علي الأصولي
البحث تارة يكون عن طبيعة ارتباط الخالق بالخلق وتارة يكون عن
طبيعة ارتباط الخلق بالخالق.
والارتباط الأول: ارتباط الخالق بالخلق إضافي إشراقي.
والارتباط الثاني: الخلق بالخالق. ارتباط إمكاني فقري.
وبما أن القرآن الكريم شأن من شؤون الخالق وتجلي من تجلياته وجد
لغاية هداياتية للناس وتصحيح مساراتهم وضبط إيقاعاتهم نحو الكمال التصاعدي. فنسبة
القرآن الكريم لله من الإضافة الإشراقية أو العنوانية. فالافاضة او الإضافة -
والإفاضة أنسب - بالحلظ الإيجاد والخلق تجليا كان أو إشراقا. لابد من كونه بينا في
الأثر او بينا بدليله. يعني أن التجلي والأشراق بقدر شرف المتجلى منه والمشرق منه
يكون شريفا واضحا بينا. وهو ما عليه القرآن الكريم.
بالتالي: هذا الفيض - القرآن الكريم - الذي يستبطن الإضافة
ومعناها. هو إضافة تحقيقا لا نحو إضافة.
بعبارة أخرى: نحو الإضافة لا نفس الإضافة. كما يقال في مسألة -
الشرط المتأخر - نحو الشرط المتأخر. كغسل العشائين المتأخر عن الصوم بالنسبة
للمستحاضة. والذي قيل فيه أنه - نحو الشرط المتأخر - أو كما جاء في مطلب صاحب -
الكفاية - في بحث الوضع حيث جعل الآخوند الكثير ممن بحث على - الكفاية - الوضع من
الاختصاص. ونسبوا ذلك إليه ثم خطئوه. لأن الوضع من مقولة - الفعل - والاختصاص الذي
اختاره من مقولة - الانفعال –
نعم: بعض أهل الفن لم يصوبوا من استشكل على الآخوند من الشراح وهذا
الخطأ بلحاظ وقوعهم بالاشتباه في تصوير مطلب الشيخ الخرساني. حيث أن الآخوند لم
يعبر في - كفاية الأصول - بالاختصاص - حتى يتم الإشكال بل عبر عنه - بنحو اختصاص -
والفرق بينهما بين والتساهل على حد تعبير من فهم النكنة ليس بالهين.
ما يعنينا في المقام: هو ان القرآن الكريم من مقولة الإضافة لا نحو
إضافة كما صورنا المسألة بما لا مزيد عليه.
ولما كان الله تعالى هو من أضاف ونسب كلامه إليه فتكون هذه الإضافة
مع شرفيتها. ظاهرة وبينة وواضحة وصالحة للاحتجاج والتنذبر والتبشير والهداية بما
لا مزيد عليه. وقوله تعالى( بلسان عربي مبين) خير دليل. فالقرآن ( تبيانا لكل شيء)
بالتالي نحن نتحدث بحثية الثبوت لا بحثية الإثبات التي هي من وظفية المعصوم (عليه
الصلاة والسلام) يعني ما موجود في القرآن الكريم وعلومه مع ثبوتها فنحتاج الى من
يبين ويستبين هذه العلوم القرآنية التي لا يعلم تأؤيلها إلا الله والراسخون في
العلم وهو ما عليه أهل العصمة ( صلوات الله وسلامه عليهم).
ومن هنا سمعنا كما في - أصول الكافي - عن محمد بن يحيى عن احمد بن
محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن جميل بن دراج قال: قال ابو عبد الله
(عليه السلام) أعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء" .. وهي رواية معتبرة ومقبولة سندا
.
ومعنى الإعراب كما في - شرح أصول الكافي ج ١ للمازندراني - الإعراب
الإبانة والإيضاح. يقال: أعرب كلامه إذا لم يلحن في الحروف والإعراب. وسميت
الإعراب إعرابا لأنها تبين المعاني المختلفة الواردة على سبيل التبادل وتوضيحها
وتمييزها بحيث لا يشتبه بعضها ببعض والفصاحة الخلوص والجودة في اللسان وطلاقته.
يقال: فصح الرجل بالضم فصاحة. وهو فصيح إذا خلصت عباراته عن الراءة وجادت لغنه
وطلق لسانه وهم (عليهم السلام) أفصح الفصحاء لأنهم أوتوا الكلمات .. انتهى نص وشرح
المانزندراني.
وان تنبه بعض المعلقين على هذا الشرح بخطأ ما فهمه المولى
المانزندراني وتفسيره الحديث بمعنى الإعراب النحوي وهو بعيد وتعسف بل الأظهر
والأقرب هو أن المراد بالأعراب معناه اللغوي وهو الإفصاح والبيان. ومعنى الحديث
باختصار - إنا قوم فصحاء لا نتكلم بألفاظ مشتبهة وعبارات قاصرة الدلالة بالتالي من
ينقل عبارتنا - كأنه هذا ما يريد الإمام - فانقلوها بلساننا بلا تغيير ألفاظها من
كونها بينة وواضحة الى كونها مبهمة ومختلة ومشوشة. كما ما عليه أرباب الفنون قديما
وحديثا. والكلام في هذه الملاحظة يطول.
ويمكن تمثيل ذلك بنص عبارة المعصوم(عليه السلام) لا ينقض الشك
باليقين - الذي عقد عليه مبحث في الأصول - الاستصحاب - بسنوات طوال فيه من تشقيق
وتفريع ونحو ذلك مما لا طائل تحته.
الفصاحة بين لسان أهل اللغة وأهل القرآن ..
الفصاحة لغة: تعني الظهور والبيان والوضوح،
قال ابن منظور: الفصاحة: البيان، فصح الرجل فصاحة فهو فصيح من قوم
فصحاء وفصاح - كسر الفاء - وفصح - ضم الفاء والصاد -
وأما اصطلاحا: جاءا وفق تحديدات علمائية بضابط القبائل الابعد من
الحواضر وعدم مخالطة الأعاجم. فكان الاختلاف في تحديدات الفصاحة والفصيح ظاهرا بين
مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة.
فمثلا: رأي المدرسة الكوفية في ضوابط الفصاحة هي:
١) ان تكون جاءت من القرآن الكريم.
٢) ان تكون قد جاءت من أشعار الجاهلية.
٣) ان تكون مما تم توثيقه من الإعراب المعاصرين لهم.
رأي المدرسة الكوفية:
١) ان تكون قد جاءت من القرآن الكريم.
٢) ان تكون قد جاءت من أشعار الجاهلية أو الإسلام.
٣) ان تكون مما سمع وأعتقد انه فصيح.
٤)ان تكون موافقة لمقاييس مدرستهم.
٥) ان تكون كثيرة الاستعمال.
روى البغدادي ان عبد الله بن إسحاق الحضرمي اعترض على الفرزدق
قوله: وعض الزمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف ..
قال له: بم رفعت أو مجلف؟
فقال: بما يسوءك وينوءك، علينا ان نقول وعليكم ان تتأؤلوا - خزانة الأدب
-
وعن قوله تعالى(وكذلك ننجي المؤمنين) الأنبياء ٨٨/ قرأ عاصم - نجى
- المؤمنين مشددة الجيم. قال الواحدي: وجميع النحويين حكموا على هذه القراءة
بالغلط وإنها لحن - الوسيط في تفسير القرآن المجيد –
- فصاحة هارون(ع).
قوله تعالى( وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني
أخاف ان يكذبون) القصص ٣٤/
موسى يفترض ان يكون أفصح منه فكيف الانسجام مع عدم الافصحية
الأفضلية النبوة.
نعم: أفاد أهل التفسير - تفسير نور الثقلين - عن علي بن إبراهيم
حدثني ابي الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر ع قال:
وكان فرعون ... الى قوله .. فاحترق لسانه - موسى - وصاح وبكى .. على قصة مشهورة ..
بالتالي: مدار الفصاحة مدار البيان - بيان الحجة - ووضوحها وإيصالها
للمتلقى بصورة مفهومة. ولهذا سمعنا موسى يقول(قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) طه / وهذا ما بينه صاحب الميزان في تفسيره وقصة أفصح
مني ان يوضح أكثر مني .
وقوله( ويضيق صدري ولا ينطق لساني فأرسل الى هارون) الشعراء ١٣/
بالتالي وبعد سؤال موسى( قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني
يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هارون أخي اشدد به ازري واشركه في امري كي
نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بصيرا. قال قد اؤتيت سؤلك يا موسى) طه/
بالتالي: شرط الكمال في النبوة - الكمال البدني - كما في علم
الكلام - هو شرط اقتضائي، بالنتيجة: هارون اخي افصح مني لا بعني ان موسى غير فصيح.
يعني الكلام بين الفصيح والافصحية. وكما ترى صيغة تفضيل ومبالغة.
ولذا أشكل فرعون بقول(أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين
.. ) الزخرف /
-
مرجعية القرآن ..
-
القاعدة الاملائية في - التاء ' تكتب مربوطة اذا وقعت في آخر الاسم
المفرد وما قبلها مفتوح مثل - شجرة - ولكن القرآن خالف هذه القاعدة بلفظ (إن شجرت
الزقوم)
الصرف: ومما شذ عن قياس النحاة كلمة - استحوذ - في قوله(استحوذ
عليهم الشيطان) فقد كنبت قرانيا بالواو والقياس ان يقال - استحاذ - بقلب الواو
ألفا بالتالي الواو خلاف القياس.
ولذا سمعنا الخوئي في - البيان - قوله ان القرآن نزل في زمان لم
يكن فيه لقواعد اللغة العربية عين ولا أثر وإنما أخذت هذه القواعد بعد ذلك .. الى
ان قال .. ان القاعدة العربية المستحدثة اذا خالفت القرآن الكريم كان هذا نقضا على
تلك القاعدة لا نقدا على ما استعمله القرآن..
ولهذا ذكر الصدر في - منة المنان - ان القرآن يمكن ان يكون محتويا
على اللحن بالقواعد العربية ومخالفتها وعصيانها .. وقد إستدل السيد .. بقوله
تعالى( ما فرطنا في الكتاب من شيء) هو احتواء القرآن الكريم على كل علوم الكون
ظاهرا وباطنا ومن المعلوم أن هذا الكون الذي نعرفه يحتوي على النقص كما يحتوي على
الكمال .. وقد فهم السيد ان الاستيعاب هو من مقولة الكمال.
-
خلاصة القول:
-
١) جواز القراءة بكل وجه ما دام القارىء صح اقراؤه .. قدماء علماء
الشيعة والمشهور بينهم كما هو صريح الطوسي في التبيان. والطبرسي في البيان.
٢) إجزاء ما وافق العربية مطلقا وبأي نحو كان بما لا يتغير
المعنى.. ابن البراج في مهذبه حيث قال. عند واجبات الصلاة والقراءة باللسان
العربي. ومنهم ابن الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه. حيث قال: من حق
القراءة ان تكون بلسان العرب المعرب .. ومنهم ابن حمزة في الوسيلة لظاهر قوله في
واجبات الصلاة ووضع الحروف مواضعها مع الاماكن في القراءة... وهو ظاهر المحقق
الحلي في المختصر النافع
٣) وجوب القراءة بما يتداوله الناس واشتهر عندهم الموافق للقواعد
العربية لا بملاك الإطلاق بل بملاك صدق حكم العرف العام.
٤) ما حكى عن علم الهدى المرتضى عن بعض رسائله انه أفتى بجواز
اللحن في الأعراب في قراءة القرآن في الصلاة الذي لا يغير المعنى به.
٥) جواز قراءة القرآن الكريم بكافة القراءات سلميها وشاذها مع
الاحتياط والتزام السبع بل أولوية القراءة بما وافق النهج العربي باي نحو اتفق وهو
رأي متاخري المتأخرين كالسيد اليزدي في العروة.
٦) حصر القراءات بالسبع المشهورة فقط وفقط.
0 تعليقات