علي الأصولي
منذ فترة ليست بالقصيرة في العالم الافتراضي - فيسبوك - قرأت بعض
الكتابات وسمعت بعض الحكايات، عن التاريخ العربي الإسلامي وجغرافية الأحداث
الإسلامية ابتداءا من العهد النبوي نزولا للعهود او العهد العباسي مرورا بالعهد
الأموي، قرأت غرائب وغريب الآراء التاريخية والجغرافية الغير معهودة في طول
التاريخ الإسلامي الواصل إلينا من وثائق - المؤرخين - سواء وافقنا ميولهم المذهبية
والسياسية او خالفناهم،
وحجة هؤلاء بالجملة - إن التاريخ مزور وقد كتب بأيد غير أمينة -
وفي الحقيقة لا انفي التزوير في جملة من المسائل التاريخية ولكن ان اشطب على
التاريخ لخلافات مذهبية فهذا هراء لا اتفاعل معه،
نعم: وصلت النوبة واثارت خرائط جغرافية من الغرابة بمكان حتى جعلوا
كعبة مكة في جنوب العراق!
هذآ الهاجس الذي تشبع به هؤلاء وغيرهم وكأن العالم كله مزور وهناك
مؤامرة - بيزنطينية - كان مبدئها من التاريخ الإسلامي بشكل ممتد لحد كتابة هذه
السطور ، جعلت من هؤلاء في حال الهوس وسوق الآراء الاستحسانية وتمحلاتها على طريقة
- ربما وممكن ويحتمل - وما يجرى مجراها في تسطير التوهمات التي تفتقر للمستندات
الوثائق التاريخية والاركلوجية،
وبما أن تخصصي لا يتلاقى والتاريخ والجغرافيا ولكن هذا لا يمنع
والبحث والتنقيب بأدوات المعرفة، ومناهج البحث العلمي،
وفي ما يلي وثيقة تاريخية قديمة تبين حجم الزيف التاريخي الناص على
عدم وجود كعبة في الحجاز مع وجود أكثر من كعبة في اليمن وغيرها من البلدان،
الوثيقة ترجع لكتاب - الأصنام - للكلبي حيث نص على أن أهل اليمن في
جاهليتهم كانوا من حجاج بيت الله الحرام في الحجاز ، خصوصا قبيلة يمنية أسمها
"عك"، يَقصد أهلها الكعبة الحجازية كل عام للقيام بصورة الحج، وكانوا
يرسلون أمامهم عبدان أسودان يطوفان حول الكعبة وينشدان: "نحن غرابا عك"
أي "نحن عبدا قبيلة عك" وكانوا قديمًا يطلقون على العبد شديد السواد
"غراب".
فيرد أهل القبيلة على العبدين أثناء طوافهم: "عك إليك
عانية" أي أن قبيلة عك جائت إليك خاضعة، و"عانية" أي خاضعة مستسلمة.
وقولهم: "عبادك اليمانية" أي عبادك الذين جاءوا من اليمن
..
وقولهم:" كيما تحجّ الثانية" أي أننا جئنا لنقوم بصورة
الحج مرة أخرى ..
والكلمات التي كانوا يقولونها :
"نحنُ غُرابا عَكّ عَكّ.. عَكّ إليك عانية.. عبادك اليمانية..
كيما تحج الثانية.. لبيك اللهم هُبل.. لبيك يحدونا الأمل.. الحمد لك.. والشكر لك..
والكل لك... يخضع لك.. لبيك اللهم هبل" ..
وما ذكره الكلبي يدل بوضوح على أهمية الكعبة الحجازية، مقارنة
بالكعبات الأخرى المحلية التي كانت موجودة في جزيرة العرب.
فمن المعلوم ان أهل اليمن في ذلك الزمان كانت لهم كعبات، الا انهم
كانوا يأتون لكعبة الحجاز لأداء صورة حجهم، وهذا ما يؤكد أن الكعبة الحجازية كانت
لها مكانة دينية كبيرة بين جميع القبائل، وأنها المكان الأصلي الذي كان يحج اليه
الأنبياء ويلبون فيه الله عز وجلّ، وما تلبية عك إلا تحريف للتلبية الأصلية التي
كان يقولها ابراهيم(ع) انتهى:
إذن: دعوى عدم وجود كعبة ابراهيمية في الحجاز ومحاولة زحزحتها
للعراق قراءة بالإضافة إلى أنها شاذة فهي قراءة مشبوهة، والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات