آخر الأخبار

عاشورائيات (4) طعام المجلس…. منهج معاوية

 



 

عز الدين البغدادي

 

 

من الأمور التي اقترنت بالمجالس حتى لا تجد تكادُ من يقيم مجلساً دونها، هو إعداد طعامٍ بعد المجلس، أي بعد أن يفرغ الخطيب مما لديه. وعادة ما يُعلن أنّ هذا المجلس يعقد في مكان كذا ويختم بوجبة عشاء تبرّكا.

 

وقد تقول: لم تتوقّف عند هذه المسألة؟ وما المشكلة فيها؟

 

فأقول لك: كانت العرب في جاهليّتها وفقرها ومع ما كانت عليه من عوزٍ وشظف العيش تعيّر من يأتي القوم ليصيب عندهم طعاما، وقد عيّر قوم من العرب بذلك؛ حتى قيل في المثل: إنّ الشقيَّ وافدِ البراجمِ (البراجم بظن من تميم وكان عمرو بن هند ملك الحيرة أحرق قوما من بني دارم من تميم لأمر كان منهم، فأطلق عليه بسبب ذلك لقب "محرق"، فمر رجل من البراجم فشم رائحة اللحم، فظن أن الملك يتخذ طعاماً، فأتي به إليه، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا وافد البراجم، فقال: إن الشقي وافد البراجم. ثم أمر به فقذف في النار) فصار قومه يعيرون بحب اللطعام حتى قال القائل:

 

إذا ما ماتَ ميتٌ من تميمٍ فسرَّك أن يعيشَ فجئ بزادِ

 

وهناك من يبرّر ذلك تبريراً شرعيّا أو بتعبير أدق فقهيّا، فيقول لك: بأنْ لا مانع من ذلك، فإنّ إطعام الطعام مستحبّ. وهذا صحيح، لكن كسر الإنسان محرّم، وهذا الإنسان الّذي يأتي إلى المجلس ليأكل وأنت تتعامل معه على ذلك عندما تعلن عن طعامٍ في مجلسك لن يفهم شيئا، بل سيكون همّه وتفكيره عند الطعام: هل هو دسِم؟ هل يستحقّ المجيء إليه والعناء؟

 

إنّ هذا ليذكر بقول النبيّ (ص) حيث قال فيمن يتخلّف عن الجماعة: …. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقا سمينا (العرق قطعة اللحم) أو مِرْماتَين ( المرماة ما بين ظلفي الشاة من اللحم) حسنتين لشهد صلاة العشاء.

 

ولا يخفى عليك أنّ هذا ذمّ لهؤلاء القوم ومن يفعل فعلهم. وأتحداك أن تقيم مجلسا بدون طعام وانظر من يأتيك؟ اعتقد بأنّ الطعام في المجلس إهانة للحاضر، إهانة كان البدوي الفقير -الّذي لا ربّما لم يذق في حياته كلّها الشبعَ- يأنف منها ويجدها منقصة لمروءته، وإذا بك تجد من يبرّرها ويدعو إليها، ويعوّد الناس عليها.

 

تذكّرت هناك خبر العابد الزاهد مالك بن دينار البصري، وقد كان يوما في مجلس وقد قصّ فيه قاصّ، فبكى القوم، ثم جيء لهم برؤوسٍ (باجة) فجعلوا يأكلون منها، فقيل لمالك: كُلْ، فرفض وقال: إنما يأكل الرؤوس من بكى، وأنا لم أبكِ!!

 

وفي خبر: حضر محمد بن واسع محضرا فيه بكاء، فلما فرغوا أتوا بالطعام فتنحى محمد بن واسع ناحية فجلس، فقالوا له: يا أبا بكر، ألا تدنو إلى الطعام فتأكل؟ قال: إنما يأكل من بكى!! كأنه يعيب عليهم الطعام بعد البكاء أو مع البكاء.

 

هذا مع ما فيها من تبذير ومن تنافسٍ ليظهر الأغنياء بمظهر الخيرِ رياءً وبمظهر التنافس على الدنيا ولو كان ممن يجمع المال من حرام، ولو كان ممن يقطع الرحمَ فلا يذكر أهله ورحمه بشيء مما كسب، يصرف أحدهم ما لا يحصي ولو جاء أحدَهم فقير لما أعطاه ربع دينار، لكن هنا رياء أو تماهيا مع روح القطيع.

 

لكن لمّا كان هذا أمراً بيّنا فهو يستحقّ أن ينفق فيه، ولم لا ما دام الرياء جائراً، بل ومطلوبا في مورد واحد عند القوم إلا وهو شعائر الحسين؟!

 

أقول أخيرا: إن استعمال الإطعام وسيلة في كسب الناس هو منهج معاوية، وليس منهج الحسين ولا منهج أبيه.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات