آخر الأخبار

أزمة المسلمين مع القرآن

 

 

 


 

 

محمود جابر

 

لا يختلف كلام ميثاق العسر فى مؤلفه القرآن البعدى، عن الذين اختلفوا معه او تصدوا له، ولا يختلف الوهابية جملة وتفصيلا فى حديثهم عن القرآن عن القرآن مع الإمامية، كل ما هناك هو اختلاف شكلي وليس خلافا موضوعيا...

 

الجميع لا يدرك ان القرآن العظيم هو معجزة النبى الكبرى، وان القرآن العظيم، هو الكتاب المحفوظ رسما وشكل وقراءة بشكل دقيق وعظيم ومحكم دون لبس أو حرف أو ظن أو لبس.

 

فأزمة القرآن بدأت مع قبيلة حدثنا، واستمرت مع أصحاب الرأي والفتوى ومع العجم ممن مخلطو كلام الله تعالى بكلام البشر.

 

فالقرآن تنزيلا وإحكاما وحفظا وتدوينا عمل سماوي الأصل والمنشأ والاستمرار، ولو تدخل فيه البشر أيا ما يكون درجة تقواهم وأماناتهم، وحفظهم لاختلفوا فيه ما طول الزمان وعدم توافر الأشياء الأولى للحفظ والكتابة، فضلا عن تنازعهم السياسى والاجتماعي، كل ما امتدت يد البشر أصابه العطب، فمدونات الحديث عند السنة فيها حرفتهم واعتقادهم، وصراعاتهم وترجيحاتهم، وتفوح من كل جوانبها صراعهم وحبهم وكرههم، ومدونات الحديث عن الشيعة سواء إسماعيلية أو إماميه أو غيرهم، ليست بأقل ما فى كتب الروايات عند غيرهم، وكذا عند الاباضية.

 

لان العمل الذى تدخل فيه الحب والكره والعوامل الشخصية وعوامل الزمان كل عاقل يمكنه ان يرى هذا بكل سهولة ويسر ودون عناء .

 

هذا الخلاف أو الاختلاف يبدأ من ميلاد النبى، وربما من آدم، ومتى ولد وكيف ولد، وكيف كانت حياته وكيف كانت دعوته وكيف كانت هجرته، ووو ... هذا على مستوى التأريخ.

 

أما على مستوى الفقه ستجد ان السنة يبدءون أبواب فقههم بالطهارة، فى حين ان الأمامية يبدءون فقههم بالإمامة.

 

اختلفوا فى العديد من قضايا الطهارة مثل رفع الجنابة، ورفع الحدث، وطهارة المسلم، وطهارة المشرك، وشكل الوضوء، ومقداره، وهيئة الصلاة، والآذان، والمباشرة الصلاة نفسها، والجمعة، ووو

 

كل هذا لأنهم جميعا اسسو منهجهم فى التفكير والاجتهاد فى الأساس على جهد بشرى وصناعة بشرية يغلب عليها الظن . سواء فى الفقه أو التفسير، مما أصبح يمثل عبئا علينا نحن المسلمين، والمتعاملين مع فهم الرسالة المحمدية والقرآن، إنّ الأزمة تنطلق مِن خطأ في المنهج، لا من ضعف في اللغة أو قلّة في التقوى.

 

لم يدرك هؤلاء ولا هؤلاء ان كتاب الله تعالى يَنماز بخصيصة تعكس فرادته الذاتية والموضوعية، وهي تعاليه عن مطلق الأزمنة وعن كلية اللحظات الثقافية، حتى ولو كان زمن ومكان النزول ولحظته الثقافية؛ سواء على مستوى المحمولات الدلالية أو على مستوى تركيباته وأسيقته واستعمالاته، وعدم أخذ كلّ ذلك بعين الاعتبار أثناء القراءة والتفسير يُلغي ضابط الخصوصية التي هي له بالأصل الأول المنزل، لا بالاعتبار الإنساني المؤول اللاحق.

 

والناظر في ضوابط التفسير الموروث يؤدي إلى القول بأنها جعلت تفسير نصّ التنزيل رهينًا بنصوص مختلفة؛ سواء كانت سابقة عليه في الوجود، أو ارتبطت بزمن نزوله، وإلى حدٍّ ما بأزمنة التأويل الأولى أيضًا، التي تضم زمن الأئمة أو الصحابة والتابعين وصولًا إلى القرن الثالث الهجري.

 

من هنا نؤكد على أهمية أن نعيد قراءة الكتاب الحكيم قراءة ثانية؛ قراءة قائمة على فكّ الارتباط بشكلٍ كلّي بين نصّ الكتاب المنزل، وواقع أو زمن النزول المؤول، وأيضًا بكلية النصوص السابقة عليه؛ سواء انتمت إلى الخطاب الاجتماعي القديم السائد في مجتمعات الظاهرات الدينية، أو إلى الكتب المنزلة وقت النزول، وما آلت إليه أيضًا؛ إِذْ كلّ ذلك ليس في مكنته الإسعاف على المساعدة إلى التوصل لدلالات نصّ التنزيل الحكيم بشكلٍ علمي موضوعي، ما دام أنه ليس بمشروط بتاريخ وثقافة محدّدة، أو بلحظة فكرية عابرة، عكس ما سبق تمامًا.

 

ولتوضيح ما سلف ذكره، نقدم الآتي من باب توضيح المقال بالمثال:

 

أهل التفسير الموروث باعتمادهم على الأخبار الإسرائيلية وغيرها، جعلوا من نصّ التنزيل الحكيم مجرد نسخة طبق أصل سابق مستوحى من كتب منزلة أو أخبار سائدة، في حين أنه ينصّ على أنه جاء من أجل النقد والغربلة (التصحيح والتصديق: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50])، فضلًا عن جعله مجرد نصّ خبري، يحكي ما سبق كما سبق، بطريقة وأسلوب الوثائق التاريخية، المهتمة بتحديد وتفصيل أحداث الماضي بدقائقها وجزئياتها، وهذا ما أسهم في تغييب عِبَر القصص القرآني، علاوة على جعل نصّ الكتاب المنزل يتساوى بغيره من النصوص المنزلة السابقة عليه، ولا يختلف عنها إلا بـ(اللغة وطريقة العرض)، كما يتوهم البعض. والأمثلة الدالة على هذا الأمر تجدها مبثوثة في أغلب القصص القرآني؛ سواء في كتب التفسير: كتفسير الطبري وتفسير ابن كثير، أو في كتب التاريخ: كتاريخ الأمم والملوك للطبري، والبداية والنهاية لابن كثير.

 

أنّ نصّ الوحي المنزل لا علاقة له بما هو تراثي زمنًا وإنشاءً للأقوال لا من قريب ولا من بعيد، إلا على مستوى أنه أنزل في زمكانٍ معيّن. وخصيصة التعالي التي له بالأصل الأول تخلّصه من كلّ ذلك جملةً وتفصيلًا، ومن كلّ ما يوحي بكونه رهين ارتباط زمكاني أو شخصي، وترفعه إلى مقام كأنه أنزل علينا الآن.

 

وفي المقابل، يعدّ كلّ ما أنتجه الناس حوله وفي ظلاله تراثًا محضًا، خاضعًا لمحض النقد التاريخي؛ بوصف كلّ ذلك هو تفاعل تاريخي مرحلي نسبي محض، أما التمسك بنصوص تفسيرية تراثية معيَّنة، بدعوى أنها مما ( وردت عن المعصوم) أو (اتفق عليه الجمهور) أو (العلماء)؛ فقد أدى ذلك إلى نتيجتين في غاية الخطورة، وهما: استبدال النصّ الثاني (المذهب أو الرأي) بالنصّ المؤسِّس (التنزيل الحكيم) ، تحويل الاجتهادات التفسيرية التاريخية إلى نقلية محضة، بدل النظر إليها بوصفها مجرد إمكان عقلي اجتهادي، من جملة إمكانات عقلية اجتهادية عديدة، مما حوّلها إلى نصوص مقدّسة أكثر من المقدّس نفسه، وكلّما بعُد الزمن عن لحظتها الثقافية ازدادت قداسةً، فماتت أو ضعفت النظرة النقدية إلى النصوص التراثية في تاريخ الفكر الإسلامي، وضاع النص المؤسس الفريد عما سواه وأصبح نصا من ضمن النصوص ...



وللحديث بقية







 

إرسال تعليق

0 تعليقات