د. عمر القراي يكتب:
تعقيب على د. أمين حسن عمر
(كيفَ وإن
يَظهَرُواعَلَيكُم لا يَرقُبُوا فِيكُم إلّاً ولا ذِمّةً يُرضُونكم بِأفوَاهِهِم
وَتَأبَى قُلُوبُهم وأكثَرُهُم فاسِقُون* اشتَرَوا بآياتِ اللهِ ثًمًناً قَلِيلاً
فَصَدُوا عَن سَبِيلِه، إنَّهم سَآءَ ما كَانُوا يَعمَلُون) صدق الله العظيم .
منذ أن ظهر د. الترابي رحمه الله، في قناة الجزيرة، وهاجم تلاميذه
من الإخوان المسلمين في المؤتمر الوطني، ووصفهم بأنهم سرقوا المال العام، وخدعوا
الشعب، سقطت عن عورتهم ورقة التوت، ووقفوا عراة من أي شبهة دين .. ثم لما قامت
ثورة ديسمبر المجيدة، ورأى الناس مبلغ حقدهم على المواطنين، ومبلغ سوء وجهاز
أمنهم، وكتائب ظلهم، وكيف كانوا يبطشون بالشباب الأعزل، في محاولة دموية، لاسكات
صوت الثورة، معتمدين على فتاوى أشياخهم للمخلوع، بأن يقتل ثلث الشعب السوداني،
أصبحت فرصة إدعاء أنهم جماعة إسلامية بعيدة المنال. وبدأ أمرهم يتكشف، وبعدهم عن
الدين يتوكد، ليس في السودان فحسب وإنما على مستوى العالم.
ولما أصبحت المتاجرة بالدين غير ممكنة، اتجهوا للمتاجرة
بالديمقراطية، التي جاءت رغم أنفهم، كنتاج طبيعي للثورة الشعبية. في هذا الاتجاه،
كتب د. أمين حسن عمر، وهو من القيادات الإخوانية، الي اشتهرت في العهد البائد،
بالتعالي والغرور، وما كان لها أن تصل موقع القيادة، لولا أن تنظيم الإخوان
المسلمين قد تدهور وانحط، حتى صار من مفكرية حسين خوجلي، والطاهر التوم، واسحق فضل
الله، وأمين حسن عمر ..
كتب أمين معلقاً على الدعوات التي ظهرت هنا وهناك، تطالب بالمصالحة
مع الإخوان المسلمين، وعدم إقصائهم، بحجة أن العهد الحاضر عهد ديمقراطي. وأن
الديمقراطية تقوم على قبول الآخر، وإعطاء فرص متساوية في العمل السياسي، لكافة
الكيانات والأحزاب والمجموعات الوطنية، ذات الوجود الجماهيري..
يقول د.أمين حسن عمر ( يتحدث مشفقون وحادبون عن مصالحة سياسية
وبخاصة بين الإسلاميين والنافذين في حكومة الانتقال ولا شك في نبل الدوافع للدعوة
ولا أقلل من شأن فائدة تحسين العلائق بين الفاعلين في المضمار السياسي فالمصالحة
بينهم وقبول بعضهم لبعض على اختلاف بينهم هو مقتضى النسق الديمقراطي فالديمقراطية
إنما تنهض على التنافس لا على التنافي ...)(وسائل التواصل 23 يوليو 2021م).
أول ما يجب تقريره هنا، هو أن نظام الإخوان المسلمين البائد مدان،
وهو يجب أن يدفع أولاً ثمن إدانته، قبل أن يطالب بحقوقه .. فلا بد أولاً من محاكمة
رموز النظام السابق، على قتل آلاف المواطنين في دارفور، وفي جبال النوبة، وفي
النيل الأزرق.. وهذه جرائم لا تسقط بالتقادم ولابد فيها من القصاص . ثم أن الإخوان
المسلمين قد نهبوا المال العام، واشتروا به الفلل في ماليزيا وفي دول الخليج،
فلابد أن يردوا المال الذي سرقوه، ويسآلوا من أين لهم الأموال الطائلة التي لا
زالوا يتمتعون بها؟ وبخاصة د. أمين حسن عمر فقد عرفته منذ أن كنا طلاباً في مدرسة
عطبرة الثانوية، وكان من أسرة فقيرة، فمن أين له مدارس كامبردج وكل هذه العمارات
والممتلكات ؟! فالنظام الديمقراطي ليس فوضى حتى يصالح المجرمين بدلاً من أن
يعاقبهم. ثم هل يقبل أمين وجماعته بالديمقراطية ؟! فلماذا قاموا بانقلاب الإنقاذ
العسكري في يونيو 1989م بعد أن فشلوا في نيل أغلبية في الانتخابات ؟!
وهل فكر المودودي وسيد قطب يدعو للديمقراطية أم لتطبيق الشريعة
الإسلامية التي تقوم على الخلافة ؟! ولو كان أمين أميناً لشكر الذين دعوا
لمصالحتهم بدعوى الديمقراطية، ولقال أنهم لا يقبلون هذه الدعوة، لأنهم ضد فكرة
الديمقراطية باعتبارها نتاج غربي مخالف للشريعة الإسلامية. وأنهم لن يصالحوا حكومة
الفترة الإنتقالية، لأنها حكومة علمانية كافرة، وإنهم الآن يستعدون لإسقاط هذه
الحكومة وإذا نجحوا فإنهم سوف سيقتلون الشيوعيين والبعثيين والجمهوريين
والعلمانيين ويحكمون بالشريعة الإسلامية !!
ومما قاله أمين (إن ما يحتاجه الوطن أكثر هو الإصلاح وإنما تأتي
المصالحة بنداً فرعياً في روزمانة الإصلاح ... فالنظام السياسي معطوب منذ زمان معطوب
في اطاره الناظم العام ومعطوب في تنظيماته ومعطوب في رؤاه الفكرية ومعطوب في
قياداته التاريخية التي لا تتجدد ولا تتبدل ولا تتطور فالمطلوب الأكبر مشاورة
وطنية كبرى لإصلاح النظام السياسي) !! فهل كان الوطن معطوباً قبل إنقلاب جماعة
أمين حسن عمر أم أنه عطب بعد انقلابهم المشؤوم في عام 1989م ؟ فإن قال إنه كان
معطوباً قبلهم فلماذا لم يصلحوه حين حكموا ثلاثين عاما ؟! وإذا كانوا قد عجزوا عن
إصلاح الوطن المعطوب لماذا لم يتنحوا ويعطوا الفرصة لغيرهم ؟! وإذا كان كان الوطن
قد أعطبته سياستهم الخرقاء على مدى ثلاثين عاماً فهل يستحقوا أن يعطوا فرصة
لمحاولة إصلاح ما أفسدوه بأنفسهم لمصالحهم الشخصية؟!
إن عدم الصدق، وعدم الخلق، وعدم الحياء، هو الذي يجعل مثل أمين حسن
عمر يتحدث عن الديمقراطية، وعن وطن معطوب، قاموا هم بتدميره، وبيعه، وحرقه، وتقتيل
أبنائه، واغتصاب نسائه، وسرقة كل ثرواته. وهل للإخوان المسلمين رؤى فكرية، غير
الاغتيالات السياسية، والهوس الديني، وادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية، والعجز عن
الاقتراب منها. ألم يكفروا كل من عداهم، وصعدوا الحرب في الجنوب باسم الجهاد،
وساقوا الشباب المضلل لمحرقة الحرب، ثم صالحوا الحركة الشعبية، وعينوا زعيمها وهو
رجل مسيحي، نائباً لرئيس الجمهورية التي زعموا أنها كانت إسلامية ؟! فهل هذه رؤى
فكرية إسلامية، أم تخبط ما له من قرار ؟!
وأمين لا يرضى بمجرد المصالحة، وإنما يريد أن يسمع صوتهم، ويؤخذ
برأيهم، بعد أن خرج الشعب ضدهم في ثورة فريدة واسقطهم .. أسمعه يقول ( فالمطلوب
الأكبر مشاورة وطنية كبرى لإصلاح النظام السياسي) !! فما علاقة الإخوان المسلمين
بالوطن ؟! ليس في فكر الإخوان المسلمين وطن، وإنما هناك دار حرب فيها كل من عداهم،
ودار سلم فيها كل من والاهم . فهم لا يعترفون بالأوطان، وإنما يقدرون أعضاء التنظيم
الدولي للإخوان المسلمين، أكثر مما يقدرون أقاربهم من السودانيين، إن لم يكونوا في
جماعتهم. ثم كيف يشاوروا في قضية الإصلاح، وهم سبب الخراب لأكثر من ثلاثين عاماً
؟! فلو كان لديهم معرفة بالإصلاح، لما بلغت البلاد على أيديهم ما بلغت من الخراب
والفساد والدمار والحروب.
ولما كان الإخوان المسلمون قد مردوا على النفاق، فقد قال أمين (لا
يريد الإسلاميون عفواً ولا مصالحة بل يريدون العدالة التي أبعدت عنها حكومة
الانتقال النجعة وخربت مؤسساتها بالعزل والترهيب)!! فما هي المقارنة بين ما فعلت
بهم حكومة الانتقال، وما فعلوا هم بالشعب السوداني ؟! ماهو العزل الذي تم لهم
مقارنة بإحالة مئات الآلاف للصالح العام، والمئات الى بيوت الأشباح، حيث عذبوا حتى
مات من مات، ولحقت الإعاقة بمن ظل على قيد الحياة ؟! ما هو الترهيب الذي تم في عهد
الانتقال للإخوان المسلمين، مقارنة بقتل الآلاف وتشريد الملايين بين معسكرات
النزوح واللجوء ؟!
وأبلغ من كل ذلك كذباً ونفاقاً، قول أمين ( فلا تفريط في ثوابت
الدين أو مكارم العرف باسم السلام أو أيما حجة أو تكأة) !! فما هي ثوابت الدين
التي رعاها الإخوان المسلمون؟! هل قتل العزل وحرق القرى واغتصاب النساء وتطبيق
شريعة قال المخلوع عنها أنها " مدغمسة" هي ثوابت الدين ؟! في لقاء
تلفزيوني بقناة النيل الأزرق، ذكر محمد محي الدين الجميعابي، وهو من قيادي
الإسلاميين، أن المخلوع عمر البشير قال له أنه يريد أن يقتل د. الترابي، ويتقرب
بقتله إلى الله !! فهل من ثوابت الدين أن تقتلوا مرشدكم، وتظنون أن ذلك يقربكم الى
الله؟ وما هي مكارم العرف والأخلاق التي يرعاها الإخوان المسلمون ؟! ففي محاكمة
قتلة الشهيد الأستاذ أحمد الخير ذكر أن المدانيين وهو ضابط في جهاز الأمن، أن
وظيفته التي عين على أساسها في الجهاز هي وظيفة مغتصب !! أي ان عمله اليومي أن
يغتصب المعتقلات والمعتقلين، من المناضلين الشرفاء، فهل هذه من مكارم الأخلاق
ورعاية العرف عند الإخوان المسلمين ؟!
إن الشعب السوداني لا ينتظر من يدعوه إلى مصالحة الإخوان المسلمين،
بل ينتظر القصاص منهم لأسر الشهداء، ولجريمة فض الاعتصام، وغيرها من الدماء
وانتهاك الحرمات. وهو لا يريد منهم إعتذاراً، بل يريد رد الحقوق المنهوبة، والأموال
المسروقة، والمؤسسات المضاعة. يريد منهم أن يراجعوا فكرهم الدخيل، ويتبرأوا منه،
حتى يعودوا من كهوف الهوس التاريخي البائس الى حضن الوطن. فهل د. أمين حسن عمر
مؤهل أن يقود تنظيمه في الاتجاه الصحيح ؟!
د. عمر القراي
سالسبيري
24 يوليو 2021م
0 تعليقات