الحسينية التقليدية عندما
يتناول الخطباء مأساة كربلاء، فهم عادة ما ينتقون أقسى صور المأساة من بين
الروايات المنقولة ويعتبرونها حقائق دون ان يتقبلوا التحقيق فيها. ووفقا للتحليل
السايكولوجي للعقل الباطن إنهم يتمنون أشد حالات المأساة وأروعها عذابا ليكون
الأثر النفسي والعقائدي لدى السامع أبلغ وأعظم. وهنا المفارقة بين الحب وتمنيات
العذاب الأشد للمحبوب. ومثل ذلك عندما يتعرض الخطيب – أو الكاتب – التقليدي
المغالي لذكرى وفاة فاطمة الزهراء (ع)، فنكالا بالآخر تكاد المأساة التي يفترضها
للمحبوب تدعو للبحث والقول: هل من مزيد؟! لذلك نطلق على هذه الحالة بالمفارقة
النفسية للعقيدة.
وكثيرا ما تكون عقائد الناس محجوبة ومعتّم عليها نتيجة الرواسب
اللاشعورية، بدلالة أنه قد يحصل للفرد هزة من الوعي بها أو ببعضها فيعجَب كيف
انطلى عليه وهم العقيدة مع ان حقيقتها ظاهرة للعيان دون أدنى شك. فما الذي يجعل
الفرد لا يرى الحقائق كما هي رغم ان حقيقتها واضحة غاية الوضوح؟ فما ذلك إلا بفعل
التعتيم اللاشعوري، حيث يصاب المرء بنوع من العمى نتيجة الفعل المعتّم للاشعور.
ومن حيث اللاشعور إن الناس لترغب في أن ترى الحقائق الاجتماعية
والدينية كما هي، وما يهمها هو ارضاء ما تر ّسب لديها من قضايا تألفها، فتحب وتغضب
لهذه الرواسب الصنمية، دون أن يكون لذلك علاقة بالبحث عن الحقيقة الموضوعية.
فالمبالغة في تمجيد الشخصيات التاريخية، أو الحكم عليها بأبشع
حالات الإجرام، كثيرا ما يخضع لهذا الهوى اللاشعوري بعيدا عن العلاقة بالواقع
الموضوعي. وهنا نفهم طبيعة الصراع السني الشيعي الدائر حول عدد من الشخصيات
التاريخية. فالدفاع والهجوم محموم بهوى الترسبات اللاشعورية، والهدف اللاشعوري من
ذلك هو إرضاء هذه الأصنام المترسبة كعقيدة محجوبة من غير أن يكون لها صلة بحقيقة
ما عليه تلك الشخصيات.
- يحيى محمد، علم الطريقة..المنهج في فهم الإسلام (١)،ص 262-263.
0 تعليقات