د. أحمد هراد⃰⃰
ظهرت قضية إقليم بني شنقول على السطح في الآونة الأخيرة بسبب
تداعيات أزمة سد النهضة الإثيوبي، ولشح المعلومات حول الإقليم وربما لخصوصيته من
الناحية الجغرافية والإثنية التي يتميز بها بقية الأقاليم الإثيوبية – باستثناء
إقليم غامبيلا – أصبح الإقليم مادة إعلامية خصبة لاختلاق تاريخ جديد للمنطقة بشكل
يخدم مصالح الأطراف المتنازعة حول السد، علها تكون مادة ورقة ضغط للمساومة في
المستقبل، وهكذا بالفعل كان الاتجاه الذي دفعت البيانات الصادرة من القاهرة
والخرطوم بما يخص الإقليم، ولعل تصريحات وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق
المهدي وكذلك تصريحات د. محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس
النيابية التي ربطت بين اتفاقية 1902م ” الاتفاقية الأنجلو-إثيوبية ” وبين إثيوبية
الإقليم خير دليل على ذلك (1) (2).
لذا وجب أن نوضح تاريخ إقليم بني شنقول قبل وأثناء 1902م بالوثائق
والأدلة، ساعين من خلال المقال فك الارتباط بينهما حتى نعيد العقلانية في إدارة
النزاع بين الأطراف المختلفة.
إقليم بني شنقول
يقع إقليم بني شنقول – غوموز الحدودي في غرب إثيوبيا وتحديدا على
سفوح الهضبة الشمالية، فيحدها من الشمال والشمال-شرق إقليم أمهرا، وفي الجنوب
وجنوب شرق إقليم أوروميا، بينما تحدها جمهورية السودان من الغرب، وتبلغ مساحة
الإقليم خمسين ألف كيلومتر مربع وعاصمتها هي مدينة أسوسا، يعتبر الإقليم منخفضا
مقارنة بالإقاليم المحاذية وإن كان يبلغ ارتفاعه بمعدل 1500م فوق سطح البحر، يمر
نهر أباي (النيل الأزرق) من خلال الإقليم من الشرق إلى الغرب ويقسمه إلى ضفة
شمالية وجنوبية.(3)
من الناحية الإدارية كان الإقليم مقسما بين محافظتي غوجام ووليغا
في غرب إثيوبيا طوال الحكومات السابقة، ولكن أعطي للمنطقة حق تكوين إقليم على ضوء
دستور 1995 الذي أعطي القوميات حق تكوين الأقاليم وفقا لمبدأ الإثنو-فيدرالية
(الفيدرالية على أساس عرقي وإثني). يضم إقليم بني شنقول، ثلاثة مناطق Zones هي: أسوسا، كماشي، متيكل، أما تاريخيا
فالإقليم كان أرضا لمشيخات قديمة مثل مشيخة بني شنقول وأقولدي وخوموشا بالإضافة
إلى مشيخة غوبا.(4)
أما من الناحية الديموغرافية، فعدد سكان الإقليم يصل إلى حدود
مليون ونصف نسمة، وهم غير متنجانسين من الناحية الإثنية، فالسكان ينتمون لعدة
عرقيات أو شعوب مختلفة كقومية البرتا والغومز والقواما والشيناسا، إلا أن أكبرها
عدديا هي قومية البرتا التي تشكل حوالي ربع سكان الإقليم، تليها قومية الغوموز،
وهذه القوميات تنضوي تحت مظلتي الشعوب النيلو-صحراوية التي لها امتداد في السودان
وجنوب السودان وتشاد والنيجر وكينيا وشعوب الأمو التي تتواجد في الجنوب الإثيوبي،
بالإضافة إلى القوميات الإثيوبية التي هاجرت من مناطقها لغرض العمل مثل قوميتي
الأمهرا والأغو والأورومو.(5)
خلفية تاريخية عن الإقليم
تاريخ المنطقة قبل القرن التاسع الميلادي فقير نظرا لشح المعلومات
مقارنة بالمناطق المجاورة، ولعل ابن حوقل النصيبي هو أول من ذكر هذه المنطقة في
كتابه صورة الأرض حينما تحدث عن حدود النوبة والحبشة، وذكر أن سكان تلك المناطق لا
دين لهم أو شريعة وليس لأحد طاعة عليهم.(6) لذا فأغلب التاريخ المكتوب عن المنطقة
يعود مصدره بشكل رئيس إلى التراث الشفهي لتلك الأقوام أو لكتب المستشرقين الرحالة
الذين وفدوا إلى المنطقة في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر
الميلادي، ولقلة المعلومات عن هذه الأرض سميت في أدبيات المؤرخين ب “الأرض الخالية
“No Man’s Land – أرض اللا إنسان!
(7).
لعل أول رحالة أوروبي ذكر منطقة بني شنقول هو الأسكتلندي جيمس بروس
وذلك في عام 1772م (8)، ولكن رغم قلة المعلومات وندرتها عن المنطقة إلا أن
الإشاعات المرتبط بها كانت تدور حول وجود المعادن النفيسة كالذهب والفضة أو ووفرة
العبيد فيها، وهو ما جعلها محط أنظار الجميع.
كانت هذه الأخبار المتقطعة كافية لجذب اهتمام الوالي محمد علي باشا
في مصر، فبعد أن قام الوالي بحملة لفتح السودان في بداية العشرينات من القرن
التاسع عشر الميلادي ونجاحه في ضم سلطنة سنار في السودان إلى حكمه بين 1822-1823م
(9)، شن محمد علي باشا حملة على على الأرض الخالية No man’s land ، وبعث العديد من الرحالة والمستكشفين إلى
الشرق من سنار وجنوبها بغرض البحث عن بريق الذهب في تلك المناطق وأيضا بغرض اكتشاف
منابع نهر النيل وتأمينه (10) ولم تجد حملة محمد علي باشا أي صعوبة تذكر في
الاستيلاء على تلك المناطق نظرا للفارق الكبير بين تسليح الحملة وبين القوة
البدائية لأهالي تلك المنطقة، كما لم يجد الوالي صعوبة في تحقيق أهدافه من الحملة
المصرية على المنطقة وهو الذهب والرقيق، فكانت منطقة بني شنقول وكوموشا تصدر ما
يقارب 4000 رطل من الذهب الخالص -حوالي 1800 كيلوغراما- سنويا وللوالي مباشرة
بالإضافة إلى الكثير من الرقيق. (11)
الهجرات إلى الإقليم
بدأت الهجرات إلى المنطقة منذ وقت قريب نسبيا وعلى موجتين كبيرتين،
كانت الموجة الأولى من قومية البرتا التي تعتبر الأكبر عدديا في الإقليم وتشير كتب
التاريخ اعتمادا على الموروث الشفهي لقومية البرتا، أنهم قد انتقلوا من الغرب – أي
من السودان الحالي – وتحديدا من المنطقة الجبلية تقع في جنوب سنار والتي تسمى بجريGerri إلى تلال المنطقة الحالية التي يسكنونها في
بني شنقول، تقريبا في الفترة ما بين القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين
(12)، بسبب الحروب الاهلية التي وقعت في سلطنة سنار بين أهم مكوناتها وهي الهماج
والفونج، وأيضا بسبب هجمات تجار الرقيق من قبائل الشكرية السودانية، واختيارهم
للسكن في تلك التلال أكسبهم لقب الجبلاويين (13) (14)، وهذه الموجة الأولى لم تحدث
مرة واحدة بل كانت على شكل عدة أفواج متعاقبة، وهو السبب الرئيس لعدم ارتباط
الجبلاويين ببعضهم البعض ضمن وحدة سياسية واحدة، في حين أن سكان البلاد الأصليين في
تلك الفترة قبل مجيء البرتاويين المهاجرين كانوا من قوميتي القواما والماو، الذين
تم إزاحتهم مع مرور الوقت بالاتجاه جنوبا وشرقا. (15)
أما الموجة الثانية من الهجرة فكانت بعد سقوط سلطنة سنار في
السودان في 1821-1823م، وأدت حادثة حرق قائد الحملة المصرية إسماعيل كامل باشا
الابن الثالث لمحمد علي باشا في شندي 1822م (16) إلى فرار العديد من التجار
والأعيان العرب من سلطنة سنار والاتجاه جنوبا إلى منطقة بني شنقول والمناطق
المقابلة لها في الجهة السودانية التي تسمى بفازوغلي، ودخلوا على شكل جلابة وفقراء
(17). الجلابة هم التجار باللهجات السودانية الذين اشتغلوا بتجارة جلب العبيد،
ومنها اشتق اسم الزي ” الجلابية ” الذي كان مشهورا في أوساطهم آنذاك ومازال،
والفقراء هم المشايخ ورجال الدين الذين اشتغلوا في تعليم الدين والقرآن للعامة،
واستقرت هذه الفئة الوافدة في وسط سكان البرتا الجبلاويين وتصاهروا معهم، ونتيجة
لهذا التصاهر تكونت فئة اجتماعية جديدة سميت بالوطاويط (18) (19) وتمكنوا خلال
فترة وجيزة من تصدر الساحة السياسية في المنطقة، يذكر التاريخ أن أول حاكم عربي من
الوطاويط حكم المنطقة هو الفضلي، وهو ابن التاجر يعقوباب وابن بنت إدريس أحد ملوك
الجبلاويين الذين يلقبون محليا ب” المك “، والفضلي هو جد الأكبر لعبدالرحمن خوجلي
المعروف بلقب تور الغوري الذي سنأتي على ذكره لاحقا. (20)
الإقليم والمتغيرات السياسية في مصر والسودان
كانت الأوضاع في بني شنقول مستقرة في الفترة ما بين 1820-1880م وملجأ
لكل من تأثروا سلبا من تبعات التغيير السياسي الكبير الذي حدث في السودان نتيحة
سقوط سلطنة سنار وضم السودان لمصر التي كانت ولاية عثمانية – اسما – آنذاك، إلى أن
وقع حدثين مهمين متتاليين غيرا من استقرار المنطقة بشكل كبير، الحدث الأول هو عزل
الخديوي إسماعيل وتنصيب ابنه الخديوي توفيق مكانه في 1879م، وهو ما أثار حفيظة
الوطنيين في كل من مصر والسودان مثلما حدث في ثورة عرابي باشا، التي دفعت بالخديوي
الجديد في طلب المساعدة من الإمبراطورية البريطانية، والحدث الثاني هو قيام الشيخ
محمد أحمد “المهدي” بالثورة ضد الحكم المصري-التركي في السودان في 1881. (21)
نجحت ثورة المهدي في النصف الأول من ثمانينيات القرن التاسع عشر في
اكتساح أغلب الأراضي السودانية الحالية وقتل الحاكم البريطاني جورج غوردون (22)،
وهو ما شجع ملك الحبشة آنذاك في مراسلة المهديين لمعرفة نواياهم في بداية الأمر
(23)، ولكن بسبب التسوية التي تمت بين الحبشة ومصر والتي نصت على تنازل مصر عن بعض
المناطق التي احتلتها في الحبشة مقابل انسحاب الجيش المصري من القلابات التي كانت
تعتبر ثغر السودان المطل على الحبشة، أدت إلى حدوث مناوشات ومماحكات بين
الإثيوبيين والمهديين انتهت بالمواجهات الواسعة بين الطرفين وسقوط غوندار -عاصمة
الحبشة- في 1888م ثم مقتل الملك يوحناس في معركة القلابات في 1889. (24)
أثارت ثورة المهديين موجة من التعاطف والحماس في صفوف مواطني قومية
البرتا في منطقة بني شنقول، ولم يجد المهديون في بداية الأمر أي صعوبة في بسط
نفوذهم في تلك الناحية، لذا اتسع نطاق المواجهات بين الحبشة والمهديين، فلم تقتصر
على الجزء الشمالي من الحدود الإثيوبية – السودانية الحالية مثل المتمة والقلابات
وكسلا، بل امتدت إلى بني شنقول التي أصبحت مسرحا للمواجهات العسكرية بين الطرفين،
ولعل أبرز المعارك التي حدثت في المنطقة كانت معركة جتي ديلي Gute Dili في 1888م التي قادها راس غوبانا وليقا
نيقامت ضد المهديين والتي انتهت بانتصار الحبشة. (25)
تبعات هذه المعركة بالإضافة إلى عوامل أخرى في داخل دولة المهديين
كالمجاعة في انتشرت في السودان في 1888م نتيجة ضعف محاصيل الحصاد، بالإضافة
هزيمتهم في معركة توشكي في العام اللاحق 1889م ، جعلت المهديين يقومون من خلال
عاملهم في بني شنقول خليل الخزاني بفرض الجزية على أبناء البرتا وهو ما رآه
البرتاويين إهانة بالغة لهم، فالجزية في الإسلام كما هو معلوم هي ضريبة تفرض على
غير المسلمين من الرعايا، وهو ما أدى إلى امتناع العديد من قادة البرتا مثل
عبدالرحمن الغوري عن دفع الجزية لأم درمان حاضرة دولة المهديين آنذاك (26)، وكان
هذا العصيان بداية لانحسار نفوذ المهديين عن منطقة بني شنقول لصالح القادة
المحليين من البرتاويين، الذين كان أبرزهم: عبدالرحمن الغوري، الخوجلي حسن، ومحمد
ود محمود. (27)
نجح بعدها الشيخ عبد الرحمن الغوري من إقامة حلف يضم الثلاثة
لتشكيل نواة سياسية لإدارة المنطقة، ولكن لتباين أهدافهم واختلاف تحالفاتهم بين
الحبشة والمهديين، أدت إلى انهيار الحلف بعد فترة وجيزة في 1891م، فتحالف الشيخ
محمد ود محمود مع الأمير خليل الخزاني أحد قادة المهديين للهجوم على المنطقة وأسر
الحسن وابنه الخوجلي وسجنهم في أمدرمان، ونجحا في أسر الحسن وابنه بالفعل، وهو ما
دعى بالخوجلي لأن يتحالف مع الحبشة بعد أن خرج من السجن، وعلى إثر تحالفه مع الحبشة
قاد راس مكونن القائد العسكري الأبرز في الحبشة آنذاك حملة لإخضاع كل من مشيخة عبد
الرحمن الغوري ومحمد ود محمود في 1896م، ونجحت حملته في بسط السيادة الحبشية على
كافة أرجاء منطقة بني شنقول مع حلول عام 1897م. (28)
توسعات منليك والقوة المعنوية البريطانية
لم تتوقف حملات الإمبراطور منليك الثاني عند حدود مشيخات بني شنقول
فقط، ففي العام التالي 1898م أرسل الإمبراطور أربع حملات عسكرية باتجاه الشمال-غرب
والغرب والجنوب-غرب داخل أراضي السودان المصري- الإنجليزي بهدف الوصول إلى النيل
الأبيض وتأمين منطقة الدلتا التي بين فرعي النيل الأزرق والأبيض، فوصلت الحملات
إلى لادو وفاشودة، ورفع العلم الإثيوبي في الروصيرص. (29)
من الناحية الأخرى وفي أثناء سعي البريطانيين الحثيث باتجاه
أمدرمان، وعلى وقع الأخبار المتعلقة بالتوسعات الغربية لمنليك الثاني علاوة على
هزيمة الإيطاليين في عدوة العام الماضي 1896م على يده، رأى البريطانيون ضرورة
التوصل إلى اتفاق لرسم الحدود بين الإمبراطوريتين حتى لا تصطدم بريطانيا في حرب
مباشرة مع إثيوبيا قد تكون نتيجتها مخزية مثل هزيمة عدوة، لذا أوفدت مبعوثها
الدبلوماسي جيمس رينل رود Rennell Rodd إلى أديس أبابا للتفاوض مع إثيوبيا لرسم الحدود ولضمان حيادية
الإمبراطور في الصراع البريطاني-الفرنسي على أعالي النيل (30)، ونتج عن هذه
المفاوضات أن تم رسم الحدود الشرقية لإثيوبيا مع المحمية البريطانية في صوماليلاند
British Somaliland والتي سميت لاحقا
باتفاقية رود 1897 (31)، بينما رأى اللورد رود فيما يخص الحدود الغربية لإثيوبيا
أن يتم تأجيل التفاوض فيها، لأنه لا يمكن التفاوض مع منليك الثاني الذي يتقدم
عسكريا على الأرض باتجاه الغرب، إلا بعد أن تنال بريطانيا قوة معنوية على الأرض في
السودان المصري، ولن يتم ذلك إلا عن طريق هزيمة المهديين وإسقاط أمدرمان. (32)
في العام التالي وتحديدا في الثاني من سبتمبر 1898م، تمكن
البريطانيون من هزيمة المهديين في معركة كرري – شمال أمدرمان – ودخول العاصمة
وإسقاط دولتهم، بعدها دخلت بريطانيا في سباق مع الزمن لإسقاط أكبر قدر ممكن من
الحواضر والمدن الشرقية في السودان المصري حتى يكون لها قوة على الأرض تستطيع بها
التفاوض مع منليك الثاني، فتمكنت القوات البريطانية من هزيمة القوات المهدية
المتبقية في الغضارف بقيادة الأمير أحمد فضل في أكتوبر 1898م وضمها بالكامل في
نوفمبر، ثم اتجهت جنوبا واحتلت سنار والروصيرص ثم فازوغلي، عندها أنذرت القوات
البريطانية الإمبراطور منليك من الاستمرار في التقدم باتجاه الغرب. (33) (34)
المفاوضات بين الطرفين
بعد اكتساب القوات البريطانية القوة المعنوية وترجمتها على الأرض
من خلال بسط سيطرتها على أغلب أراضي السودان المصري في 1899م، رأت بريطانيا أن
الوقت قد حان للجلوس إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى تسويات مع إثيوبيا بشأن
الحدود الغربية، فقام اللورد كرومر Cromer الحاكم البريطاني لمصر بتكليف السير جون لين هارينتون John Lane Harrington المستشار الدبلوماسي
في زيلع – صوماليلاند – للسفر إلى أديس أبابا وبدء المفاوضات المتعلقة بالحدود
الإثيوبية – السودانية مع الإمبراطور.(35) شدد اللورد على هارينتون الالتزام
بإطارين للتفاوض:
1- الحفاظ المصالح المائية لمصر ونهر النيل، وذلك للحفاظ على قدرة
مصر الإنتاجية في الزراعة الذي تتحكم به بريطانيا.
2- بسط السيادة البريطانية على جميع الأراضي السودانية التي
امتلكتها مصر قبل الثورة المهدية.
توصل الطرفان بعد عدة جولات من المفاوضات الماراثونية التي بدأت في
الأول من أبريل 1899م إلى توقيع اتفاقية الأنجلو-إثيوبية في الخامسة عشر من مايو
1902م، وتم فيها الاتفاق حول الحدود الإثيوبية-السودانية ومياه النيل، مع العلم أن
الحدود في اتفاقية 1902 هي مجرد تعديل على اتفاقية الأنجلو-الألمانية السابقة في
1890م، فخط الطول الذي رسم الحدود الإثيوبية-السودانية وهو 35 شرق غرينيتش لم
يتغير في كلا الاتفاقيتين. (36)
أثبتت الوثائق البريطانية والإثيوبية على حد سواء بسط الإمبراطورية
الإثيوبية سيادتها على إقليم بني شنقول قبل اتفاقية 1902م، فسياسة “القوة على
الأرض” التي اتبعها منليك كان لها الدور الأكبر في رسم الحدود الإثيوبية-السودانية
وليس التنازل أو الاقتطاع كما يروج الاعلام العربي للأسف الشديد، وهو ما جعل
التسوية الحدودية بين إثيوبيا وبريطانيا فريدة من نوعها مقارنة التسويات الحدودية
الأخرى، كما قال المؤرخ فيكي رام . (37)
هذه بعض الوثائق المتعلقة ببني شنقول قبل 1902م:
الوثيقة الأولى – بتاريخ الثلاثين من أغسطس 1898م
وهي وثيقة بخط اليد بعث بها الإمبراطور منليك إلى الشيخ خوجلي حسن،
يدعوه فيها أن لا يتنازع مع قائد الأورمو الملحي جتي تولي بخصوص الأراضي الخصبة في
بيغي، وأن المحكمة ستقوم بحجز هذه الأراضي. (38)
الوثيقة الثانية – بتاريخ الخامس والعشرين من ديسمبر 1899م
أعطى الإمبراطور منليك الثاني ترخيص التنقيب لشركات بريطانية
وتحديدا لشركة السيد جورج وليام لين Goerge William lane ، على أن تكون مدة الترخيص أربعة سنوات. (نسخة الوثيقة الثانية في
المصادر) (39) (40)
نص الوثيقة:
أنا، منليك الثاني، ملك ملوك إثيوبيا، ممثلا نفسي وولي عهدي، إلى
السيد جورج وليام لين وإلى مرافقيه الإنجليز من مدينة لندن، قد أعطيت التصريح في
هذه الرسالة (ينفذ بناء عليه).
أ) أعطيت التصريح للسيد لين في البحث عن الذهب والفضة وأي شيء آخر
قابل لاستخراجه من الأرض في كل بلاد بني شنقول، لمدة أربعة سنوات، والسنوات الأربع
المذكورة تبدأ مع بدء الحفريات.
ب) إذا تشاجر العمال في شركة السيد لين، فالرجل التي ستعينه الشركة
هو من سيقوم بحل النزاع ومعاقبة المخطئين، ولكن في حالة القتل، فإن الإمبراطور
بنفسه سيبت في الأمر.
كتبت في أديس أبابا في السابع عشر تهساس 1892 الموافق ل الخامس
والعشرين من ديسمبر 1899
أنا السيد لين، قبلت هذا التنازل من الإمبراطور منليك الثاني،
ولتوكيد قبولي سأرفق توقيعي
ج. و. لين
الشهود: ألفريد
ه.ب. ويذروول
الخاتمة
الربط بين قضية شنقول واتفاقية 1902 ينم عن جهل شديد بتاريخ بني
شنقول وعن ملابسات ضم الإقليم للتاج الإثيوبي في 1897م الذي قبل الاتفاقية
الأنجلو-إثيوبية بخمس سنوات، وكيف أن الإمبراطور استخدم سياسة القوة على الأرض
لتوكيد رؤيته لخارطة إثيوبيا التي أعلن عنها في 1891م، وقد نجح في بعض منها مثلما
في بني شنقول ولكنه فشل في توكيد سيادته في الأراضي التي اكتسبها قبل الاتفاقية
نتيجة لللجوء القوات البريطانية لاستخدام مبدأ القوة المعنوية على الأرض وهي صورة
مطابقة لمقاربة منليك الثاني.
كان الأجدر أن تكون السياسات الخارجية للدول مبنية على المعلومات
والوثائق، بدلا من اعتماد ما تتناقله منصات التواصل الاجتماعي التي ترتع فيها
ظاهرتي الشعبوية وتزييف التاريخ وإعادة تفسيره بطريقة متعسفة جدا دون الوقوف على
حقيقة الأمور، وهذا مؤشر لابتعاد مسؤولي المنطقة عن العقلانية والواقعية في إدارة
الأزمات.
⃰– كاتب في شؤون القرن الأفريقي
المصادر والمراجع
(1) بيان وزارة الخارجية السودانية في الموقع الرسمي في الفيسبوك –
تاريخ 30 أبريل 2021.
https://www.facebook.com/SudanMoFA
(2) لقاء د. محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس
النيابية على قناة الجزيرة مباشر – تاريخ 12 يوليو 2021 – الدقيقة 21
https://www.youtube.com/watch?v=tzGsUvHioCw&t=1381s
(3) وكالة الإحصاء المركزي الإثيوبي
(4) http://www.ethiodemographyandhealth.org/Benishangul.html
(5) https://www.refworld.org/docid/54bf5e6d4.html
(6) أبو القاسم محمد بن حوقل النصيبي، كتاب صورة الأرض – بحر فارس،
الصفحة 61- 62
(7) Alessandro Triulzi: Salt, Gold and
Legitimacy, Prelude to the history of a no-man’s land Bela shangul,
(8) James Bruce: Travels to Discover the
Source of the
(9) Arthur E. Robinson: The Conquest of
the
(10) Bahru Zewde: Relations between
(11) ibid, P.21
(12) Atieb Ahmed Dafalla, Sheikh Khojele
Al-Hassan and Bela-Shangul (1825-1938), B.A dissertation (HSIU, 1973), P.2
(13) Zewde, (no. 10)
(14) Gerard Prunier,Eloi Ficquet:
Understanding contemporary
(15) Abdussamad H. Ahmad: Trading in
Slaves in Bela-Shangul and
(16) Encyclopedia Britannica 1911.
https://theodora.com/encyclopedia/s/shendi.html
(17) Zewde (no. 10) P. 16
(18) Binayew Tamrat Getahun, Alemseged
Debele Tsega: Centre- Periphery Relations in
Ethiopian Empire: The Case of
Benishangul Gumuz, 1898 – 1941
(19) معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية، لأحمد تيمور. الجزء
الأول، حرف الجيم، صفحة 42
(20) Dafalla (no. 12) P. 7-9
(21) https://www.britannica.com/topic/al-Mahdiyyah
(22) Ibid.
(23) الحرب الحبشية السودانية 1885-1888 (الطراز المنقوش ببشرى قتل
يوحنا ملك الحبوش)، صفحة 11
(24) https://ethiopianhistory.com/Yohannes_IV/
(25) Alessandro Triulzi: Trade, Islam,
and the Mahdia in Northwestern
(26) Zewde (no. 10) P. 22
(27) Ahmed (no. 15) P. 435
(28) von Alexander Meckelburg: From
“Subject to Citizen”? History, Identity and Minority
Citizenship: The Case of the Mao and
Komo of Western
(29) K. V. Ram: ANTECEDENTS TO THE
SUDAN-ETHIOPIA BORDER NEGOTIATIONS AND THE AGREEMENT OF MAY 1902
(30) Ibid. P. 57
(31) EDWARD ULLENDORFF: THE 1897 TREATY
BETWEEN
(32) Ram (no. 28) P. 47
(33) https://www.britishbattles.com/war-in-egypt-and-sudan/battle-of-omdurman/
(34) Ram (no. 28) P. 48
(35) Edward Coltrin Keefer: The career
of Sir John L. Harrington: Empire and
(36) Anglo-German Protocol 1890 and
Anglo- Ethiopian Agreement 1902
(37) Ram (no.28) P. 1
(38) Abdussamad H. Ahmed: Bela-Shangul :
Letters as Source Materials to the History of the Frontier Zone of Imperial
(39) FO 1/34 Mr Harrington Diplomatic
and Treaty.
(40) اطلعت على الوثيقة في الأرشيف الوطني، ونظرا لحقوق الحفظ
اضطررت إلى كتابة الوثيقة ونقلها حرفيا، بالإمكان الرجوع إلى الوثيقة في رقم
المصدر السابق (39).
0 تعليقات