علي رجب
"إنها غلطة
فلوبير" للكاتب والطيب اللبناني محمد طعان الصادرة عن دار الثقافة الجديدة،
وه رواية من رويات السرد التاريخي والتي يحبر فيها الكاتب في دهاليز التاريخ ويكشف
عن جوان خفية في التاريخ المصري خلال حكم الأسرة العلوية التي اسسها محمد علي باشا
وحكمت مصر حتى حركة الضباط الأحرار وإلغاء الملكية في مصر إبان ثورة 23 يوليو 1952
"إنها غلطة
فلوبير" تلقى الضوء على شخصية الخديوي عباس حلمي الثاني بن محمد توفيق بن
إسماعيل، الحاكم السابع للمصر من أسرة محمد على ، حيث حكم من 8 يناير 1892 إلى
عزله في 19 ديسمبر 1914، وهو سابع من حكم مصر من أسرة محمد علي، وآخر خديوي لمصر
والسودان، وأمه هي أمينة هانم إلهامي حفيدة السلطان العثماني عبد المجيد الأول.
الروائي "طعان"
أوضح في تعريفه للرواية عن أسباب التي جعلته ينتاول شخصية الخديوي عباس حلمي
الثاني، قائلا :"لم أكن أتوقع وأنا أقرأ سيرة حياة كوتشوك هانم (العالمة
المصرية في زمن عباس حلمي الأول) أنني سأكتشف مشروع رواية. فهذه الراقصة يفترض
أنها من أجدادي (تخلى والد جدي عن كنية كوتشوك واستبدلها بطعان).
ويضيف الطبيب الروائي
بن الجنوب اللبناني محمد طعان "قراءة سیرتها فتحت أمامي ملفا لم أكن انتظره..
مسيرة عباس حلمي الأول حفيد مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا والذي بسبب اكتشافه
لأطماع الفرنسيين و الغربيين عامة في مصر (خاصة شق قناة السويس) عمد إلى عزلهم عن
المحروسة في مطلع حكمه الذي لم يدم أكثر من أربع سنوات. ولقد اكتشفت كم أن عباس
الأول (باني مقامي سيدنا الحسين والسيدة زينب ) كان صاحب تعلق بأهل بيت الرسول من
جهة ،واصلاح مصر من جهة ثانية.ولكن الفرنسيين ناصبوه العداء وسودوا صورته حتى غفلت
كتاب التاريخ عنه .ثم من يكتب التاريخ سوى القوي المسيطر، يعني في هذه الحالة
الفرنسيون.
الرواية تتألَّف من
عشرين فصلاً، تنبش في سيرتين منعكستان تماما لم يجمعهما إلأا لحظات قليلة، سيرة
حياة الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير صاحب رواية "مدام بوفارى"، التي
تعرض بسببها للمحاكمة،، وثانيتهما سيرة حياة الخديوي المصري عباس حلمي بن طوسون بن
محمد علي باشا، والي مصر المعروف، وصاحب أوَّل مشروع تحديث في مصر، وأده المستعمر
الغربيّ، نظرا لخطورة على الأطماع الأوروبية في مصر.
تتميز الرواية بالسرد
التاريخي والسيرة الشخصية، ولكن يشكل الجانب الروحي والإنساني طاغي بشكل كبير على
الرواية وإنصاف لسيرة الخديوي عباس حلمي باشا، الذي تأثر بسيرة الإمام علي و يسمع،
في مقام "مالك الأشتر"، عن عهد الإمام علي بن أبي طالب لـ"الأشتر"،
عندما عيَّنه والياً على مصر، وممَّا جاء فيه: " اعلم يا مالك أني قد وجهتك
إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما
كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على
الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل
الصالح. فاملك هواك، وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما
أحبت أو كرهت. وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم
سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق
يفرط منهم الزلل "، فيعجب بهذه الرؤية الإنسانية من الامام علي ووصيته في والي مصر مالك الأشتر في حكم مصر
والشعب المصري، ومن هذه الوصية بدأ عباس حلمي باشا في اكتشاف احوال الشعب المصري
وعمل مئات الاَلاف من الفلاحين الفقراء من دون مقابل، ومن دون توفير أبسط شروط
العيش: أمكنة نوم وطعام ولباس…، فيقترح إلغاءها، ما يغضب جدَّه والفرنسيين.
وعندما يتولى حكم
عباس حلمي باشا يبدأ في العديد من الإصلاحات فيطرد الفرنسيين، ويلغي السخرة التي
تلغي اَدمية الإنسان، كما قام بإلغاء
الكثير من الضرائب، وحاول خفض مدة التجنيد الإجباري من 5 سنوات إلى 3 سنوات لتحفيف
على المصريين، وحاول تطوير الرقعة الزراعية المصرية، كما قام بإنشاء كلية الزراعة
والنقابات الزراعية. كما قام بإنشاء بعض القناطر والسدود، وأشهرها قناطر أسيوط
وخزان أسوان، والتزم نهجًا وطنيًا وبعد عام من توليه الحكم أقال وزارة مصطفى فهمي
باشا، الذي كان مواليًا للإنجليز، ، وأعاد الجمعية الوطنية "البرلمان"،
وأعاد العمل بالدستور، وإنشاء جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة"، وإنشاء
المتحف المصري و المتحف اليوناني الروماني، ومبنى بورصة الإسكندرية.
وتأثره بوصية الإمام
علي لـ"مالك الاشتر" كانت حاضرة
في فكرة وسياسة الخديو عباس حلمي الثاني، أقدم
على أصلا الأزهر وتشكيل لجنة بقيادة
الإمام محمد عبده، ثم إنسشاء مكتبة الاسكندرية ، وإصلاح مقامات اهل البيت وفي
مقدمتهم مسجد ومقام الإمام الحسين في القاهرة الفاطمية.
إصلاح الخديوي عباس
حلمي الثاني وإصلاح الازهر الشريف وتخفيف الضرائب واتحدي اللورد كرومر، إلى زيادة
شعبيته، فعندما ذهب لصلاة الجمعة في مسجد الحسين في 11 يناير 1893 دوت الهتافات
بحياته وارتفع صوت الدعاء له وعبر الجميع عن حبهم له، ما يؤدي إلى عزله من قبل بريطانيا في ديسمبر من عام 1914
إبان الحرب العالمية الأولى، وعينت عمه حسين كامل وأطلقت عليه لقب "السلطان".
فهل كانت "غلطة"، عباس حلمي، من منظور
المستعمِر الغربيّ، هي سعيه الى نهضة أمه ورفع الظلم والاستبداد عنها، واستعادت
تاريخها المجيد أماما بـ "عهد مالك في الحكم الرشيد"، وفي حاضرها: حقوق
الشعب، ما أدى الى أن يغتال المستعمر الغربي مشروع عباس حلمي في التحرر بدولته
واقامة العدل واستعادة المصريين تاريخهم وقوتهم المجيد؟ ؟
الرواية تشكل انصافا
لتاريخ الخديوي عباس حلمي الثانى ودوره في مواجهة الاحتلال الانجليزي والانتصار للشعب
المصري، وقد برع الكاتب في نسخ التاريخ وصراع السلطة والمساعي للحرية، أيضا تأثير "عهد
مالك" في سياسة الخديوي عباس حلمي، والتي شكلة ركيز أسياسية في فترة حكم
الخديوي عباس حلمي الثاني، والتي لم يترك الاحتلال الانجليزي لهذه التجربة النجاح
فأقصى الخديوي عباس عن الحكم، ليتمم "وأد"
تجربة تلميذ "مالك الاشتر" .
0 تعليقات