آخر الأخبار

أزمة المسلمين مع القرآن (9)

 

 




محمود جابر



أزمة المسلمين مع القرآن تتمركز فى عدم القراءة، ومن يقرأ لا يستوعب ما يقرأ..

 

فهناك عشرات الروايات تتحدث عن ملكية العديد من أصحاب النبى لمصحف، وهناك عشرات الحديث تتحدث عن المصحف، والمصحف هو الصحف التى ضمت بعضها إلى بعض لتشكل كتاب.

 

ومن أشهر تلك الروايات رواية زيد بن ثابت قال:« كنا حول رسول الله صلى الله عليه وآله نؤلف القرآن من الرقاع » . ودلالة التأليف ، تعني الجمع والتدوين، وضم شيء إلى شيء ، ليصح أن يطلق عليه اسم التأليف.

 

إذا كان هناك العديد من المصاحف المتداولة عند بعض الصحابة في عهد رسول الله، والأخبار مجمعة على صحة وجودها، وعلى تعدد مصاحف الصحابة أيضا، إذ لو لم يكن هناك جمع بالمعنى المتبادر إليه، لما كانت تلك المصاحف أصلاً، إن وجودها نفسه هو دليل الجمع فى حياته صلى الله عليه وآله.

 

لقد أورد ابن أبي داود قائمة طويلة بأسماء مصاحف الصحابة، وعقب عليها بما فيها من الاختلاف، هذا الاختلاف الذي قد يعود في نظرنا إلى التأويل لا إلى التنزيل، أو إلى عدم الضبط في أسوأ الاحتمالات، وقد عقد لذلك بابا سماه « باب اختلاف مصاحف الصحابة ».

 

وقد عدد ابن أبي داود منها : مصحف عمر بن الخطاب، مصحف علي بن أبي طالب، مصحف أُبَيّ بن أبي كعب، مصحف عبد الله بن مسعود، مصحف عبد الله بن عباس، مصحف عبد الله بن الزبير، مصحف عبد الله بن عمرو بن العاص، مصحف عائشة، مصحف حفصة، ومصحف أم سلمة .

 

ولدفع فرية اختلاف المصاحف نجد الآمدى يقول فى كتابه " الأفكار الأبكار": إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه ومعروضة » .

 

إن الآمدي أجاب عن العديد من الأسئلة الخطيرة وهى : متى كتبت هذه المصاحف ؟ ومتى جمعت ؟ وكيف أقرت ؟ والجواب أنها كتبت في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقرئت عليه ، بل هي معروضة عليه للضبط والدقة والإتقان.

 

وحتى لا يكون الكلام مرسلا او مسندا برواية من كاتب او شخص نجد العديد من الروايات ختمة القرآن –أى قراءة القرآن كاملا من أوله لأخره- وهذه الختمة تدل دلالة واضحة لوجود مصحف لختم القرآن .

 

١ ـ أخرجه أبو داود (1390)، والترمذي (2946) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8065)، وأحمد (6546 .. عن عبد الله بن عمرو ، قال : قلت : يا رسول الله ، في كم أقرأ القرآن ؟ قال اختمه في شهر ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في عشرين ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في خمس عشرة ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في عشر. قلت إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : اختمه في خمس ، قلت إني أطيق أفضل من ذلك فما رخص لي » .

 

٢ - وفى الكافى عن علي بن أبي حمزة قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير: جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليله؟ فقال: لا قال: ففي ليلتين؟ فقال: لا فقال: ففي ثلاث؟ فقال: ها وأشار بيده ثم قال: يا أبا محمد إن لرمضان حقا وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور وكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلا وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار.

 

شاهد الحديث إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله كانوا يقرؤون القرآن ويقصد ختمته.

 

٣ ـ ومن المشهور الذي لا يجهل أن عمر بن الخطاب أقام من صلى التراويح بالناس في ليالي رمضان، وأمره أن يقرأ في الركعة الواحدة نحوا من عشرين آية ، فكان يحيى القرآن في الشهر مرتين. ومعلوم أن ذلك لم يكن من المصحف الذي كتبه زيد، لأنه لم يكن قد نسخ بعد.

 

وهنا قد يخرج من يقول إن الكتبة والكتابة كانت قليلة فى ذلك الزمان – زمن النبى والخلفاء- ولعل هذا الكلام يستند إلى ما أورده ابن عبد ربه الأندلسي « لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام ، إلا بضعة عشر رجلاً »، وكذلك ما قاله البلاذري يقول : « دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يكتب » .

 

هذا الخلط فى المفاهيم منشأه أن الأمة – العرب- أمة أمية، وهذه الكلمة لها دلالة أخرى وهو ما رواه ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد الصادق في تفسير قوله تعالى ( هوَ الذي بعثَ فى الأميين رسولا)

 

قال الصادق : « كانوا يكتبون، ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله ولا بُعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الأميين » .

 

فهذه الأمية المنصوص عليها لا تعنى الجهل بالقراءة والكتابة، ولكنها تعنى انعدام وجود دين وكتاب مقدس عندهم قبل بعثة النبى.

 

ولكن المشهور ان النبى ومنذ اللحظة الأولى اهتم بان القراءة والكتابة والتدوين والحفظ، فلقد اتخذ النبي صلى الله عليه وآله عددا من الكتاب للقرآن الكريم في كل من مكة والمدينة في طليعتهم الخلفاء الأربعة ، وزيد ، وأبي .

 

وقد جاء رد القاضى الباقلانى حاسما:« وما على جديد الأرض أجهل ممن يظن بالنبي صلى الله عليه وآله أنه أهمل في القرآن أو ضيعه ، مع أن له كتاباً أفاضل معروفين بالانتصاب لذلك من المهاجرين والأنصار ، فممن كتب له من قريش من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد بن أرقم ، وخالد بن سعيد ، وذكر أهل التفسير أنه كان يملي على خالد بن سعيد ثم يأمره بطي ما كتب وختمه.. ومنهم الزبير بن العوام ، وحنظلة ، وخالد بن أسد ، وجهم بن الصلت ، وغير هؤلاء .. »

 

عملية الكتابة والتدوين كانت تحت إشراف كامل من رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى يكون النص مطابقا لما جاء به الوحى الأمين ... روى زيد بن ثابت : « كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يملي عليّ ، فإذا فرغت ، قال : إقرأه ، فأقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس » .

 

ولقد كان العرب في جاهليتهم يهتمون اهتماما كبيرا في تقييد المأثور الديني ، ففي حديث سويد بن الصامت :

 

أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله لعل الذي معك مثل الذي معي، فقال : وما الذي معك ؟ قال سويد : مجلة لقمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اعرضها عليّ فعرضها عليه ، فقال له : إن هذا الكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى ، هو هدى ونور .

 

وإذا كان اهتمام العرب في الجاهلية ، بمثل هذا المستوى من الجمع والتدوين للموروث الثقافي أو الديني، فكيف يكون اهتمامها بالقرآن الكريم ، والنبي صلى الله عليه وآله بين ظهرانيهم يدعوهم إلى حفظه ومدارسته والقيام به.

 

وليس ابلغ من اهتمام النبى بالعلم والتدوين والكتابة والقرآن من حديث « كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل من الصحابة يعلمه القرآن ، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضجة بتلاوة القرآن ، حتى أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا » .

 

فالأحاديث الدالة على عناية النبى بالكتابة والتأليف والجمع من الكثرة بمكان بحيث تزيل كل اثر لترهات القوم حول قضية الجمع :


١ ـ كان صلى الله عليه وآله إذا نزلت عليه الآية من السورة دعا من يكتب له فيقول : ضعها في موضع كذا وكذا من السورة. وهذا من أوضح الأدلة على أن هذا الترتيب الذي رتبه الله عليه. ولأجله كان النبى يدلهم على موضع السور من القرآن، والآية من السورة، ليكتب وفق ما جاء به الوحى.

 

٢ ـ لقد ورد لفظ الكتاب في القرآن والسنة النبوية القطعية الصدور، للدلالة على ماله كيان جمعي محفوظ، والإشارة بل التصريح في ذلك الكتاب إلى القرآن الكريم، فقد ورد لفظ الكتاب في القرآن في أكثر من مائة موضع ، منها :

 

ـ ( ذلكَ الكتابُ لا ريبَ فيهِ هدىً للمتقينَ ... (٢) ) ـ البقرة / ٢.

 

 ـ ( نزَّلَ عليكَ الكتابَ بالحقِّ ... (٣) ) ـ آل عمران / ٣.

 

ـ ( هوَ الذي أنزلَ عليكَ الكتابَ ... ) ـ آل عمران / ٧.

 

 ـ ( إنّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ ... ) ـ النساء / ١٠٥.

 

ـ ( وأنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ ... (١٠٥) ) ـ المائدة / ٤٨.

 

ـ ( وهذا كتابٌ أنزلناهُ مباركٌ ... (٩٢) ) ـ الأنعام / ٩٢.

 

 ـ ( كتابٌ أنزِلَ إليكَ ... (٢) ) ـ الأعراف / ٢.

 

ـ ( الر تلكَ آياتُ أحكمَتْ ءاياتُهُ ... (١) ) ـ يونس / ١.

 

ـ ( الر كتابٌ أحكمَتْ ءاياتُهُ ... ) ـ هود / ١.

 

 ـ ( الر كتابٌ أنزلناهُ إليكَ ... (١) ) إبراهيم / ١.

 

هذا الحشد الهائل من الآيات الدالة عن الكتاب وانه كتاب وليس آيات متفرقات. ومما يعضده ما ورد في السنة الشريفة من التصريح بالكتاب في عدة مواضع أبرزها :

 

 ـ قوله صلى الله عليه وآله فى حجة الوداع : « إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله.

 

ـ قوله صلوات الله عليه : « إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » .

 

فهذا قال النبى كتاب الله وهو يقصد تلك الآيات المتناثرة فى العسب والرقاع والألواح ؟!!



وللحديث بقية



أزمة المسلمين مع القرآن (8)



إرسال تعليق

0 تعليقات