عز الدين البغدادي
من الأمور التي أريد من خلالها تزييف وعي الناس بثورة الحسين ما
وضع مما لا يكاد يحصى عدّاً من الأحاديث التي تنشر وتكتب والتي تثبّت فهما ليس له
أصل، وهــو كذلك يستعمل لتبنى عليه أمور ومفاهيم.
من ذلك ما ينسب إلى الإمام جعفر الصادق: "كلنا سفن نجاة، لكن
سفينة جدي الحسين أوسع وأسرع" وهو مما لا أصل له.
ومن ذلك حديث قدسيّ: "خلقت الجنانَ وحور العين من نور
الحسين" وقد وجدته من حديث طويل جاء فيه: ...... ثم فتق نور الحسين فخلق منه
الجنة والحور العين فنور الجنة والحور العين من نور الحسين، ونور الحسين من نور
الله، والحسين أفضل من الجنة والحور العين" وأما المصدر، فقد ذكره المجلسي
فقال في أول الحديث: من كتاب "رياض الجنان" لفضل الله بن محمود الفارسي
بحذف الأسانيد عن أنس بن مالك....
بلا سند، يأتي بقصص لا تقبل التصديق بغير سند.
ومن ذلك ما نسب إلى الحسين أنّه قال: "من زارني زُرته؛ ولو
كان في جهنّم أخرجته"، وليس له ذكر، فضلا عن سخف متنه.
ومن ذلك ما روي من حديث قدسيّ: ..... جعلت حسينا خازن وحيِي.
ورغم أنّ هذا الحديث روي في مصادر معروفة، إلا أنّ سنده منكر ضعيف،
ففي السند بكر بن صالح، وهو ضعيف.
وفي السند أيضاً صالح بن أبي حماد، وهو ضعيف أيضا.
وهناك حديث مشتهر بين الناس عن النبيّ (ص): إنّ الحسين مصباحُ
الهدى وسفينة النجاة.
ومن حيث المتن، فإنّ مما لا شّك فيه أنّ الحسين مصباح هدى فهو
الّذي بيّن للناس الموضوع والحكم. أما الموضوع فهو ظلم وفساد بني أميّة وأما الحكم
فهو الخروج على الحاكم الجائر المستبدّ، بل رغم كل من استشهد في تاريخ الإسلام منذ
سمية أم عمار ورغم كل ما ورد في فضل الشهادة والشهيد فإنّ أحداً لم يستطع أن يعمّق
معنى الشهادة كما فعل الحسين.
لكن سند الحديث ضعيف جدّا، بل إذا نظرت إلى متن الحديث كليّاً فسيعرف
من كان له معرفة وذوق بلحن الحديث سيعرف رأسا أنّ الحديث موضوع. حيث روي عن الحسين
ع قال: أتيت يوما جدي رسول الله (ص) فرأيت أبيّ بن كعب جالسا عنده، فقال جدي:
مرحبا بك يا زين السماوات والأرض! فقال أبي: يا رسول الله، وهل أحد سواك زين
السماوات والأرض؟ فقال النبي (ص): يا أبيّ بن كعب، والذي بعثني بالحقِّ نبيا، إنَّ
الحسين بن علي في السماوات، أعظم مما هو في الأرض واسمه مكتوب عن يمين العرش: إن
الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة.
ثم إن النبيّ (ص) أخذ بيد الحسين وقال: أيها الناس، هذا الحسين بن
علي ألا فاعرفوه، وفضّلوه كما فضله الله عز وجل، فوالله لجدّه على الله أكرم من
جدّ يوسف بن يعقوب، هذا الحسين جده في الجنة وجدّته في الجنة وأمّه في الجنة وأبوه
في الجنة وأخوه في الجنة وعمّه في الجنة، وعمته في الجنة وخاله في الجنة وخالته في
الجنة، ومحبّوهم في الجنة، ومحبّو محبيهم في الجنة.
وقد نسب مصدر الحديث إلى منتخب الطريحي.
ومثل هذه المصادر لا ينبغي لمؤمن بل ولا عاقل أن يأخذ منها شيئا أو
يعتمدها في قول أو فعل أو فهم. فكيف بمن يبني عليه كما فعل الوحيد الخراساني حيث
قال: .... وإذا أردتم أن تهدوا الناس فلا تنسوا أن الحسين عليه السلام مصباح
الهدى، فما لم تجدوا المصباح لا يمكنكم هدايتهم!!
كلام لطيف ظاهرا، إلا أنّه لا معنى له واقعا. إنه يؤسّس لقبول
تخريف بعض من يجلس على المنابر، الذي يرى أن طريق الهداية ينحصر بالقضية
الحسينيّة، وأنّ الجنّة لا تكون إلا من هذه الجهة. رغم انّ الهداية مفهوم واسع،
وطرقه أكثر من أن تحصى، إلا أنّ جعل أوهام المنابر هي التي تتحكّم بالهداية.
كما إنّ هناك أبيات شعر تنسب خطأ إلى أبي عبد الله من ذلك ما روي
من أنّ الحسين عندما سقط على الأرض رفع طرفه إلى السماء وقال:
تركتُ الخلقَ
طراً في هواكا وايتمت العيال لكي اراكا
فلو قطَّعتني فـي
الحبِّ إرباً لما مال الفؤاد الى سواكا
وهما لبعض الصوفيّة إمّا لرابعة العدوية أو لابن أدهم كما قيل.
ومن ذلك ما ينسب إليه خطأ من قوله:
إنْ كان دينُ
محمَّدٍ لم يستقمْ إلا بقتلي يا سُيوفُ خذُونِي
وهو لشاعر يقال له الحويزي. ولا يخفى عليك أنّ "لسان
الحال" كان مدخلاً لتسرّب الكثير من الأكاذيب.
ومن ذلك أيضا قول شاعر وضع على لسان الحسين شعرا، ومما جاء فيه:
سادةٌ نحنُ
والأنامُ عبيدُ ولنا طارفُ المجدِ والتّليدُ
وحاشا لابن النبيّ (ص) أن يصدر مثل هذا المعنى، إذ اللفظ ليس له
قطعاً.
0 تعليقات