رأفت السويركى
الراحل المشير محمد حسين طنطاوي إلى دار الحق في الحادي والعشرين
من سبتمبر/أيلول 2021 هو أحد الرجال العلامات؛ ممن ينبغي أن يكتب اسمه في تاريخ
مصر الراهن بحروف من ذهب؛ تتناسب وقدر المسؤولية الهائلة التي حملها لحماية مصر
العظيمة من كوارث أسوأ سيناريوهات الاستهداف التي تربصت بها؛ ورتبت لإسقاطها
باعتبارها "الثمرة الأخيرة على الشجرة".
إن سيرة هذا الراحل النبيل والعفيف مسلكاً وفعلاً وقيماً تحتاج إلى
مجموعة دراسات كاشفة لدور هذا المصري؛ ابن النوبة الأصيل والجامع في سماته
الشخصانية لجينات صفات المصريين القدماء؛ ومدى المسؤولية التي تحمَّل أعباءها مع
فريقه من قيادات الجيش المصري الكبير قبل انتكابات "فوضى الربيع العبروي
المتصهين" في يناير 2011م .
*****
والملمح الدال على نمط شخصيته وقيادته هي النعومة التكتيكوية في
إدارة الاستراتيجيات المتعددة عسكريتارياً وسياسوياً؛ حسب القليل من المعلومات
المشهرة حوله؛ فهو القائد العسكريتاري الموصوف بـ " المحارب من طراز
رفيع"؛ والذي لا يكشف عما يفعله وما يزمع تنفيذه؛ ولا يسفر عن مستهدفاته على
سبيل التمويه وتوظيف التكتيك الذكي.
وقد برزت هذه المهارة عملياتياً في حرب أكتوبر/ تشرين 1973م؛ وكذلك
في حرب سيناريوهات الفوضى في 2011م؛ وفيهما كما حققت مصر برجال جيشها العظيم
الانتصار العسكريتاري على العدو الصهيونوي؛ حققت الانتصار السياسوي على راعي
الدمار السياسوي الأميركي. وقد كان المشير الراحل طنطاوي الرقم الأساس في هاتين
المواجهتين المصيريتين.
*****
للتاريخ ولعلم جمهور "وسائط التواصل الاجتماعوي"؛ فإن
ذاكرة المؤسسة العسكريتارية المصرية تحتفظ بمنجز الراحل محمد حسين طنطاوي الذي
شارك في حرب 1967م وحرب الاستنزاف؛ وكان قائداً برتبة مقدم لوحدة مقاتلة بسلاح
المشاة في حرب 1973م. وقد أبدع بتوظيف مهارته التكتيكوية خاصة في واقعة ما سميت
"المزرعة التجريبية الصينية" وهي في حقيقتها مزرعة أقامها اليابانيون في
خمسينات القرن العشرين.
وتنبع أهمية تلك المزرعة من موقعها الاستراتيجوي الذي يمكن توظيفه
من قبل العدو؛ بالاقتحام والسيطرة والانتقال للفصل بين الجيشين الميدانيين الثاني
والثالث والاقتراب من القاهرة بمسافة 100كم؛ فكان قرار "المقدم محمد حسين
طنطاوي" آنذاك بمخادعة قوات جيش العدو الصهيونوي؛ فأغراه بوقف إطلاق النار
بالتمام لتتقدم قوات الصهاينة؛ وعندما صارت في مجال مرمى نيران وحدات الجيش المصري
المرابطة قام الراحل طنطاوي بإحداث المحاصرة لها؛ والسيطرة على الحدث ـ حسب
المعلومات المشهرة ـ بإطلاق نيران أسلحة وحدته وقذائف مدفعيتها؛ ما يسر لرجال
كتيبته الهجوم الكاسح والمبيد للمدرعات والمجنزرات الصهيونية، ففقد شارون 60 دبابة
ومجنزرة؛ فضلاً عن عدد عساكره وقادتهم الذين قتلوا. لذلك لا يمكن أن تُمحى هذه
الواقعة المشرِّفة من الذاكرة الصهيونية فتتذكرها دوماً بالملطمة.
*****
وكان الصعود في الموقع العسكريتاري مناسباً لقدراته ومهاراته
الفذة؛ فهو كرجل عسكري يعد ابن ثورة يوليو؛إذ دخل إلى الكلية الحربية بعد قيامها؛
كما صار وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة في العام
1991م؛ وحصل على رتبة المشير في العام م1993؛ ثم تولى رئاسة مصر بصفته رئيس المجلس
الأعلى للقوات المسلحة عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير
لذلك كان يزين صدره بعد حرب اكتوبر "نوط الشجاعة
العسكري" ضمن مجموعة من الأوسمة والأنواط والميداليات الدالة على قدراته
ومنها: " وسام التحرير بتدريب قوات الثورة الفلسطينية؛ وأنواط الجلاء
والاستقلال والنصر والواجب العسكري والتدريب والخدمة الممتازة؛ وقلادة النيل؛
وميدالية ووسام تحرير الكويت العام 1991م في موقع "رئيس هيئة عمليات القوات
المسلحة"؛ والعديد العديد من تلك الميدايات والأنواط والأوسمة الأخرى.
إن هذا التاريخ العسكريتاري المشرف للراحل محمد حسين طنطاوي لا
ينفصل عنه دوره وجهده الهائل في مواصلة بناء الجيش المصري؛ ليكون جاهزاً وفق
عقيدته العربية لمواجهة أية تحديات تحيط بالوطن الممتد من الماء إلى الماء وفي
قلبه مصر إذا جرى طلب حضوره (الكويت أنموذجا).
*****
وبعد ما تُسمى "اتفاقية السلام/السادات" كان منهجه في
"مرحلة مبارك" متوافقاً والتحديات المتغيرة في الفكر العسكريتاري
واللوجستوي والجيوستراتيجوي الذي فرض في "مرحلة اللاحرب واللاسلم"
و"الحروب الباردة" و"تغير عقائد المواجهات" عولموياً أن يجعل
من الجيش المصري مؤسسة ذات جناحين: الأول عسكريتاري والثاني الجديد اقتصادوي (جهاز
مشروعات القوات المسلحة أنموذجاً)؛ ليس بغرض تحقيق الربحوية؛ ولكن السيطرة على
نقاط الضغوط التي يمكن أن تضعف من القدرة العسكريتارية؛ وتساهم في مواجهة الأزمات
التي قد يواجهها الوطن.
وقد ساهم المناخ العام العولموي في نهوض هذا التوجه الذي تعرفه
كافة جيوش العالم من منظورالوقاية؛ إذ تمتلك الجيوش الكبري مصانعها ومزارعها
ومؤسساتها الغذاءوية من منظور الضمان والسيطرة على الأمن العسكريتاري من التسمم
والوباءوية التي قد تُدسُّ إذا كان الغذاء مستورداً من خارجها؛ فضلاً عن استمدادها
من منتجات مؤسساتها في مواجهة الكوارث الطبيعية (الزلازل والفيضانات).
لقد لعب الراحل طنطاوي دوره الكبير في تعميق هذا التوجه؛ لينشأ في
مصر "القطاع الاقتصادوي الثالث" مع "القطاع العام"
و"القطاع الخاص"؛ والذي يساهم راهناً خلال مرحلة رئاسة الرئيس عبد
الفتاح السيسي ابن هذه المؤسسة الدور الأول والهائل في بناء "مصر/ الجمهورية
الجديدة"؛ بفضل ما أسس له محمد حسين طنطاوي... هذه قضية.
*****
أما القضية الأهم في سيرة الراحل محمد حسين طنطاوي فتأتي في سياق
دوره الكبير للحفاظ على سلامة مصر الوطن؛ باعتباره البطل الحقيقي الذي أدار معركة
إفشال وهزيمة استهداف إسقاط مصر عبر "سيناريو الربيع العبروي المتصهين"
مع رجال فريقه ويأتي في مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يقول: "إن
المشير الراحل محمد حسين طنطاوي، كان دائما يقول بعد قيام ثورة يناير 2011
"أنا ماسك جمرة نار في إيديا... مقدرش أسيبها تولع الدنيا".
*****
لذلك أمسك الراحل محمد حسين طنطاوي بخيوط اللعبة؛ وأدارها بمهارة
القائد العسكريتاري الوطنوي العميق الشعور؛ والمدرك لكل معايير حسابات القوى
وسيناريوهاتها وأوزانها في الواقع لذلك:
- لم يسمح لأية توجيهات بالعنف المفرط تجاه المتظاهرين؛ على الرغم
من كل منظومة أكاذيب "جماعة حسن الساعاتي البنَّاء" الصهيوماسونية
ومتنشطي "مقاهي نضال الثرثرة" من المتمركسين والمتسلفين عندما استجابت
الجموع لدعوات التجمهر في الميادين ضد مبارك وتشكيلته من الرأسمالية الطفيلوية في
الحكم؛ وقد أدارت أجهزة الدولة الأزمة آنذاك بطريقة سيئة؛ فيما كانت مؤسسة الجيش
المصرية تراقب بقيادة طنطاوي بوعي وحنكة الأمور محكومة بمنطق تقدير مشاعر جموع
المصريين؛ وأنه لا يمكن لجيش الشعب أن يريق دماء شعبه الذي يتشكل عديده (جنوده)
منه كعقيدة ثابتة... وهنا كان حضور الراحل طنطاوي.
- لذلك كان ملفتاً للانتباه شعار "يسقط مبارك" الذي كتبه
الجمهور المحتشد في الميادين على بعض المدرعات؛ واحتفاء جنودها بأطفال المتظاهرين؛
فارتفعت لافتات "الجيش والشعب إيد واحدة" لإدراك المصريين أن جيشهم
يحميهم طالما أنهم لا ينفذون سيناريو تدمير دولتهم. وفي النسق نفسه ظهر الراحل
طنطاوي متجولاً أمام مبنى التلفزيون المصري على قدميه وهو "يربت" على
أكتاف بعض الشباب ليطمئنهم؛ ووصل إلى ميدان التحرير بسيارته والجمهور يحيط به.
- عندما استجاب حسني مبارك لنصيحة المجلس العسكري المصري بالتنحي
حفاظاً على أمن واستقرار مصر؛ فقد نقل سلطة إدارة البلاد إلى المجلس العسكري
حفاظاً على تاريخه العسكريتاري كأحد قادته الذين حققوا انتصارات اكتوبر؛ وفي الوقت
ذاته كان الراحل الكبير محمد حسين طنطاوي يؤدي واجبه في تلك المرحلة وفق ضرورات
تحولاتها؛ للحفاظ على وطنه من العبث والاستهداف بسيناريوهات "التدمير
الصهيوساعاتي الأميركي ـ مرحلة أوباما".
- وبعد تنحي مبارك تحمل الراحل طنطاوي المسؤولية المخيفة ليدير
بالذكاء فصول الأزمة مع فريقه من قادة الجيوش والأسلحة والأجهزة. ومع وجود عبد
الفتاح السيسي معه قائداً للاستخبارات الحربية ومستفيداً من مهاراته التي لا يمكن
أن يجلس في موقعه إلا قائد متميز بالمهارات التكتيكوية والخبرات العميقة نجحت إدارة
الأزمة.
- وفي إطار استراتيجية الانقاذ لمصر من الدمار والفوضى؛ أدار
الراحل محمد حسين طنطاوي التكتيك الذكي والبارع بفتح "باب القفص" لتدخل
إليه "جماعة حسن الساعاتي البناء الصهيوماسونية" منتشية بغبائها
السياسوي الى قصر الرئاسة وهي تظن أنها انتصرت؛ وعبر التجربة أثبتت افتقادها
البنيوي لمهارات إدارة الدول؛ كما أثبتت تجربة الفشل المطلق في إدارة الدولة كل
أفرعها المتمكنة في تونس والمغرب وليبيا واليمن؛ بجانب الدمار الذي تسببت فيه
لسوريا والعراق.
- كانت براعة الراحل محمد حسين طنطاوي وتلميذه عبد الفتاح السيسي
تتجلى في النمط المستجد سياسويا لادارة المسألة المصرية؛ حين أحيط المتنافس على
الرئاسة آنذاك أحمد شفيق بمخططات الأميركيين الخاصة بضرورات تمكين الجماعة
الصهيوماسونية؛ فغادر إلى دولة الإمارات على الرغم من المؤشرات الأولية بفوزه لتظن
"جماعة الأغبياء المتسيسين" أنها فازت حقاً فيما أسمته "غزوة
الصناديق" وهي تعرف الحقيقة وتتغافل عن الاعتراف بها.
- وبذكائه الاستراتيجوي وشعوره المصري العميق قدم الراحل محمد حسين
طنطاوي الطُّعْم إلى الجماعة الصهيوماسونية ممثلاً في تلميذه النجيب عبد الفتاح
السيسي" فيجري تعيينه وزيراً للدفاع في الحكومة المتأخونة الأولى؛ وتظن تلك
الجماعة أنها تمكنت من مصر؛ وهي لا تدرك أنه بلد محفوظ بأمر الله إلى يوم الدين
بجيشها العظيم. لذلك كشفت تلك الجماعة نفسها بإحالة الراحل طنطاوي للتقاعد بقرار
جمهوري في 12 أغسطس 2012م!!
- وعلى الرغم من ذلك كان الراحل محمد حسين طنطاوي واثقاً في تلميذه
المخلص لوطنه مصر الرئيس عبد الفتاح السياسي؛ حيث تولى إدارة الملفات كلها؛ وأنجز
"مشروع إنقاذ مصر" من هذه الجماعة المأفونة بالتفاف الشعب الكبير حوله
في "ثورة يونيو".
*****
إن كلمات النعي والوداع التي قالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
تكفي لإعطاء الراحل محمد حسين طنطاوي ما ينبغي قوله: "فقدتُ اليوم أباً
ومعلماً وإنساناً غيوراً على وطنه، كثيراً ما تعلمت منه القدوة والتفاني في خدمة
الوطن... إنه المشير محمد حسين طنطاوي الذي تصدى لأخطر ما واجهته مصر من صعاب في
تاريخها المعاصر.. عرفت المشير طنطاوي محباً ومخلصاً لمصر وشعبها، وإذ أتقدم لشعب
مصر العظيم بخالص العزاء، فإنني أدعو الله أن يلهم أسرة المشير طنطاوي الصبر
والسلوان..."
*****
رحم الله الراحل النبيل محمد حسين طنطاوي والمصري الأصيل والنوبي
الكريم وأيقونة الحفاظ على مصر؛ وحمايتها من السقوط والتفتت سالمة بأمر الله؛ وجعل
الجنة مثواه... آمين.
0 تعليقات