"رافت السويركي"
حالة من "الهَوَس" و"الحُمَّى"
و"الهَذَيَان" تجتاح "مواقع التواصل الاجتماعوي" راهناً
يعلنها الذباب الإليكترونوي التابع لـ "جماعة حسن الساعاتي البنَّاء"
الصهيوماسونوية في دول المغرب والمشرق العربيين وتركيا العثمانللية؛ سببها تلك
المباغتة المذهلة التي قام بها الرئيس التونسي قيس سعيِّد الموصوف منهم بـ
"المُنْقَلِب"؛ وهو يعلن تكليف السيدة التونسية " نجلاء بودن"
بتشكيل "حكومة الإنقاذ" لتونس الخضراء مما تعانيه في هذا المفصل
التاريخاوي الذي تمر به "دولة التنوير العربية" بكل تحدياته.
*****
قرار الرئيس قيس سعيّد حسب التوصيف السياسوي والإعلاموي هو
"قرار غير مسبوق في تاريخ الدولة التونسية". إذ أكدت رئاسة الجمهورية
التونسية في البيان الذي نشرته على صفحتيها في "فيسبوك"
و"تويتر" أن الرئيس سعيّد كلف نجلاء بودن حرم رمضان بتشكيل حكومة
"على أن يتم ذلك في أقرب الآجال"، وذلك "عملا ًبأحكام الأمر
الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر
وحسب التعبير الشائع في اللهجة الدارجة: "إذا عُرف السبب بطل
العَجَب"؛ فقد كان هذا القرار غير المتوقع لكل المراقبين والتكوينات
الجماعاتية والحزبوية في تونس وخارجها من البلدان؛ هو التعبير عن "نمط
التفكير الجديد" بفعاليات منظور إليها "من خارج الصندوق"؛ بعد أن
عم البلاء والغلاء تونس الخضراء.
ومنذ تصاعدت التوترات السياسوية في تونس، نتيجة مجموعة قرارات
اتخذها الرئيس قيس سعيِّد خلال ترؤسه اجتماعا طارئاً للقيادات العسكريتارية
والأمنوية بقصر قرطاج في25 يوليو/تموز الماضي؛ تضمنت إعفاء رئيس الحكومة التونسية
السابق هشام المشيشي عن منصبه، مع "إقرار حُزمة من تدابير استثنائية، أبرزها
تجميد عمل البرلمان الذي يهيمن على رئاسته الغنوشي المتأخون وكذلك رفع الحصانة عن
النواب"؛ منذ ذلك القرار والمجتمع التونسي يشعر بالارتياح عدا كل الغنوشيين
المتأخونيين وحلفائهم من المنتفعين السياسويين. ومنهم من يُوصف بـ "الرئيس في
غفلة من الزمان" المنصف المرزوقي بضاعة إنتاج سيناريوهات الربيع العبروي مثل
محمد مرسي أنموذجاً!!
*****
وبهذا القرار الجرئ الذي اتخذه الرئيس قيس سعيِّد "ستصبح
"نجلاء بودن حرم رمضان" أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ
تونس". وبالتالي هل ستكون هذه التجربة السياسوية الجديدة محلاً للنجاح
والتوفيق في ضوء خصوصية حالة الانهيار التي تشهدها تونس منذ فوضى الربيع العبروي؛
التي بدأت بـ "بوعزيزي" الذي حرق جسده احتجاجاً على ما تعرض له في زمن
فساد وعوار الرئيس السابق "بن علي"!
لذلك تمتلئ صفحات وجدران "السوشيال ميديا" عبر الذباب
الاليكترونوي المتأخون بالولولات واللطميات المشهورة من الجماعة البنائية؛ ولأنهم
من نوعية "تجار الشنطة/ الحقيبة" للعقيدة؛ فهم يبيعونها لمن يشتري كما
علمهم ذلك إمامهم المغدور "حسن الساعاتي البنَّاء". لذلك نكاية في
الرئيس قيس سعيد " وهم المؤمنون الأتقياء" يتاجرون بالمروية المنتسبة
للرسول الأكرم محمد ابن عبد الله (صلعم) : "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا
أَمْرَهُمُ امْرَأَةً".
وحسب مسلك "دهاقنتهم" فهم يواصلون استخدام طريقتهم في
التدليس والمخادعة لجماهيرهم المضللة والظانة أنهم على حق؛ ويأخذون من الثمرة
قشرتها فيصدرونها لجوعى العقيدة بينما يستمتعون هم بلحوم الثمرة؛ وذلك بالتغافل
العمدوي عن إلحاق هذه المروية بمناسبة قولها؛ وهل هي صالحة لتعميم حكمها؛ من دون
إدراك ضرورة تقدير قيمة أقوال الرسول الكريم؛ وما يرتبط بالأمور الدنيوية والأمور
الآخروية؛ والفارق بين القول عن شأن دنيوي مرتبط "بأنتم أعلم بشؤون
دنياكم" وحكم سماوي.
*****
لم يبادر أيٌّ من "دهاقنة المتأخونين" لمنع الذباب
الإليكترونوي من استخدام هذا التعبير:"لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا
أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". ولن يذكروا ما يمكن وصفه بـ"أسباب القول"
كما في القرآن الكريم "أسباب النزول"... والذي يمكن إجماله فيما يلي:
** ورد عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ
بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ
فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ
كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
** وردت روايات متعددة لهذه المروية، منها: "لن يفلح قوم
تملكهم امرأة؛ و"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"؛ و" لن يفلح قوم
أسندوا أمرهم إلى امرأة". وكلها رواها: "البخاري"
و"الترمذي" و"النسائي" و"الإمام أحمد".
** وهناك نماذج من أصحاب الوظائف العقدوية المغرضون يطلقون هذا
القول الكريم على "وجه العموم"؛ وليس "خصوصية الحالة".
فيمارسون الفجاجة السياسوية التي تعتبر المرأة ناقصة العقل؛ وغير مؤهلة لغير العمل
في الخباء وفي الفراش؛ وليس لها حق الولاية العامة؛ أو حق وواجب العمل العام؛
وبالتالي فلا يجوز لها الانتخاب أو الترشح للمناصب السياسوية!!
** إن التدليس الذي يمارسه دهاقنة الجماعة المتأخونة يجعلهم يقومون
بالتعمية على مناسباتية ذلك القول الكريم؛ وخصوصية حالته لتعميم مفهوم مخالف حين
الاستدلال على خطابه. فسبب القول مما يعد من "الأسباب الخاصة" وهو مرتبط
بحالة كسرى فارس أثناء نشر الدعوة الإسلامية وموته ومقتل ابنه مسموماً وتولية
ابنته فقال الرسول"صلعم": " من يلي أمر فارس"؟ فقال
"أحدهم": امرأة ــ يقصد ابنة كسرى التي كانت ترث عرش فارس في زمانها ــ
فقال "صلعم": " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ". وهو رأي حول
شأن سياسوي من شؤون الدنيا؛ ولا يرتبط بقضية سماوية خاصة بقواعد العقيدة والحلال
والحرام والحقوق والواجبات والعدالة والمساواة أو ملزم بالتحريم.
** يتعمد هؤلاء "الدهاقنة المتأخونون البناءون" تناسي
قواعد التساوي التي ألزم بها الخطاب القرآنوي العباد جميعهم؛ ذكراً وأنثى في أصول
التكليف الشرعوي والحقوق والواجبات بمراعاة اقتضاء الطبيعة الخاصة للنوعين. كما
يتغافلون عن تقدير خطاب رب العباد في القرآن الكريم لامرأة تولت "مُلك سبأ".
وقد ركز القرآن على أنها أمام رسالة النبي سليمان عليه السلام استشارت من قومها
"أهل الحل والعقد" الذين فوَّضوها في أمر دعوة سليمان؛ واستحسنوا قدرتها
على التعامل مع هذه المسألة على الرغم من أنها امرأة.
** ومن مقارنة واقعة ابنة كسرى"ملكة فارس" و"ملكة
سبأ"؛ في شأن "الولاية العامة" تكون تلك المروية المنقولة عن
الرسول(صلعم) مرتبطة بخصوصية حالة وغير معممة لارتباط ذلك بواقع زمان الحدوث.
** وهنا يمكن بـ "فقه الحالة" المعاصر أن نستحضر نموذج
"المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وعالمة الكيمياء الفيزيائية؛ والتي اشتهرت
باسم "المرأة الحديدية"؛ وقد أدارت شؤون ولاية حكم وإدارة شؤون ألمانيا
لمدة بلغت نحو16 عاماً؛ وهو المنصب الذي تولته كأول امرأة في تاريخ ألمانيا. ورئست
"المجلس الأوروبي ومجموعة الثماني"؛ وكان اكتشف قدراتها الرجل/ المستشار
السابق "هلموت كول" فلقبها بـ "الفتاة الصغيرة"؛ فصارت
"أقوى امرأة في العالم" وتعتبر أطول زعماء أوروبا بقاءً في السلطة.
** ولأن دهاقنة الفقه السياسوي يلعبون في مفاهيمهم العقدوية بمسألة
الذكورة والنسوية؛ فإنهم يحصرون ولاية وظائفية المرأة فقط في النكاح وجهاداته
القديمة في الغزو وما شابه؛ لذلك يعممون الرأي بعدم صلاحية المرأة للولاية العامة؛
على الرغم من بروز تكوين الدولة ودساتير أنظمتها التي تضمن الحاكم رجلاً أو امرأة
فاعلاً في إدارة شؤون الجماهير مع وجود مؤسسات القضاء والتخطيط والإدارة والأحزاب
كأقنية تساعد في الحكم.
*****
وهنا يفرض التساؤل بموضوعة ماذا ينتظر السيدة التونسية نجلاء بودن
رمضان المكلفة بإدارة الشؤون الوزارية التونسية ذاته؟ إن سيرتها الذاتوية تؤكد
أنها "أستاذة تعليم عال في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس وهي مختصّة في
علوم الجيولوجيا، كما تشغل راهناً خطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة
التعليم العالي والبحث العلمي التونسية. وتمتلك مهارات وخبرات المديرة العامة
المكلفة بالجودة بوزارة التعليم العالي2011م؛ وشغلت منصب رئيسة وحدة تصرف حسب
الأهداف بالوزارة ذاتها، وكُلّفت بمهمة بديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب
بودن سنة 2015.
ومن دون شك فإنها بذلك تمتلك مهارات التعامل بفريقها الوزاروي
المختص مع الملفات الملحة؛ والتي تتحدد في:
- الملفات الاقتصادوية الطاحنة التي تمثل أس الأزمات التونسية.
- الملفات الصحية بسبب انهيار المنظومة الصحية أمام مواجهة جائحة
كورونا.
- الملفات الأمنية التي تشير لمواجهة أية محاولات لتعميم الفوضى
كعادة فرق ما يسمى الإسلام السياسوي.
وقد حدد الرئيس التونسي قيس سعيِّد خطوط مهمات رئيسة الوزراء نجلاء
بودن بقوله لها: "قررت تكليفكم بتشكيل حكومة جديدة، وسيكون هذا لأول مرة في
تاريخ تونس، لأول مرة امرأة تتولى رئاسة حكومة، وسنعمل معاً في المستقبل بإرادة
وعزيمة ثابتة، للقضاء على الفساد، وللقضاء على الفوضى التي عمت في المؤسسات".
بل قال بوضوح كبير:"هناك صادقون يعملون ليلاً ونهاراً، ولكن
هناك من هم على نقيض هؤلاء، يعملون على إسقاط الدولة... وفقك الله، أضعنا من الوقت
الكثير، ويجب العمل بسرعة، وأتمنى أن يكون الفريق الذين ستختارينه متجانساً، يعمل
على مكافحة الفساد، ثم الاستجابة لمطالب التونسيين لحقوقهم الطبيعية". في
الوقت الذي تؤكد الصحافة التونسية أن الوضع الاقتصادوي في "مرحلة حرجة"،
ولا يزال "يعاني من ترهلات الماضي و"فساد سنوات حكم الإخوان العشر
الأخيرة"، مما يمثل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن التونسي".
ولعل ما يفضح فرق الإسلام السياسوي هو ما نشرته تلك الصحف منتسباً
إلى الخبير الاقتصادوي "قيس مقني"بتأكيده: أن أبرز الأسباب هي حالة
الفساد مؤكداً أن "اقتصاد تونس أصبح منذ الثورة في عام 2011، وما تبعها من
صعود الإخوان للحكم، مبنياًعلى الفساد والريع".
*****
خطوة الرئيس "قيس سعيِّد" بتعيين إمرأة تونسية رئيسة
للوزراء تدل على براعته السياسوية؛ والقيم الحاكمة لتفكير رجل دولة حقيقي؛ يفكر
بطريقة جديدة مغايرة لما هو داخل الصندوق الممتلئ بذكور من السياسويين المتعفنين
والفاسدين عقدوياً كالغنوشيين المتأخونين؛ وإيديولوجياً مثل المنصف المرزوقي الذي
جاء به "سيناريو الفوضى الأوباموية الأميركية" رئيساً لتونس في غفلة من
الزمان على الرغم من فقر امتلاكه لمهارات القيادة أو الرئاسة لتونس الخضراء وطن
التنوير.
لذلك فتوقفوا عن اللطميات التي بدأتموها حين فعلها الرئيس قيس
سعيد... فـ "تولت أمور مجلس وزرائه امرأة"؛ بعد أن عمَّ البلاء والغلاء
تونس الخضراء!!
0 تعليقات