محمد حامد جمعة نوار
كنت ولا زلت وسأظل لأخر نفس في حياتي ؛ من الوافرين الثقة .
والصاعدين لاعلى درجات اليقين في قوات الشعب المسلحة . لا أنحرف في هذا ببيئات
الحقب السياسية وتبدلات الطقس السياسي . لا أقف على الحمولات السياسية اي كانت ولا
اجعلها وسيلة للخصم او حتى الإضافة . كنت في جانب الموالاة أو تل المعارضة .
وسيظل الجيش عندي مظلة
القومية التي تجمع حتى شتات الفرقاء المدنيين عند حوض الوطن وحياضة . وهو الملتقى
الذي يجب ان يقف فيه كل السودانيين قوسهم واحد وسهمهم وتصويبهم كما يتوحدون في
مصابهم ان خلص عدو أو مخادع للجيش نفسه فحينها سيدرك الكل أنهم تيتموا وان الخراب
بهم لاحق ويد الذل واصلة . وعندما حملنا البنادق تحت راياته حملنها بهذا الوعي وأننا
نخدم بلدنا وإن دعت الحاجة اليوم او غدا سيجدني ذات الفتي الذي شهد المشاهد . فجفل
لحظة وخاف مرة وتجزع برهة .
لكنه رأي برهان الجسارة من وطنية لم تكن هتافا . بل كانت بطولات
قدر الله ان نشهد بعضها وان نعرف العشرات بل المئات من الضباط والجنود . شهد الله أتيناهم
فوجدناهم يحبون بلدهم وجيشهم وزمالتهم دون مانفستو يسار او كتاب يمين . ما سمعت من
احد منهم سيرة حزب أو قبيلة أو جهة أو عرقة . وما عرفت مسقط رأسه ربما بسبب بوصلة
اسمه أو لقب قريته الذي الحق به فتعرف وعرف . قدمنا إليهم فذبنا في الكتائب
والسرايا نجلس حيث المواجهة التي نوزع مع السرية او الفصيلة . فان احسن الرجال أحسنا
وان جرت مقادير (اللخبتة) زرعنا تحت الشمس نتلقي دلو الفارغة والتقريع . وحتى إن
اعتبرنا احدهم طلاب وقوة مساندة وآثر صرفنا كنا نتصنع (اللخبتة) فعرفنا (التصرفات)
والتطمنا في المشاجرات وحرقنا الخدمات فإن حمى الوطيس كنا محل الكوع يحمى والريق
يبقى دقيق . وان طابت الليالي كنا أهل القصيد والنشيد وان حفتنا الملائكة زاحمنها
في الخنادق وأعالي الأشجار لارسال الآذان .
2
تجربتنا القصيرة تلك عرفتنا بأعظم الرجال . وأسخاهم واتقاهم .
عرفنا الصناديد الفحول ورأينا من به رقة فيدمع ان سقط دفعته او أصيب مجاهد في فوجه
ورأينا من يبكي حتى يهز الصمت حينما تحين لحظة الغيار . تآخينا معهم بلا عوائد .
رجال جيبوهم خواء فاخر صرفية عادة يترك بين أوراق الكتبة . اغلبهم قابلناه _ ولا
نزال _ سائق تاكسي او طالب علم على كبر . او صاحب إصابة ان أقدمت عليه تهلل بصره
المفقود فكان نور الرؤية ارتد عليه كأنه يكرفك . اخرهم الرائد الطيب الذي قابلته
في تخوم بحري يشق لظى الظهيرة . باغته بهتاف يعرفه التفت كالملسوع ما ان رآني حتى
صاح نوار البوليس ! يشير الى مقالبي مع الرفاق حيث كنت لا اضبط ولو كنت الفاعل !
جلسنا في ظل شجرة . كان يسالني كمن يقرا من ورقة عن رفاقي . بالاسم واللقب . سألته
عن حاله فقال (نزلت المعاش) قلت تقبل الله منك جهدك وجهادك فقال بيقين جميل ..يا
هو الجيش . ثم أضاف واجب وأديناه والله ولي الخواتيم .
3
جلت لسنوات ؛ أكاد أحفظ الكتائب بالعلامات والتقاليد والطقوس .
عاصرت من صادفناهم ملازمين وقابلتهم ضباطا عظام . هم نفس القوم وان حسن وقار
السنين بعض مقامات الرتب . قابلت بعضهم في محطات خارجية . التقيت بهم في مؤتمرات
وورش . جالستهم بلا برتكول ذهلت حينما تلمست حسن صنيع هذه المؤسسة بعناصرها . إدراك
عميق وعلم وافر وتأهيل مدهش . لا أبالغ ان قلت ان ضباط الجيش السوداني من
المتميزين بين أقرانهم العرب والأفارقة . شهدت جولات مفاوضات سودانية وغير سودانية
. قابلت عساكر منا يدهشون في،كل التفاصيل . أدركت وقتها ان هذه المؤسسة ورغم سيول
المؤامرة ستكون آخر حصون هذا البلد . وهذا يفسر لي كثير ويشرح لي أكثر . حول لماذا
كل هذا النخر في أساسها وساسها ومحاولة غرس المتفجرات والحرائق تحتها .
4
لم يسقط السودان في هاوية الانهيار والضياع لأنه حتى الآن يملك
مؤسسة عسكرية مرتبة وتنتقل من جيل الى جيل ودفعة الى دفعة . تتجدد ما استطاعت
ولانها فوق هذا لا تزال عصبية الانتماء القومي فيها قوية ومحايدة فلم تميل الى غير
الصالح الوطني . ولو كانت غير ذلك لحدث كثير وسقطت مقامات وثوابت . واعلم ان قولي
هذا لن يعجب البعض ممن هم أصلا نفسيتهم ومشروعهم العام يتبع غبائنهم ممن كانوا أصلا
أعين عدو ويد متأمر . مثل هؤلاء سيظل هذا الجيش غصة في حلوقهم لن تزول إلا ان حلوه
وشربوه بطعم مسكر وبعدها لن يشغلوا بالهم بما يحدث . انني في عيد القوات المسلحة
67 أرجو ان ينتبه كل وطني الى ان جبارة هذا البلد التي يجب الا تنفك هي الجيش ولا
سواه . هو الأصل والباقيين فروع . ومع هذا وان كانت من كلمة اخير للجيش و(الجياشة)
فهي،ان يوفوا لمن سبقوا وصدقوا من إخوتهم . وان يكونوا لهذا الشعب حصنه ويده الباطشة
وحكيمة المرجو . وان يعدل بين الجميع وان يكون في الموقع الذي يليق به رفعة وحزما
وعزما .
0 تعليقات