هانا فؤاد
ستغير المشهد وفى غفلة من شرطي العالم الذى صب بؤرة نظره على الشرق
الأوسط تنامت قدرة التنين الصيني وارتقى فى سلم الاقتصاد العالمى فى صعود رافقه
تعاظم فى القوة العسكرية مواكباً لخطوات توسعية طموحة وخاصة فى بحر الصين الجنوبى
ما أشعر الشرطى العالمى بالقلق وكان لابد من اتخاذ خطوات عملية استباقية لأي تطوّر
لا يصب في مصلحته بعد أن أصبح فى حاجة ماسة إلى تعزيز الأمن والردع العسكري
المتكامل وحسم السيطرة على مسرح المحيطين الهندي والهادئ هذا إلى جانب الموقع
الأمريكى بين المحيطين الأطلسي والهادئ ليستمرالشرطى العالمى قائماً بدوره ويضمن
أمن الممرات البحرية الدولية وتعزيز التجارة البحرية وتنشيط الاقتصاد العالمي
فكانت تلك النقلة الجديدة من النقلات الاستراتيجية في لعبة الشطرنج وكان الاتفاق
الثلاثي «أوكوس» الذى يرمز للحروف الأولى للدول الثلاثة وبرغم أنه قد ظهر بين ليلة
وضحاها إلا أنه كان ثمرة مفاوضات سرية طويلة بين الدول الأنكلوساكسونية الثلاث:
الأم "البريطانية "والابنة الصغرى "الأسترالية" التي لا تزال
تزيّن رأسها بالتاج البريطاني رغم الحركات السياسية القوية للخروج من تكتل
الكومنولث والابنة الكبرى "الأمريكية" أول العنقود والتي شبّت عن الطوق
وصارت القوة الكبرى في العالم.
* ورغم أن هذا الاتفاق سوقه الإعلام على أنه فقط خسارة فرنسية حين
ألغت استراليا اتفاقها مع فرنسا لشراء 12 غواصة تعمل بالديزل بعد ان سمحت اتفاقية
"أوكوس" للولايات المتحدة وبريطانيا بتوفير الدعم التقني الذي يسمح
لأستراليا ببناء 8 غواصات نووية لتكون الدولة السابعة ف العالم التى تمتلك تلك
الغواصات والتى تعتبر هى أخطر الآلات الحربية في العالم والتى تمتلك قدرة غير
محدودة على البقاء تحت الماء بما تحمله من صواريخ يمكن لبعضها إحراق مدن بأكملها
خلال دقائق هذا برغم اتفاقية نزع السلاح النووى والحد من انتشاره في العالم .
*تغاضى الإعلام عن الهدف الأهم من الضربة الأسترالية والتى ما كانت
سوى قرصة أذن أمريكية خفيفة لفرنسا بعد تجرؤها على محاولة تشكيل جيش أوروبى بديلاً
عن الناتو وبالطبع لن تأبه أمريكا كثيراً لصيحات الاعتراض الفرنسية وستراضيها
أستراليا في أي حال بتعويض مادي عن إلغاء العقد لتهدأ الغضبة الفرنسية أما إذا عاد
ماكرون ومعه دول أخرى من القارة العجوز إلى الحديث عن جيش أوروبي يضمن المصالح الإستراتيجية
بمعزل عن حلف شمال الأطلسي فقد تُدفع أثمان أكثر قسوة تذكرنا بها صفحات التاريخ
ويكون المصير كمصير شارل ديجول.
*اللعبة أكبر من صيحة إعتراض فهذا التحالف الثلاثى بين أمريكا
والجزيرتين الأسترالية والبريطانية وما سيتبعه من تطورات هو مفصل تاريخي للجغرافيا
السياسية بمنطقة آسيا - المحيط الهادئ تزداد فيه نُذر المواجهة بين الولايات
المتحدة وحلفائها من جهة وبين الصين من الجهة المقابلة أو على الاقل فتح صفحة
جديدة للحرب الباردة بين النسر الأمريكى والتنين الصينى ويصبح الكيان الوليد خطوة
لفرض الوجود الأمريكى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ اللذين تشقهما الجزيرة
الأسترالية والوقوف في وجه التوسع الصينى وتطويقها ومنعها من بسط نفوذها العسكرية
والاقتصادية والتكنولوجية على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي...
* وبرغم علاقات الشراكة والتعاون بين الصين واستراليا ..فالصين
بالنسبة إلى أستراليا هي الشريك التجاري الأكبر إذ تستورد الصين 36 % من الصادرات
الأسترالية كما يعتبرأهم استثمار استراتيجي للصين هو امتلاكها نصف الأسهم في مرفأ
نيوكاسل على الساحل الشرقي لأستراليا إلا إن الوضع قد تغير منذ سنوات قليلة ودب
الخلاف بين الشريكين ليتصيد صاحب المصلحة ذاك الجفاء ويعقد الصفقة ..ويغضب التنين
فتدين بكين بقسوة هذا التحالف الذى اعتبرته تصعيداً في نهج الحرب الأمريكية
الباردة يزعزع السلام الإقليمي والاستقرار ويصعّد سباق التسلح ...وترد استراليا
على التنين الغاضب بإن هذه الخطوة في مصلحة الجميع بما في ذلك مصالح الصين للحفاظ
على منطقة آمنة ومستقرة وأن لها الحق في اتخاذ قرارات تخدم مصالحها الخاصة كما أن
الصين نفسها لديها برنامج جوهري للغاية لبناء الغواصات النووية
* وإذا كان هذا التحالف الجديد «أوكوس» بمبادراته التجارية سيملأ
الفراغ الذى خلفه خروج بريطانيا من الإتحاد وينقذها من التيه وخاصة بعد أن أثلجت
صدور أبناء العم عندما أصبح طلاقها من الاتحاد الأوروبي ناجزاً فكان لابد من جعل
الطلاق بائناً بلا رجعة .. كما إنه سيمهد لرفع درجة الحضور الأسترالي في آسيا
ليوازن الدور الصيني وعن طريقه تستطيع أستراليا أن تؤدي مهمات عسكرية بارزة في حال
قررت الصين نقل مطالبتها بضم تايوان إلى حيز الفعل العسكري ..إلا أن أمريكا لم تقف
عند هذا الحد لإضعاف ثقل الصين فقد تبنت موقفاً أكثر تشدداً تجاه الصين فنجد
الإتفاق بين المجموعة الرباعية «الكواد» ينتقل من منبر النقاش إلى مرحلة تحالف
فاعل والذى يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وكوريا الجنوبية والذى تحاول
واشنطن جعله ثقلاً موازناً لبكين في آسيا ويعكس اتساع ساحة المنافسة الأميركية
الصينية لتشمل لاعبين من الوزن الثقيل مثل الهند واليابان اللتين باتت علاقتهما مع
الصين تُظهر الكثير من آثار العداء القديم والحساسية المستجدة.
· كل تلك الاتفاقات
والتحالفات هى سلسلة من خطوات التطويق الأميركي للصين وتوتر إضافي يزيد من التوتر
المتواجد في الإقليم والعالم وينبئ بإنتقال ثقل الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية
إلى آسيا والمحيط الهادي وحتماً سيغير وجه الكوكب في العقود المقبلة خاصة وأن
الصين لن تتخلى عن طموحاتها على المستوى الإقليمى والعالمى بينما يظل الغرب يرفض
الاعتراف بالصين كلاعب أساسى على الساحة الدولية وبين الإصرار والرفض يظل شرطى
العالم ينتقل بخطوات متسارعة لتفريغ المحيط الصينى من علاقاته وشراكاته وتقليل
نفوذه وحصار خطواته آملاً فى عودة عقارب الزمان إلى عالم "القطب الأوحد"
0 تعليقات