آخر الأخبار

خارج الفقه: حرمة مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية ..

 


 

 

علي الأصولي

 

 

نعم: لو كنا نحن وصريح القرآن بمعزل عن النصوص الروائية. فلا نص في المقام قاض وحرمة المصافحة.

 

لكن لو حاولنا فهم آية ونص (ولا تقربوا الزنى أنه كان فاحشة وساء سبيلا). يمكن القول بدلالتها على المطلوب.

 

بتقريب: الحرمة لا تختص بنفس الزنى بل بمقدماته الموصلة للزنا أيضا. من غمز ولمس ونحو ذلك. مع ان حكمها وذنبها وعقوبتها اخف من الزنا بطبيعة الحال. وكما ترى لا تقربوا - هذه المقدمات - الموصلة للزنا بالنتيجة عادة.

 

ولذا قالوا في الأصول: مقدمة الحرام حرام. كون أن المقدمة غالبا وعادة تجر للحرام.

 

جاء في صحيحة أبي جميلة على ما بعض المباني عن الباقر (عليه السلام). قوله: ما من احد إلا وهو يصيب حظا من الزنا، فزنا العين النظر. وزنا الفم القبلة. وزنا اليدين اللمس .. الخ ..

 

ومن الأدلة على حرمة المصافحة: دليل الملازمة والأولوية العرفية بين النظر واللمس. بدعوى كل ما حكم فيه بحرمة النظر حكم فيه بحرمة اللمس والمس. لا سيما وان اللمس مدعاة للفتنة بشكل اكبر من النظر.

 

وحاول المجيز بالرد عليه. بدعوى: عدم إحراز مثل هذه الأولوية العرفية في مورد عدم وجود ريبة وتلذذ او مفسدة - يعني - ان مناط الإشكال بوجود وإيجاد الشهوة ومع عدمها فلا حرمة –

 

ويرد عليه: ان جعل الشهوة برأسها ملاكا للحرمة أول الكلام فمن قال ان صرف وجود وإيجاد الريبة والتلذذ ملاكا لأصل الحرمة. نعم: هي جزء علة الحرمة وكما قلنا - هي من المقدمات - والمقدمة كذي المقدمة. بالتالي: دعوى الباحث اللبناني حصول خلط عند المانعين توهم منه لخلطه بين جزء العلة وملاكها.

 

بعبارة أخرى: ان وجود الفتنة والريبة والتلذذ لا ينحصر بالمصافحة والملامسة بل توجد حتى بالمصافحة وراء الثوب بلبس قفازات مثلا فليلاحظ.

 

واقعا: ليس الغرض من عرض مسألة المصافحة بين الجنسين هو لملاحقة أدلة التحريم وما أثير حولها من مناقشات ولا من حاول الذهاب للحلية وما يستند إليه. بل الغاية هو مؤثرية نسبية الأخلاق في مسألة الفتوى. فإن أصحاب النظرية النسبية للأخلاق يجدون ان عدم مصافحة الرجل للمرأة هو نوع اهانة لها وعدم احترام لكيانها في هذه العصور وإن كانت في الماضية هو عدم المصافحة نوع إحترام تبعا للأعراف والأخلاقيات السائدة آنذاك.

 

وهذا خلط فاحش بين مقولة الأخلاق ومقولة الأعراف إذ ان الأخلاق عابرة للازمنة بينما الأعراف تابعة للتقاليد الاجتماعية ولكل مجتمع عرفه ولكل زمان عرفه ومن العرف ما هو حسن محمود ومنهم ما هو مذموم ومنه ما هو حسن في زمن او مجتمع مذموم في زمن ومجتمع آخر . ولذا حسن العرف ومحموديته يستمد مقبوليته من العقل والعقلاء بشرط الضابط الشرعي. ولنا مقال منفصل حول مقولة العرف نشرناه فيما سبق.

 

فمثلا: من أدلة المجوزين لمصافحة الرجل للمرأة الأجنبية هو لملاك عدم الإحترام: بتقريب أن من الملاكات الدخيلة في حرمة النظر للمرأة المسلمة الأجنبية هو احترامها. والروايات واضحة في هذا الشأن من قبيل رواية على بن ابراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه السلام). قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر الى شعورهن وأبدانهن،

 

وبناءا على تنقيح المناط ومقتضى الفهم العرفي ومناسبات الحكم والموضوع. يتم إلغاء الخصوصية عن مورد النظر والعمل على تسرية ملاك - عدم الحرمة - الى مورد المصافحة.

 

بعبارة أخرى: بما ان حرمة نساء أهل الذمة الإعتبارية مفقودة بلحاظ كشف الشعور - شعورهن - وبعض الأجزاء من أبدانهن بحيث ان سقوط هذا الاعتبار والحرمة جاء بإرادتهن جوز الشارع النظر إليهن. وبنفس عدم الاعتبار هذا يمكن ان يتعدى الجواز الى مصافحة نساء أهل الذمة.

 

هكذا فهم المجوز وهو كما ترى من الخلط بمكان: لأن جواز النظر هو لأجل عدم الاحترام بينما المصافحة من مصاديق الاحترام بالتالي: إلغاء الخصوصية ليس بمحلها كما هو واضح. ولو سرنا وإلغاء الخصوصية كما حاول المجوز فإنها تسري الى مورد لمس مطلق جسم نساء أهل الذمة ولا معنى لتجويز المصافحة فقط فهل يقبل المجوز وهذا الإفضاء بناءا على الإلغاء - إلغاء الخصوصية وتنقيح المناط - !؟

 

وجواز المصافحة عندهم لم يختص بنساء أهل الذمة بل حتى شمل المسلمة أيضا بنفس الملاك المتقدم وما قلناه هناك نقوله هنا حرفا بحرف. فإن المسلمة إن أسقطت حرمتها الإعتبارية بخلع الحجاب وجواز النظر إليها بلا تلذذ فهذا لا يعني جواز مصافحتها وإن لم تتحشم بمد يدها للمصافحة. إلا مع الاضطرار الشديد اكيدا وترتيب مفسدة على عدم المصافحة كما هو المعروف فقهيا.

 

عودة على ذي بدء :

 

نعم: بناءا على لوازم تعدد القراءات يمكن ردها بناءا على لوازمها فمثلا إذا رغب أحدكم والاطاحة بأي قراءة - متطرفة - فما عليه إلا الذهاب صوب ملازماتها ومخرجاتها وهذا ما انا عليه في نقد الكثير من الاطاريح التي لا أجدها منسجمة ومنهج الدليل الموضوعي.

 

لنستمع إلى ما سطره - محمد عمارة - وكتابه - التأويل العبثي للوحي والنبوة والدين - دراسة نقدية لكتاب بسط التجربة النبوية. إذ أفاد : إن من يريد الفكاك من مقاصد النصوص المقدسة.. إما لعدم الإيمان بقداستها.. أو لانحرافات فكرية ومذهبية.. أو لغير ذلك - يتخذ التأويل - الذي يصرف الكلمات عن معانيها الظاهرة إلى معانيها المجازية والباطنة - سبيًلا للفكاك من المقاصد والتكاليف التي جاءت فيها.. ولقد انطلق عدد من الكتاب المسلمين- دعاة التنوير الغربي والفلسفة الوضعية اللادينية - من نظرية "موت المؤلف" وأن سنة الدين والقرآن الكريم والوحي والنبوة، إلى ألوان من التفسير المادي للوحي والنبوة والدين، بلغت في الغلو والغرابة والشذوذ الحد الذي نافست فيه التأويلات الباطنية القديمة، وشردت عن طريق الحق والهداية، ونافست نفسها في فرض الجهل والجهالة على عقول المتلقين لها، فوجب على عقلاء الأمة القاصدين صلاحها وصلاح أبنائها أن ينتبهوا وينبهوا من هذه الشرور، ويرفعوا عن كاهل هذه الأمة - المبتلاة بنفسها قبل غيرها - آثار الجهل والخرافة. أنتهى:

 

نعم: أن ملازمات تعدد القراءات وضرورة شرعنتها بقول مطلق والقبول بكل القراءات شرقت أو غربت تكفيرية أو غلوية غنوصية. وأعطاها الحق في التاؤيل بل وسلوك فرض القراءة على الواقع وأن شذت بدعوى حقانيتها من قبل اربابها - آي أرباب القراءات -

وأما التملص والتحجج ومحاولة ردم الهوة لا تنفع من قبل دعاة - تعدد القراءات - والتنوير المتطرف - لضرورة القبول بملازمات ومخرجات قراءاتهم التي استقتلوا في تأصيلها ابداعا أو تقليدا فتفطن ،

 

وبالجملة: يمكن إطلاق وصف على دعاة تعدد القراءات وأن أزعج بعضهم و هذا الوصف، ولكن بالتالي لا استطيع إخفاء عقيدتي وانا أتجول في ثنايا الهرموطيقيا.

 

أدق وصف لهؤلاء هو - لصوص النصوص - وعادة اللص هو السطو على الغير لأخذ وسلب حق الغير والاستفادة من ذاك المغصوب وما يخدم نفسه ومشاريعه.

 

طبيعة اللصوص وطبيعة اللص هو السطو والسرقة والانتحال وكل هذه الممارسات راجعة لفشله من تكوين ذاته وعنوانه ولذا تراه يسطو على الغير لسد النقص.

 

هكذا هم دعاة تعدد القراءات لا مشاريع لهم في متن الواقع وأن وجد مشروع هنا أو هناك وكتب له الفشل فسوف يبذلون الغالي والنفيس وعدم انهيار أمجادهم الشخصية وخير منقذ هو مشروع تعدد القراءات والجنوح لفلسفات الهرمونطيقيا على ما ذكر نقاد تعدد القراءات فالجنوح لفسلفات الهرموطيقيا وأركيلوجيا النص ونظرية النص المفتوح وأنسنة التراث ودعوات القراءات الجديدة للنص متجاوزة كل التراث الفقهي الذي خلفه العلماء في علم أصول الفقه - كآلية معرفية محكمة للتعامل مع دلالات النص - مستخدمة معول التأويل الحداثي للتراث وراضخة لهيمنة النموذج الليبرالي على المشهد الفكري المعاصر .. والحمد لله رب العالمين ..

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات