رأفت السوركى
من أعاجيب "النخبة العربية" و"المصرية"
بالتخصيص أنها لا توقف اللطم على الخدود وتواصل إقامة سرادقات البكاء وتسيير مواكب
العزاء في "الفضاء الافتراضوي" حول ما يُسمونها " الديموقراطية
المفقودة"؛ وترى إلى أفراد هذه النخبة وهم يمضغون ذلك الاصطلاح ليل نهار وفي
كل الأوقات إلى حد الإصابة بالملل؛ لأنك تُدرك ـ عبر ممارسة تفكيك الخطاب ـ حقيقة
لعبتهم السياسوية الرديئة!!
وفي الحقيقة أن حالة النخبة المُتَبَاكية على الديموقراطية؛ تتضاد
مع الرأي الآخر إذا كان مخالفاً لما تطالب به فتروج لمشاعرها المكذوبة؛ وهي بذلك
تفضح نوعية التجارة السياسوية التي تمارسها؛ باعتبارها كـ "نخبة" تنتمي
في التقسيم الطبقوي المُتَعَارف عليه إلى الشريحة العُليا من الطبقة الوسطى في
المجتمع؛ وهذه النوعية التي يندرج في إطارها إعلاميون وشعراء وروائيون وممثلون
إلخ... تتميز بالتراقص السياسوي المرتبط لديها بفقه المصلحة الخاصة فقط؛ أي ما
يمكن أن تستفيده.
*****
وهذه النوعية لا تدرك أنها تتوهم منفردة بأحقيتها المطلقة التي لا
تُراجَع في أن تكون هي المُسيِّر لشؤون السلطة والحكم بظنونها أنها يمكن أن تكون
العقل المفكر للسلطة؛ وتخدع نفسها بمتوهم أن السلطة في احتياج إلى آرائها النيرة؛
بل هي تظن أنها تفهم في المسألة السياسوية والاقتصادوية أكثر من أجهزة الدولة ومكاتب
التفكير بها؛ وقد وصل الأمر بها للظن أن المؤسسات العسكريتارية التي يحكمها العلم
العسكريتاري الاستراتيجوي الشامل لا تفهم في إدارة شؤون الدول والمجتمعات نتيجة
هيمنة تحديات الاستهداف للأوطان في هذه المراحل.
إن هذه الشرائح من "النخبة المتشوقة" كان يفترض أن تدرك
وتفهم وتتلبس "المفهوم الغرامشي" حول "المثقف العضوي"
وفعالياته؛ والمتميز بالوعي الحقيقي وليس المزيف؛ وأنه يمثل ضمير الوطن قبل أن
يكون منتفعاً؛ غير أنها لا تدرك وظائفوية هذه النوعية؛ لذلك نجدها تجسد توصيفات
"علم التحليل السياسو/ثقافوي" بأنها عناصر في "السوق
الرأسمالوية"؛ ورأسمالها يتسلع في "بِضاعة الرأي/ الأفكار" التي
تدخل بها السوق المجتمعية لبيعها والتربح منها؛ فتصبح كـ "البقَّال" أو
"العطار" في "دكان/محل العطارة"!!
والمؤسف أن هذه النخبة من منظور "علم النفس السياسوي"
عندما تتأمل مسلكياتها تجدها تتسم وتشتهر بانتهاج مسلك الانتهازية الفجة؛ حيث تلهث
وتقبل في مناخات انتفاعاتها بالجلوس في مكتب سلطوي مُكَيَّف يمثل ما كانت ترفضه
بادعاء المعارضة والنضال قبل ذلك؛ وقتما كانت تركض في الطريق السياسوي كبائع
المناديل الورقية في الطريق لسيارات العابرين؛ أي تراها تبرز في صورتها المستصنعة
بما قبل التحول كشخصية شريفة تدعو للمثاليات؛ وتصرخ دفاعاً عن الديموقراطية وحقوق
الغلابة والكادحين والجوعى والفقراء قبل أن تغتنم هي الأموال والمناصب وترتقي في
السلم الاجتماعوي.
*****
إن صورة الكثير من نوعيات هذه النخب يثبت تلك النتيجة؛ ويدل على
نمط النخبة ذات الوجهين. ولعل الفضاء الافتراضوي بممراته الزرقاء مثل
"فيسبوك" و"تويتر" يؤكد تلك النتيجة المؤسفة؛ حيث تقول النخب
عكس ما يمكن أن تمارسه؛ والارتقاء في درجة الإيحاء بما لا تبطنه وهي لا تقف أمام
مغريات التحول التي تأمل وتعمل على الوصول إليها.
إن من يقوم بتفكيك خطابات هذه النوعيات من النخب؛ يكتشف خطاباً
جامعاً لها حول نمط تسيير "شؤون الدولة المصرية" الراهنة بالتحديد؛ بما
يوحي بخفاء واستتار محاولتها نزع السمة الوطنوية عن إدارة الدولة المصرية الراهنة؛
بل يصل القبح السياسوي لدى نماذج منها ـ خاصة من النخب المتأسلمة المتأخونة ـ بأن
رجالات إدارة شؤون مصر هم من المحتلين المنقلبين الذين جاءوا على ظهور الدبابات؛
واحتلوا السلطة في مصر!!
كما تستمرئ بعض النخب ما تقوم بتزييفه حين تحاول الفصل بين الدولة
بنظامها الراهن وشعبها؛ وهي تتغافل عن أن الدولة بنظامها هي التي تضمن ديمومة
"هوية الشعوب" وتوفر لها ثوابت استقرار حياتها؛ لأنها بالمنظور العقدوي
هي تمثل "ولي الأمر" المسؤول عن رعيته/ شعبه. ولولا وجود نظام الدولة
لتحولت الشعوب إلى نوعية "رعاة الأغنام والأبقار" والتي ستطوف في الصحروات
والحقول بحثاً عن الكلأ!!
*****
وكنوع من ممارسة التدليس تروج هذه النوعيات من النخبة أن أنظمة
الدول تجرد شعوبها من حقوقها في أراضيها؛ وكأن المُضمر في خطابها يحاول ترسيخ
التصور بأن الأنظمة تفعل ما فعلته الدولة الصهيونوية حين انتزعت أرض فلسطين
السليبة من شعبها. وهذا التدليس الهابط لا يجعل من يروجه يسأل نفسه عما يفعله
الشعب إذا غابت السلطة أو فسد بعض موظفيها عند فوضى الشعب بإقامة تجمعات
العشواءوية المخيفة والاعتداء على الحقول ومجاري المياه والشواطئ ببناء المنشآت
المخالفة!!
بل وهناك من هذه النخب من يتناسى ـ على سبيل المثال ـ أن
"نخبويته" ذاتها التي جعلته يتعلم ويقرأ ويفكر ويكتب هي نتاج مشروع ثورة
ضباط الجيش المصري في 23 يوليو1952 م؛ بما أتاحته من مجانية تعليمه وحتى حصوله على
وظيفته. ولأنه صار من المتكلمين فهو يوالى التركيز على بعض النتائج غير المرضية
لهذه الثورة؛ متناسياً الاصطلاح الشهير "التجربة والخطأ" الذي حكم
منهجها السياسوي مع تنازع التيارات أيامها من بين المتمركسين والمتأخونين للهيمنة
على طريقتها في العمل إلخ.
*****
إن ما استدعى هذه الكتابة هي تجربتي الخاصة في الفضاء الافتراضوي؛
حين أتابع ما ينشره بعض الأصدقاء من "غُلاة المتسيسين"؛ لاكتشاف ما
يحاولون فرضه من تصورات محددة تجاه المفاهيم التي يكتبون حولها؛ مثل
"الديموقراطية" و"طبيعة الأنظمة" و"متوهمات
الثورات" الربيعوية الأخيرة؛ التي أنتجت الفوضى الأوباموية ضمن حقيقتها في
استهداف هدم نمط الدولة الوطنية/ القومية؛ لإحلال بديل "الزنقات والحارات
والخنقات" ذات الطابع العرقوي والمذهبوي للدولة الجامعة!
والمدهش في الأمر أنني من واقع المتابعة لهذه الفضاءات اكتشف عدم
حضور تدوينات بعض من تربطني الصداقة الافتراضوية معه؛ فتظن أنه منصرف عن التدوين
وتذهب إلى جداره أو صفحته للإطمئنان عليه فتكتشف أنه يواصل حضوره في هذا الفضاء؛
غير أنه قام بإلغاء الصداقة معك أو حظرها أو قام بـ "تقييد التفاعل"
ليجتنب ظهور منشوراتك لديه؛ أو بمنعك من التعليق على منشوراته كي يختفي ما تدونه
على جدارك فلا يظهر بالتالي على جداره؛ لماذا؟
لأنني في تدويناتي قد أقدم ماهو مغاير لمستهدفه وبرنامجه السياسوي؛
خشية أن يطلع عليها جمهور صفحته. وهنا يفرض التساؤل نفسه: هل من مسلكيات ادِّعاء
الديموقراطية أن لا تسمع غير صوتك ولا تقبل بغير قناعاتك؛ ولا تحاور من يخالفك في
القناعات طالما أنك تحترم الآخر ولا تخرج عن آداب ولغة الحوار.
*****
هذه هي السمة الكاشفة لحقيقة النخبة وغضبها المفتعل ولطمياتها
المدعاة حول الديموقراطية؛ ما يكشف أنها "نخبة كذوب" سياسوياً؛ لأنها
حين تكون خارج ملاك المسؤولية تجدها تُغني وترفع "شعارات الثورة
والديموقراطية". لذلك يصدعونك بشعارات الديموقراطية وحين تخالفهم الرأي
يُلغون صداقتك... وهؤلاء أحتفظ بأسمائهم لنفسي!!
0 تعليقات