آخر الأخبار

لجنة أجرانات في إسرائيل بعد 46 عاماً

 

 





 

لواء دكتور/ سمير فرج

 

 

كانت الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، أكبر من أن يصدقها الشارع الإسرائيلي وكيف أن هذا الزلزال الذي أصابهم يوم عيد الغفران.. اليوم المقدس.. قد أثر بشكل كبير في الكيان الإسرائيلي من الشعب والجيش.

 

كانت إسرائيل قد خرجت من حرب يونيو 67، أو ما يطلق عليه حرب الأيام الستة، وقد استولت على شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وهضبة الجولان ... خرجت إسرائيل، من تلك الحرب، منتصرة على ثلاث جيوش عربية، ووقف موشى ديان، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، بجوار التليفون "في انتظار مكالمة من عبد الناصر يعلن فيها استسلامه"، كما ذكر في واحد من أحاديثه الإعلامية.. ولذلك عاشت إسرائيل في نشوة هذا النصر الكبير.

 

وبفضل الأبواق الإعلامية المنحازة لإسرائيل، ترسخ، لدى شعوب العالم، اعتقاد بأن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، وأُطلق على قواته الجوية، حينئذ، لقب "اليد الطولي" لإسرائيل. وأعقب ذلك الإشادة الدولية بخط بارليف، الذي أنشأته إسرائيل قبل حرب أكتوبر 73، ودخل الموسوعة العسكرية في العالم، بوصفه نموذجاً للتحصينات الدفاعية الثابتة. ومع المساندات، غير المشروطة، من الولايات المتحدة الأمريكية، باختلاف إداراتها، لإسرائيل، لضمان تفوقها العسكري في المنطقة، لم يكن لدى إسرائيل شك في قدرتها على الاحتفاظ بما وضعت يديها عليه من أراض، في يونيو 67، بل وقدرتها على التوسع فيها.

 

وانهارت الأحلام الإسرائيلية بعد تحقيق الجيش المصري النصر وعقدت جولدا مائير رئيسة الوزراء وموشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي مؤتمراً صحفياً ليعلنا هزيمة إسرائيل أمام الضربات القوية للجيش المصري، ونجاحه في عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، وأفسح لنفسه الطريق، للتقدم في سيناء، نحو إسرائيل. وقد فسر المحللون العسكريون ذلك المؤتمر الصحفي، وإعلان هزيمة إسرائيل، بأنه كان ذريعة تسوقها إسرائيل، لتبرير خطتها بشن ضربة نووية، ضد جيشينا الثاني والثالث، بقنبلة ذرية تكتيكية، لمنع تقدم القوات المصرية نحو العمق في سيناء.

 

والواقع أن هذا المؤتمر الصحفي، أحدث صدمة كبيرة في إسرائيل، فقد كانت تلك أول مرة تنطق فيها إسرائيل لفظ "الهزيمة"، وهي ما وصفتها صحيفة معاريف الإسرائيلية، بأنها الكلمة التي أحدثت زلزالاً، هز كيان المجتمع الإسرائيلي بأسره.. وقد أدي هذا المؤتمر إلى اعلان واشنطن ببدء الجسر الجوي إلي إسرائيل.

 

و كان لابد أن تتحرك دولة إسرائيل ، إزاء ما حدث ، باتخاذ إجراء قانوني استنكاراً للهزيمة الفادحة التي ألمت بهم، تم، على الفور، في نوفمبر 1973، تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، برئاسة رئيس قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا، آنذاك، شيمون أجرانات، وعُرفت باسم "لجنة أجرانات"، إلا أن صحف المعارضة الإسرائيلية أطلقت عليها اسم "لجنة التقصير"، مطالبة إياها بمعرفة، وإعلان، اسماء المقصرين في هذه الحرب، بما أدى لإعلان هزيمة إسرائيل.

 

ظل اسم "لجنة أجرانات" هو الاسم الرسمي المعمول به في أروقة السياسة والكنيست والإعلام، وفي أبريل من عام 1974، أي بعد ستة أشهر من انتهاء الحرب، أصدرت اللجنة تقريرها المبدئي الأول، في 40 صفحة، وكان تقريراً عاماً، لا يتضمن رصداً للوقائع، وإنما ركز على إجراءات اللجنة، ومنهجها المنتظر للوصول إلى الحقائق، وتم إتاحة هذا التقرير، الأولي، للرأي العام.

وفي يوليو 74، أصدرت اللجنة تقريرها الثاني، في 423 صفحة، حاملاً خاتم "سري للغاية"، فلم يُتح للعامة، حتى أنه لم يُعرض على مجلس الوزراء، أو الكنيست، واكتفت اللجنة بالسماح بنشر 6 صفحات منه، تحمل الخطوط العامة لمحتواه.

 

في يناير 1975، أصدرت "لجنة أجرانات" تقريرها النهائي، في 1511 صفحة، وحُذر نشره تماماً، حتى نجحت جريدة معاريف الإسرائيلية، في عام 1995، بالحصول على موافقة المحكمة العليا، بالموافقة على نشر التقرير، بعد عامين كاملين من مطالبتها بالنشر، وصدر قرار المحكمة العليا شاملاً حذف 48 صفحة من التقرير، تخص دور الموساد الإسرائيلي في هذه الحرب. وبالرغم من قرار المحكمة العليا، إلا أن تقرير "لجنة أجرانات" لم يُنشر منه إلا عناوين عامة بشأن الجهات المقصرة في حرب أكتوبر 1973.

 

عادت هذه اللجنة، مرة أخرى، إلى الأضواء، في عام 2007، بعرض تفصيلات أخرى، ولكن ليس التقرير بالكامل، قبل أن تُشرع إسرائيل قانوناً، يحظر نشر أية وثائق خاصة بحرب 73، قبل ثلاثين عاماً من تاريخ الحرب.

 

وفي 2013، تم نشر نصوص بعض المحادثات، التي تمت بين رئيس الوزراء، وبعض القادة والضباط في الجيش الإسرائيلي، إبان حرب أكتوبر 73، ورغم ذلك، لم يتح، معرفة تفاصيل التقرير النهائي لهذه اللجنة، وهو ما دفع وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى يومنا هذا، لتوجيه انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية، للضغط عليها لإعلان أسماء الجهات، والأشخاص، المقصرين في هذه الحرب، وإن كانت معظم أصابع الاتهام، تشير إلى المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وفشلها في الحصول على معلومات عن خطة مصر لشن تلك الحرب، في ذلك اليوم.

 

وترتفع الأصوات الإسرائيلية، متسائلة، هل تأخرت جولدا مائير، وموشى ديان، في استدعاء قوات الاحتياط؟ وهل هناك تقصير من رئاسة الأركان في خطة الدفاع عن سيناء؟ وما هي حقيقة الصراع على الجبهة المصرية، بين الجنرال جونين قائد الجبهة المصرية، وبين قادة اللواءات المدرعة؟ وكيف تدخل الجنرال شارون في الحرب، دون إبلاغ قيادة الجبهة؟ وغير ذلك من مئات الأسئلة والاستفسارات، التي تحاول الحكومة الإسرائيلية إسكاتها، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن تقصير الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، ولم يجد أحداً لها إجابة حتى الآن.

 

ولعل أهم قرارات "لجنة أجرانات" هو عزل رئيس الأركان الإسرائيلي، ديفيد اليعازر، من منصبه، والتوصية بعدم توليه أي مناصب رسمية في إسرائيل، بعد تقاعسه في استدعاء الاحتياطي. وحتى الآن، لم تُعلن إدانة مجلس الوزراء، سواء لرئيسته جولدا مائير، أو لوزير الدفاع موشى ديان. وسيظل المجتمع الإسرائيلي يسأل ويسأل عن أسباب الهزيمة.

 

ورغم مرور 46 عاماً علي هزيمة إسرائيل ، لم يظهر حتي الآن نتائج لجنة أجرانات للعالم ، لكنني واثق تماماً أنها سوف تظهر في يوم من الأيام لتؤكد للجميع أن النصر الذي حققه الجيش المصري كان نصراً عظيماً علي دولة إسرائيل.

 

12 اكتوبر 2019

 

إرسال تعليق

0 تعليقات