آخر الأخبار

أفغانستان السؤال

 




 

حمدى عبد العزيز

12 أغسطس 2021

 

 

 

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ألقي بكل الاحتمالات في صرة المسرح الجغرافي الذي يمتد من شبه القارة الهندية جنوباً وشرقاً بتماس مع حدود الصين وإيران غرباً علي مقربة بسيطة من منطقة الشرق الأوسط ، وآسيا الوسطي شمالاً (طاكستان - أوزباكستان - تركمنستان) وعلي مقربة من روسيا ..

 

ربما ستذهب الظنون إلي أن أمريكا قد انسحبت لتترك ورائها لغماً هائلاً ، قبل أن ينفجر في جنودها وجنرالاتها ..

 

وربما تذهب الظنون أيضاً إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد نصبت مصيدة هائلة مفخخة للتنين الصيني تخلصها من كابوس (الحزام والطريق) نهائياً عبر ذلك التفجير الجيوسياسي (المتوقع حدوثه بعد إتمام الانسحاب الأمريكي وقفز أمراء طالبان إلي السلطة في أفغانستان وفتح باب الصراعات الجهنمية بين أمراء الحرب وزعامات القبائل والقوميات المتناحرة ) وماقد يترتب علي ذلك من وصول ألسنة النيران لنقطة عبور (الحزام) الحيوية إلي وسط آسيا فروسيا ولنقطة مرور (الطريق) من جنوب باكستان المطلة علي المحيط الهندي .

 

فباكستان الملاصقة بأفغانستان والمتشابكة معها في الحدود بكهوفها وقبائلها ومقاتليها وأمراءها تعد هي المنصة الحيوية التي يمر من مياها (الطريق) ومن أراضيها (الحزام) .

 

، وبالتالي فهي مفتاح (المحبس) بالنسبة لانطلاق التنين الصيني الذي سيدمر في طريق هيمنته علي التجارة العالمية فرص الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة علي الاقتصاد العالمي ومن ثم سيسهم بشكل في تدمير الحلم الإمبراطوري الأمريكي ..

 

وربما سيقفز حينذاك التساؤل حول إذا ماكانت ستطال شظايا هذه المصيدة الجهنمية الدب الروسي الذي لم تبارح ذاكراته آلام وجراح انهيار الاتحاد السوفيتي الذي انطلقت شواهده الأولي من خسارة الحرب الأفغانية التي فخختها الولايات المتحدة له له بذكاء افتقد هو مجاراته فكانت النتيجة هي مشهد الانسحاب المهين الحزين للجنود السوفييت من أفغانستان ؟

 

أليست أفغانستان كما رآها كبار مخططي الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية هي (مقبرة الإمبراطوريات الكبري) ؟

 

كل هذه ظنون مبدئية تخص تفسير الدوافع الأمريكية للانسحاب من أفغانستان ..

 

ولكن أيضاً لايجب أن نستبعد أن الصين ليست الإتحاد السوفيتي وليست الولايات المتحدة الأمريكية وليست اليابان ، وروسيا البراجماتية لم تعد هي الإتحاد السوفيتي وهي لم تستبعد دروس إخفاقاته من ذاكرة عمق ماكينة الدولة الروسية ..

 

أيضاً من يعرف العقلية الصينية جيداً .. يعلم أن ميراثاً راسخاً من الحكمة العميقة هو أهم مكوناتها وأحد أهم الأسس التي ينبني عليها العقل السياسي الصيني ، وأن جانباً مهماً من نجاحات الصين في العقود الأخيرة يرجع إلي هذه العقلية وإلي رسوخ عناصر الصبر وعدم الإندفاع وتحديد المنفعة علي نحو دقيق يساويه تقدير الأضرار وبناء الطموحات بناء علي حسابات الحقائق الأرضية لا الأفكار المغرية في العقل السياسي للدولة الصينية .

 

أيضاً .. لايجب أن نستبعد

 

أننا ربما قد نكتشف في قراءة زمنية لاحقة أن هذا الانسحاب كان جزءاً من سياق هزائم الهيمنة الأمريكية علي العالم .

 

لما لا ..

 

ونحن يمكننا قراءة الفترة الزمنية التي تبدأ من 11 سبتمبر 2001 إلي 11 سبتمبر 2021 ..

 

كفترة زمنية تسجل بداية أفول الإمبراطورية الأمريكية وولوج أحلام الهيمنة الأمريكية علي العالم إلي مرحلة التراجع ..

 

ذلك لأن السؤال الآن ومنذ انتهاء العقد الأول من القرن الحالي لم يصبح هو :

 

-         هل ستتراجع الهيمنة الأمريكية علي العالم ؟

 

.. بل أصبح السؤال هو :

 

-    في أي منطقة زمنية من هذا القرن سيشهد العالم زوال الحلم الإمبراطوري الأمريكي الذي أطلقه أحد أهم آباء أمريكا المؤسسين الرئيس (توماس جيفرسون) في بدايات القرن التاسع عشر ..

 

ويبدو أن طاقة هذا الحلم الإمبراطوري قد استنفذت تماماً بعد مرور قرن كامل أو يزيد قليلاً .. ليأتي القرن الحالي بشواهده التي تؤكد أنه سيكون شاهداً في - لحظة ما من عمره - علي انتهاء إمبراطورية كبري ، شأن شأنها إمبراطوريات أخري شهد التاريخ علي صعودها وازدهارها ثم كان شاهداً علي أفولها وانتهائها ..

 

لعل الأيام والشهور والسنوات والعقود والحقب تجعل بصائرنا شاهدة علي صنع التاريخ للمزيد من حقائقه العنيدة ..

____________

إرسال تعليق

0 تعليقات