إسماعيل صبري مقلد
أمر جيد حقا أن تعرض دولة الجزائر الشقيقة علي لسان وزير خارجيتها
خلال زيارته الحالية لمصر ، القيام بدور دبلوماسي وسيط في النزاع الحاصل بين مصر
والسودان وإثيوبيا حول نظام ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي من خلال اتفاق قانوني
دولي ملزم وهو ما ترفضه إثيوبيا بكل إصرار وعناد...
ووفق ما صرح به السيد وزير خارجية الجزائر، فان أي حل دبلوماسي
لهذا النزاع يجب أن يضمن مصالح الدول الثلاث الأطراف فيه، وان تلك المحاولة تأتي
في سياق الرغبة في تجنيب العلاقات العربية الإفريقية أي ضرر يمكن أن يلحق بها من
جراء استمرار هذا النزاع دون التوصل الي حل فيه...
ومع تقديرنا لهذه النوايا الجزائرية الطيبة والصادقة حول هذا الملف
الحيوي والمهم ، إلا انه تبقي لنا عدة ملاحظات علي هذا الموقف برمته ، ومن ذلك :
أولا
- إن تحقيق التوازن المنشود بين مصالح الدول الثلاث ، بات أمرا صعبا للغاية في ظل إصرار
النظام الحاكم في إثيوبيا علي التنكر التام لكافة القوانين والاتفاقيات والمعاهدات
الدولية التي تحفظ لدولتي المصب حقوقهما القانونية والتاريخية في هذا النهر الدولي
المشترك، وإعلانه المستمر أن ملء وتشغيل هذا السد هو حق سيادي خالص لإثيوبيا..
وانه ليس من حق مصر والسودان مشاركتها فيه.....
ثانيا -
إن كافة المساعي التفاوضية السابقة وعلي الرغم مما بذل فيها من جهود دبلوماسية
شاقة ومضنية علي مدار عشر سنوات كاملة، أخفقت تماما في التوصل إلي حل توافقي عادل
ومنصف لهذا النزاع الوجودي ، وانتهت كلها من حيث بدأت ، ولتعود في كل مرة بدولتي
المصب إلي المربع الأول من جديد في عملية عبثية مستمرة لا تبدو لها نهاية واضحة...
ثالثا
- إن سلوك إثيوبيا التفاوضي اتسم خلال كل هذه الجولات التفاوضية بالمراوغة
والافتقار إلي الجدية وحسن النية ، وإنما انتهجت سلوكا تفاوضيا غير بناء أساسه
المماطلة والتهرب والتحايل وشراء الوقت، ولم تفلح كافة المحاولات المستميتة التي
بذلتها دولتا المصب لحفزها علي تغيير هذا السلوك التفاوضي السلبي في جعلها تراجع
موقفها الرافض والمتصلب ، أو لتبدي من المرونة التفاوضية ما يتيح التوصل إلي اتفاق
شامل وعادل بالإرادة المشتركة للدول الثلاث الأطراف في أزمة النزاع حول هذا السد.
...لقد اصطدمت كل هذه
الجهود والمحاولات المصرية السودانية بجدار العناد الإثيوبي...ومن هنا وصلنا إلي
ما نحن فيه الآن...
رابعا
- إن الحفاظ علي متانة وتماسك العلاقات العربية الإفريقية من أي ضرر قد يسببه لها
استمرار النزاع حول مشكلة السد الإثيوبي ، لا يمكن أن يكون مسئولية الطرف العربي
وحده، وإنما هو مسئولية مشتركة يتحمل الطرف الإفريقي دور مهما وأساسيا فيها كذلك ،
بل إن الاتحاد الإفريقي كتنظيم دولي جامع لكل هذه الأطراف العربية والإفريقية كان
يمكن أن يكون أكثر هذه الأطراف كلها حرصا علي تنقية أجواء تلك العلاقات من أية
نزاعات أو توترات تشوبها وتؤثر سلبا فيها... لكنه تقاعس عن أداء هذا الدور المهم
عندما انتقلت إليه مسئولية إدارة ملف هذا النزاع بين ثلاث دول افريقية كبيرة ولها
وزنها ومكانتها وثقلها ، وكان موقفه سلبيا ومتهربا وخاذلا لكل التوقعات وانتهي هو
الآخر من حيث بدأ ، إي إلي نفض يده من هذا النزاع ، وليدخل ملف النزاع بعده مرحلة
جديدة من التوقف والتجميد بلا بارقة ضوء واحدة في نهاية النفق تؤشر بقرب انتهاء
هذه الأزمة.. ...
وعليه اعتقد أن المبادرة الجزائرية الأخيرة أن قدر لها أن تري
النور، لن تكون أكثر من خطوة أخري علي طريق البحث عن حل توافقي لازمة هذا السد ،
وغالب ظني أنها سوف تتعثر وتصطدم بنفس الصعاب والعراقيل التي سبق وان أفشلت غيرها
من الجهود والمحاولات.. .. وهذا هو الأمر المتوقع في مفاوضات من هذا القبيل :
مفاوضات يتعامل احد أهم أطرافها بمنطق فرض الأمر الواقع الذي لا يري فيه غير
مصلحته وحده، ولا يهمه بعدها ماذا يمكن أن يحدث للآخرين حتي وان كان في ما يحاول
ان يفرضه عليهم موتهم وخراب ديارهم...... هذه ليست مفاوضات بالمعني المتعارف عليه
في أصول وأساسيات عمليات التفاوض الدولي الناجح كما نعرفها ، وإنما هي مناكفات
ومراوغات ومناورات إثيوبية وراءها ما وراءها...
كنت أود أن أكون أكثر
تفاؤلا واستبشارا بالقادم من المحاولات والمبادرات ، ولكن من أين يأتي التفاؤل وأمامنا
هذا السجل التفاوضي الحافل بالإخفاقات والانتكاسات والتعثرات ؟
0 تعليقات