محمود جابر
النقاب عادة قديمة
جدا، تعود إلى ما قبل ظهور الديانات كلها اليهودية والمسيحية والإسلام، فقد عرفه
الآشوريون والآراميون والبابليون والفرس والتركمان، وكان النقاب معروفا في
الجاهلية بين قبائل البدو وليس في الحضر... فالمرأة البدوية التي تعيش في الصحراء
وترعى الغنم لا يراها أحد، فهي لا تحتاج إلى غطاء الوجه.. فإذا دخلت المدينة فإنها
تشعر بالهيبة من مواجهة المجتمع، فتغطي وجهها، فلما جاء الإسلام.. أمر بتحرير
المرأة من كل قيد فيه مذلة لها وحجر على آدميتها، ابتداء من عادة وأدها وهي
مولودة، إلى حقوقها وهي ابنة ثم زوجة ثم أم.
لباس المرأة أيام
الأمويين:
حكاية الخمار الأسود
...
عرف عن المرأة
الأموية ولعها بالملابس المختلفة الألوان والأشكال، ونفورها من اللون الأسود، إلى
أن أقبل تاجر عراقي على المدينة ومعه خمر ألوانها مختلفة بيعت كلها، وبقيت الخمر
السود. فذهب إلى الدرامي الشاعر الماجن بعد أن تنسك وسكن المسجد فاشتكى له كساد
هذه الخُمر، فقال له الدرامي:
- ماذا تجعل لي على
أن أحتال بحيلة حتى تبيعها كلها. فقال التاجر.
- ما شئت
فخلع الدرامي ثياب
نسكه ونظم شعرا وطلب من أحد أصدقائه المغنين أن ينشده فغنى به ومن أبياته:
قل للمليحة في الخمار الأسود*ماذا فعلت بناسك
متعبد
قد كــان شمر للصلاة ثيابـه*حتى خطرت له بباب
المسجد
ولما سمعت النساء هذا
الشعر في المدينة المنورة أسرعن إلى شراء الخمر السود قيل "فلم تبق سيدة
جميلة في المدينة إلا واشترت خمارا أسود" مما يدل على أن المرأة في ذلك الزمن
تطلب المودة، وتتبع الإشهار والدليل على ذلك انتشار لبس الخمور السود بين النساء
الأمويات بعد أن كنّ يرفضن ارتداء اللون الأسود.
وكانت لهن طرق في
الزينة وإبراز المحاسن منها ما فعلته سكينة بنت الحسن سيدة زمانها فقد ابتكرت
تصفيفة جديدة للشعر، فقلدتها نساء عصرها في تلك التصفيفة التي عرفت"بالطرة
السكينية" ويصفها ابن خلكان قائلا "كانت سيدة عصرها حسبا ومن أجمل
النساء وأظرفهن وأحسنهن أخلاقا.... والطرة السكينية منسوبة إليها".
واشتهرت الطرة
السكينية في المدينة حتى قلد الرجال النساء في تصفيف الشعر.
لباس المرأة فى
عهد العباسيين :
انتقلت العاصمة
الإسلامية من دمشق إلى بغداد في العهد العباسي، فاقتدت العربيات المسلمات
بالبغداديات في لباسهن، ثم ابتكرن أزياء روعة في الجمال.
وكثرت أشكال الملابس،
مما يدل على تنوع الألبسة واختلافها كثرة أسمائها ومنها "الغلائل الدخانية
والأردية والرشيدية والطبرية، والقصب الملون، والحرير المعين، والمقانع النيسابورية،
وأزر الملحم الخرسانية، والغلائل الممسكة، والقمص المعنبرة والأزر المعصفرة، ومنها
ما صنع من الحرير والقز والديباج والوشي".
وتبعا للترف الذي
عرفته المرأة في العهد العباسي كثر ولعلها بابتداع الأزياء الراقية ومن خصائصها
الأكمام المفتوحة والسراويل البيض المذيلة، والمعاجر السود والمسبلة. وابتكرت
المرأة العباسية أيضا"عقد الزنار"يلبسن على الطريقة الآتية: تعقد المرأة
في طرف أزارها زنارا وخيطا من الحرير ثم تجعله على رأسها، فيثبت الإزار ولا يتحرك.وأول
من اخترعته متيم الهشامية من فنانات البصرة ثم قلدتها نساء العباسيين في عقد
الزنار.
ولقد بلغ بهن الترف
حد تطريز الخُمر بالذهب الخالص قال أبو علي التنوخي يصف ذلك:
نور الخمار ونور وجهك تحته*عجبا لوجهك كيف لم
يلتهب
وجمعت بين المذهبين فلم يكن*للحسن عن ذهبيها
من مذهب
ومما يدل على الذوق
الرفيع لنساء العصر العباسي والمكانة الثقافية أنهن كتبن الأشعار على ملابسهن، حتى
أنك لا تجد ثوبا لم ينقش عليه بيتا من مستظرف الشعر يصف محاسنهن، ولم تكن هذه
النقوش مقصورة على الجواري والغواني وإنما تجاوزتهن لربات القصور. ومما اختصت به
علية بنت المهدي العصائب المكللة بالجوهر حسب نص الأصفهاني التالي "إن السبب
في اختراع عليه لهذه المودة أنه كان في جبينها سمة تشين وجهها، فاتخذت العصائب
المكللة بالجوهر لتستر بها جبينها فأحدثت والله ما رأيت فيما ابتدعته النساء
واحدثته أحسن منه".
وانتشرت مودة علية
بين نساء العباسيين، وطورتها فكتبن على العصائب بصفائح الذهب شعرا لطيفا يصف
محاسنهن، وذهبن في الترف شوطا بعيدا فكتبن الشعر بصفائح الذهب على أحذيتهن، واخترن
من الأحذية الأخفاف التي تصرّ عند المشي ليجلبن الانتباه.
هذه نماذج من أزياء
النساء في الجاهلية وفي العهد الأول للإسلام إلى حدود العهد العباسي أردتها شواهد
على أناقة المرأة العربية والعربية المسلمة، أناقة لا تتعارض مع القيم ولا مانع
للدين، هذا للعلم حتى يعرف من يريد أن يستهجن المرأة ويحتقرها.ويتدخل في لباسها
ويقلل من أناقتها.
المرأة ما بعد
العباسيين :
مما سبق يتضح لنا أن
النقاب عادة قديمة جدا، تعود إلى ما قبل ظهور الديانات كلها اليهودية والمسيحية
والإسلام، فقد عرفه الآشوريون والآراميون والبابليون والفرس والتركمان، وكان
النقاب معروفا في الجاهلية بين قبائل البدو وليس في الحضر... فالمرأة البدوية التي
تعيش في الصحراء وترعى الغنم لا يراها أحد، فهي لا تحتاج إلى غطاء الوجه.. فإذا
دخلت المدينة فإنها تشعر بالهيبة من مواجهة المجتمع، فتغطي وجهها، فلما جاء
الإسلام.. أمر بتحرير المرأة من كل قيد فيه مذلة لها وحجر على آدميتها، ابتداء من
عادة وأدها وهي مولودة، إلى حقوقها وهي ابنة ثم زوجة ثم أم.
وكانت المرأة المسلمة
في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله - تخرج إلى المجتمع سافرة.. وكانت تشارك في
دروس الدين مع الرجال وتحضر الصلاة خلف الرسول، وتشارك في القتال وطلب الحرب، وظل
الحال كذلك في الخلافة الرشيدة، ثم الأموية ثم العباسية، وعندما ضعفت الخلافة وساد
سلطان المماليك والأغوات في آخر الخلافة العباسية....كان المماليك في شوارع بغداد
والمدن الإسلامية إذا أعجبتهم امرأة جميلة في الطريق يخطفونها ويغتصبونها، فاضطر
النساء إلى إخفاء وجوههن بالنقاب.
وظل النقاب معمولا به
في العالم الإسلامي أثناء حكم المماليك ثم الحكم التركي، وأصبح عادة وليس عبادة،
وخوفا من الضرر وهتك العرض وليس تمسكا بالدين ولا الفضيلة، وظل الأمر هكذا حتى ظهر
محمد عبده وتلميذه قاسم أمين وآخرون الذين نادوا بتحرير النساء ورفع الحرج عنها
والتفريق بين ما هو ديني إسلامي وما هو من العادات التي تراكمت حتى أصبحت
كالمسلمات من الدين، وبعد أن أتى ثمار هذه النهضة فى مصر، ثم تحررت معظم نساء
العالم الإسلامي التي كانت فى وضع يسمح لها بالرقى والتحضر ، وبقية مجتمعات
الجزيرة العربية ووسط آسيا على حالها نظرا لتأخرها عن اللحاق بركب الحضارة والرقى .
وقد بلغ هذا الانحطاط
الخلقي والديني والإنساني مبلغه فقبل سنوات قليلة نشب حريق في غرفة ملابس أحد
مدارس البنات فى مدينة الرياض – عاصمة الوهابية - ففزعت البنات وهربن من الباب وهن
كاشفات وجوههن... فشاهدتهن الشرطة الدينية – الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- فأجبروهن
على العودة إلى المدرسة وأغلقوا عليهن الباب، فامتدت إليهن النيران وهن يصرخن ولا
مجيب حتى احترقن، وكأن لسان حال الشرطة تقول خير للمرأة أن تموت بالحريق من النجاة
من الموت وهي كاشفة الوجه!!
ويذكر الطبيب
الأمريكي سيمون جراي في كتابه "أسرار وراء الحجاب" أن أية امرأة منقبة
قد تقبل الكشف للطبيب عن جسمها كله أو بعضه، ولكن بشرط ألا تكشف النقاب عن وجهها.
علما بأنه لا يوجد في
القرآن الكريم كله أو الحديث الصحيح أمر يفرض النقاب وقد حاول بعض المفسرين تفسير
قوله تعالى : "وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، بأن هذا يعني أن المرأة تدلي
خمارها من فوق رأسها ليغطي وجهها، وهذا خطأ لغوي وفقهي، لأن الخمار كان يغطى به
الرأس ويتدلى على الكتفين، فالأمر هنا ينص كما فسره جميع علماء الفقه "السنة
والشيعة" أن تغطي "الجيب" وهو فتحة الصدر ما بين النهدين بطرف
الخمار، ولو كان الأمر يحمل معنى غطاء الوجه كما يدعي هؤلاء المعسرون لجاءت الآية "وليضربن
بخمرهن على وجوههن". ولكي يحارب الإسلام عادة النقاب ويلغيها من حياة
المسلمين، فقد أمر الرسول المرأة بعدم لبس النقاب أو القفازين في مناسك الحج
والعمرة، واتفق الفقهاء أن المرأة إذا لبست النقاب في الحج عامدة يبطل حجها. وإذا
لبسته من باب السهو أو الجهل فعليها فدية باعتبار أن ما فعلته ذنب وخطيئة في حق
دينها، ونص الحديث هو "لا تنقب المحرمة ولا تلبس القفازين" رواه البخاري
ومسلم ، والأمر البديهي الذي لا يجب أن يغيب عن ذهن أي قارئ أن هذا التشريع يعني
كراهية النقاب والحث على إلغائه، فتحريمه جاء هنا في أقدس وأطهر مكان هو مناسك
الحج والكعبة، وفي حضور صفوة الرجال والحجاج وفي حضور الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم ). وبهذا يصبح السفور أمرا عاديا في غير الحج، ولو كان النقاب مستحبا كما
يدعي المغرضون لكان الأمر بالعكس ولفرضه الإسلام في هذا الموقف الجليل أكثر من أي
مكان آخر، ولكن الإسلام يتبع طريقة التدرج كما في النهي عن الخمر. وقد كان نساء
الصحابة يحضرن الصلاة في المسجد، وخلف الرسول سافرات الوجوه، وكن يحضرن درس الدين
والعلم في مجلسه، ويناقشنه في أية قضية وهن سافرات. وقد جاء في صحيح مسلم :"أن
امرأة جاءت إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- وهو جالس بين أصحابه وقالت يا
رسول الله جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها الرسول، فصعد النظر فيها ثم صوبه، ثم طأطأ
رأسه، فلما رأت أنه لم يقض شيئا فيها جلست، فقام رجل من أصحابه فقال :" يا
رسول الله، إن لم يكن لك حاجة بها فزوجنيها فزوجها له". فهذه المرأة دخلت بلا
شك سافرة الوجه في حضور الرسول وأصحابه، وأنهم جميعا قد نظروا إلى وجهها. وفي
القرآن الكريم إشارات واضحة إلى كراهية النقاب، من ذلك قوله تعالى : "ولا
يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " النور 64، وقد أجمع المفسرون أنه رخصة للمرأة
المسلمة أن تظهر زينة الوجه ولا تخفيه بالنقاب، كما أجمعوا على تفسير قوله تعالى :
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، النور، إن هذه رخصة للمرأة بسفور الوجه
لأن غض البصر يكون أصلا عن الشيء المرئي وليس عن الشيء الخفي، والأمثلة على سفور
نساء الصحابة في عهد الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم )لا حصر لها.
وللحديث بقيه
0 تعليقات