نصر القفاص
أصبح "محمد صلاح" ظاهرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
إسمه وحكايته تحولت إلى "قطعة جاتوه" يشتاق الشعب المصرى
إليها, لتكون حاضرة فى حياته.. ولا أبالغ إذا قلت أنه فرض اسمه وإنجازه على العالم
العربى بحب.. إضافة إلى ما يختزنه العرب فى عقلهم الباطن.. لذلك اقترن اسمه بوصفه
"فخر العرب" ربما لأن مصر والعرب يبحثان عن خيط يعيد جمع حبات عقدهم
"المنفرط"!!
إسم وصورة "محمد صلاح" تفرضان نفسهما على إعلام الدنيا..
ربما باعتباره أعاد تجديد صورة الإنسان المصرى حين ذهب للقيادة فى لحظة الخطر..
وتتاجر به صحافة فى مصر هى أقرب "للسخافة" ويتمسح به إعلام يمارس
"الإعدام" للوعى والعقل بزهو وفخر الجهلاء حين يمارسون خداع الذات قبل
الناس!!
قليلة هى الكتابات التى تناولت "محمد صلاح" بجدية.. قد
يكون بينها كتاب للدكتور "محمد المهدى" الذى نشرت له دار
"ريشة" كتاب "محمد صلاح الذى لا تعرفه" وعلى ما يحمله الكتاب
من رؤية حاولت أن تكون عميقة.. إلا أنه أخفق فى أن يجعل من نجم محلى ملهما لصلاح..
فقد يكون فات على المؤلف بجهده الذى يستحق كل التقدير, أن "الملهم" يجب
أن يكون أعلى مكانة عن الذى يستمد منه إلهاما.. فلو أنه قال عن "بيليه"
أو "مارادونا" أنهما ملهما صلاح, لكان الأمر منطقيا.. وقد رأيت الإشارة
لتلك الملاحظة قبل أن أسجل إعجابى برؤية المؤلف إجمالا لتلك الظاهرة, وتقديرى لدار
النشر التى التقطت خيط الضرورة فى أن تحاول قراءة هذا النجم بجدية.. بعيدا عما
يمارسه الإعلام المصرى عبر "النكد الرياضى"!!
أضاف الدكتور "محمد المهدى" الكثير للقارى.. وأمتعه..
عبر صفحات كتابه.. وتمنيت أن يتصدى لقراءة هذه الظاهرة أحد أساتذة علم الاجتماع..
فهى تستحق الدراسة باعتبار أن هذا النجم العالمى, جاء من رحم وعمق القرية
المصرية.. وباعتباره ابن أسرة بسيطة بالمعنى المادى.. وهى أسرة رائعة وعظيمة تجسد
عبقرية الشخصية المصرية.. كما يستحق "محمد صلاح" أن يتناول سيرته أولئك
الذين يحاولون فهم الحاضر والمستقبل سياسيا.. وباعتبار أن حكايته أو ظاهرته فرضت
نفسها على الدنيا.. يجوز لنا أن ننتظر كاتبا اقتصاديا يقدم لنا محاولة تفسير تلك
الظاهرة على أرضية علم الاقتصاد, لأنه أصبح جزءا من صناعة ضخمة وعملاقة تتطور
بسرعة رهيبة واستمرار واضحين!
بداية.. يجب التنبيه إلى أن كل من يعانى حالة "اكتئاب"
قد يرى فيما أكتب مبالغة.. أو نوعا من أنواع الجنون.. وهذا طبيعى ومنطقى.. لكننى
أكتب للباحثين عن السعادة والذين يمارسون التفاؤل باعتباره من مكونات الشخصية
المصرية.. وقد عبر عن ذلك الدكتور "محمد المهدى" فى كتابه:
"إبتسامته الهادئة تشع نورا أسطوريا فى وجهه الريفى البسيط" وتلك كلمات
المؤلف الذى أضاف قائلا: "لم يحرم نفسه من إطلاق شعر رأسه وإطلاق لحيته فى
مظهر شبابى عصرى أقرب إلى الروشنة والتحرر.. كأنه يوازن بين جوهره ومظهره.. أو بين
الظل والقناع.. بين الأصالة والمعاصرة.. وكأنه فى حالة تصالح مع ذاته وسائر
مكوناته النفسية".
الحقيقة أن "محمد صلاح" الذى جدد بريق نجوميته.. وأضاف
إليه.. خلال مباراة "ليفربول" أمام "مانشستر سيتى" بإبداع فيه
الجديد والمدهش لعشاق لعبة "كرة القدم" جعل متابعيه وهم ملايين كثر فى
مصر يكتمون غيظهم من "كرة الندم" التى انصرف عنها الناس فى مصر!! لأن
"محمد صلاح" أدمن الفعل وهو قليل – وعميق – الكلام.. لا يكف عن أن يبعث
الرسائل لأبناء جيله فى وطنه الذى يعشقه بعقله قبل قلبه.. فقد جعل صمته صاخبا..
وجعل تواضعه محترما.. متفردا.. وقد عبر عن ذلك مؤلف الكتاب بقوله: "كأنه جاء
إلى الحياة بشكل أسطورى ليؤدى مهمة عظيمة"!! لأنه على حد رؤية المؤلف:
"يجسد كل قيم الكفاح والصمود والنقاء والكبرياء والتواضع والشموخ والعزيمة
والإصرار والحب والطموح بلا حدود" وأضاف الدكتور "محمد المهدى" قائلا:
"أصبح رمزا للاستقامة والنظام والنظافة والانضباط والوطنية والعالمية
والإنسانية"!!
ما يفعله "محمد صلاح" وما يجسده من معان وضع إصبعه عليها
الدكتور "محمد المهدى" تكشف عمق مأساة يعيشها مجتمعنا.. يشغله ويشاغله
بها "الإعدام المصرى" بأطنان من الكلام الفارغ.. بل الفاسد.. عن أولئك
الذين يتحدثون عنهم من لاعبى "كرة الندم" وحقيقة مجتمع أصابه الذهول حين
وجد "محمد رمضان" نجما لمجرد انبهاره بالسذاجة والسطحية اللتان تحققان
له ثروة مذهلة!!
وهو المجتمع نفسه المذهول من أن يتم وصمه بأنه يسمع أولئك الذين
أتعفف عن ذكر أسمائهم.. لكنهم ذباب يشغلنا وسط "نفايات" تتصدر المشهد
العام.. وهذا يكفى حرصا.. وخوفا.. لا أنكر أننى أعيش فى خندقهما!!
حاول أحدهم من ركام إعلام – إعدام – الماضى أن يسرق الأضواء,
بالهجوم على "صلاح".. فكان الرد من شعب عبقرى بتجاهله.. لأن الشعب
المصرى يقتل الذين يرفضهم بالتجاهل, وأن يدير ظهره لهم.. ولا يتورع هذا الشعب عن
أن يزكم أنف هؤلاء برائحة كريهة!!
يستحق "محمد صلاح" أن نراه عنوانا لجيل قادر على صنع
المستحيل.. هو اختار أن يقدم تضحيات نبيلة لكى يوقد شعلتهم.. استطاع أن يقول لجيله
وأجيال لاحقة "نحن نستطيع" بعيدا عن انتهازية وغباء الذين لم يقرأوا
تاريخ هذا الشعب.. فقد استطاع "محمد صلاح" أن يفرض الحب على الذين
استعمروا مصر.. كما حدث مع مواطن آخر بدرجة زعيم كسر أنفهم.. وليت الذين يتكسبون
من اسم "صلاح" يفهمون أنهم فعل ماض!!
0 تعليقات