حرسي حرسي عوض
لم تسجّل إثيوبيا في تاريخها الممتد تنمية معتبرة وازدهارا
اقتصاديا وتوسعا في العمران ، ولم ترفع التهميش والإقصاء السياسي عن كثير من
شعوبها ، ولم تسمح لها بالمشاركة في الاستفادة من مقدرات البلاد ..إلا في عهد حكم
نظام تيغراي السابق - الذي امتد لعقدين قبل سقوطه بهبات أورومية عارمة - مقارنة
بالأنظمة السابقة التي توزّعت بين ملكية وماركسية شيوعية قاسية ودموية ، وما كان
يجمع بين هذه الأنظمة هو الاهتمام بالبعد الأمني والتّمكين للعنصري الأمهري من
الوطن ومن الإنسان الأثيوبي ، فيما التنمية وتحديث البلد وتحسين حياة الشعب وتوزيع
الثروة ببن أبنائه كانت تأتي في مرتبات متأخرة .. !
لا أريد أن يُفهم من كلامي ..من أنني أقول بأن النظام السابق كان
ديمقراطيا أو قريبا من الديمقراطية ، أو أخرج المجتمع الاثيوبي من الفقر المدقع
الذي يتردَّى فيه ..او أقل استبدادا وفسادا أو محترما للحقوق والحريات من سابقيه ،
وإنما مرادي انه المؤسس لعملية التنمية وواضع البلاد على مسار التحديث والتطوُّر
..
إثيوبيا اليوم تغوص في أتون حرب أهلية حمقاء ..تكاد تستنفذ فيها
مواردها البشرية وقدراتها الاقتصادية ، وتعطل عجلة التنمية، فالعملة التي كانت من
بين أغلى العملات في العالم قبل عقود قليلة تفقد قيمتها أمام عملات بلدان لا تملك
من الثروات والخيرات مثلما تملكها هي ، والنتيجة: التضخم يرتفع ، ويصل إلى أعلى
مستواه ، معدلات الفقر تتضاعف ، وتقل فرص العمل ، وتزداد نسب البطالة بين من هم في
سن العمل ..
بلا أدنى شك ، انخراط القيادة الجديدة في القتال ضد الجماعات
والقوميات المنتفضة ضد حكمها ، والتي بالتأكيد لها مطالبها السياسية الاجتماعية
والاقتصادية والحدودية المشروعة ، واعتماد لغة السلاح من قبل هذه القيادة لإخماد
هذه الثورات المسلحة وغير المسلحة ، بدلا من انتهاج لغة الحوار والمفاوضات معها .
هذا المسار من القيادة السياسية لعب دورا مهما في تراجع المكتسبات
والخبرات الاقتصادية الناجحة ونال من الاستقرار الاجتماعي والمعيشي النسبيين
اللذين سجلتهما البلاد في العشرين سنة الأخيرة ..
وكان استخدام القيادة أسلوبا آخر في حل هذه المعضلات السياسية
كفيلا بتراكم تلك المكتسبات واستمرار النجاحات الاقتصادية والاستقرار المعيشي ،
وإنقاذ البلاد من دوامة العنف التي تغرق فيها اليوم .
إلا أنه يبدو أن ضعف الخبرة السياسية لدى القيادة الجديدة والعجلة
في معالجة مشاكل بهذا الحجم ، والغبش في الرؤية الإستراتيجية كانت لها رأي مختلف
في هذا الأمر، حيث دفعت بالبلاد الى وجهة أخرى نرى نتائجها الكارثة اليوم ماثلة
أمام أعيننا من مواجهات مدمرة في الداخل ، وخلافات حادة مع الغرب والمؤسسات
الدولية حول طريقة معالجة القيادة الاثيوية للأزمات السياسية المستفحلة في البلاد
، المعتمدة الى الآن على الحلول العسكرية ، من دون البحث عن مقاربات سلمية تساعد
على إنهاء المواجهات الدامية،والاقتتال المجاني ..!
ورثت القيادة الإثيوبية الجديدة نظاما سياسيا فدراليا غير مركزي
بالرغم من نواقصه وافخاخه ، وانتعاشا اقتصاديا وعمرانيا مهما، هذه المنجزات تتعرض
اليوم لخطر التراجع والتعطل بسبب خيارات القيادة السياسية الجديدة المعتمدة على
الحلول الأمنية فيما تواجهه البلاد من مشاكل سياسية وتمرد مسلح ..وهو ما يهدد ليس
فقط بما تحقق من تقدم ونماء وإنما يهدد أيضا جسم الدولة بالانهيار والتفكك، إن لم
تبادر القيادة السياسية الى إنقاذ الأوضاع بالانفتاح على الحوار والتفاوض مع جميع
معارضيها بهدف إيجاد حلول مرضية لجميع الأطراف المتقاتلة ، ومنقذة للبلاد ...!!
0 تعليقات