رأفت السويركي
ما يصدر عمن يوصف بالممثل محمد رمضان؛ والموصوف بالتعبير الشعبوي
"نمبر ون" لم يعد يمثل ظاهرة طارئة في حياتنا الراهنة؛ بل صار لا يستدعي
الدهشة؛ قدر ما يستجلب الأسى والأحزان؛ بما وصلت إليه منظومة القيم والمفاهيم
المتحكمة في تلابيب الحياة الآن؛ والتي تأخذ بخناق الجميع.
فهذا النمط الذي أصبح علامة المرحلة؛ منذ نشأ وتضخم؛ وانتفخ في
مرحلة "الرأسمالية الطفيلوية" المصرية والعربية؛ من دون شك هو يعبر عن
واقع محلي وإقليموي؛ في نسق ما يجري تعميمه عمولوياً؛ وترسيخه في إطار التحولات
البنيوية الهائلة التي يجريها المركز الرأسمالوي الاقتصادوي المهيمن؛ وهو يسعي
لإعادة تنميط الإنسان في العالم من جديد؛ وسبكه فى قوالب متحكم فيها؛ عبر "الشبكات
والسيبرانيات"؛ لصياغة مشاعره وانفعالاته ورغائبه وحاجياته؛ بما يُعظم مساحات
النهم الاستهلاكوي وجعل السوق العولمية واحدة.
*****
إن هذا الموديل المستصنع في حياتنا راهناً؛ لا ينفصل كظاهرة مستجدة
في فضاءاتنا عما كشف بعض جوانبه الفيلسوف الكندي "آلان دونو" في كتابه
المهم المُسمى "نظام التفاهة"؛ والذي يؤكد في متنه أن
"التفاهة" تمكنت من بسط نفوذها؛ وهيمنت على مساحة العالم كله؛ في
السياسة والثقافة والفن والاقتصاد؛ والمؤسف أن التافهين وظاهرة التفاهة صارت تتحكم
في كل شيئ!!
ولم يكن "آلان دونو" يعبر عن شطط في التفكير والتوصيف
والحكم على ما يرى إليه؛ بل كان القارئ الواعي بطبيعة التحولات البنيوية المشوهة
الجارية. فأنت حين تكون تافهاً فإنك تكون رجلاً عصرانياً؛ وعندما تكون لغتك
متهافتة ومسطحة ولا عمق لها؛ فأنت مقبول ومفهوم؛ وغير ثقيل الكلام أو الظل!!
والملفت للانتباه أن من اشتهر في إطار اصطلاحات "زمان
التفاهة" بلقب "نمبر ون" لا يتوقف عن ممارسة إنتاج وكشف ملامح
تفاهة زمانه الاقتصاد/ثقافوي الراهن. فهذا "النمبر" من الذي جعله بهذا
التوصيف سوى "إعلام التفاهة"؛ و"رأسمال التفاهة" و"فنون
التفاهة"؛ و"أسواق التفاهة" و"جمهور التفاهة" الصاعد.
وهذا "النمبر" من الذي قام باستصناعه أنموذجاً للتفاهة
المهيمنة في حقل فنون التفاهة التلفازية والسينماءوية والترويج؛ بتلك المفردات
اللغوية الهابطة؛ والإيقاعات الزاعقة الزاحفة إلينا من فنون الرعاع الأميركيين؛
المزدانة برقصات مستنسخة من لغة القرود الحركية.
وهذا "النمبر" ما حجم عوائد الأموال التي أنفقت على
ترسيم صورته؛ ليكون أنموذجاً مهيمناً على الأجيال التي تتشكل بفعل خطابات الفضاء
الافتراضوي المهيمن في وسائط التواصل الاجتماعوي؛ بما يجعله الدجاجة التي تبيض
ذهباً لمن يرعاه؟!
وهذا النمبر الذي ـ في حقيقته ـ هو أفضل تعبير عن "زمان ونظام
التفاهة" المحلية لا يتوقف عن فرض تلقائية مسلكياته غير المنضبطة على الفضاء
الجامع للجمهور؛ فيمارس ما يتجاوز المنضبطات المستقرة في الثقافة والفن والتعبير
والقواعد المتعارف عليها في الواقع الاجتماعوي.
*****
والأسئلة التي تفرض نفسها على الذهن المراقب للتحولات البينوية
المنهارة قيموياً وثقافوياً؛ والتي تجعل من ذلك "النمبر" رقماً له وزنه
المهيمن في "إعلام التواصل الاجتماعوي" راهناً هي أسئلة عديدة وذات
دلالات قارئة لمعدل التفاهة في هذا الزمان؛ وهي:
- ما هي منظومة القيم التي يروج لها هذا "النمبر" عبر
أفلامه ومسلسلاته وأغنياته؟
- ماهو حجم الانفاقات من الأموال التي تسخر للإنفاق على الأعمال
التافهة التي يقدمها هذا "النمبر"؟
- ما هو حجم العوائد المالية التي تعود على ممولي أعمال هذا
"النمبر"؛ وما هي حقيقة هذه الاقتصادات؛ وما مدى ربحيتها المتجاوزة
للمقاييس؟
إن الإجابة الوحيدة على هذه التساؤلات هي "فتش عن
التفاهة" لتجد الإجابة؛ والتي تؤكد ما توصل إليه المفكر الكندي "آلان
دونو" بتسيد "قواعد الانحطاط" وتجاوز "أسس الجودة"؛
وتمكين "مقاييس الآداء الهابط"؛ وحصار "نماذج الرقي" بـ
"قوالب التفاهة والسطحية".
إن هذا "النمبر" بممارساته المتسلسلة والمستفزة كل حين
يؤكد صواب الوصف بالـ "تتفيه"؛ الذي يهيمن على الفضاء الراهن بكل حضوره
الهابط وغير المقبول؛ والمتجاوز لكل القيم والظواهر المستقرة في الحياة.
إن هذا "النمبر" لا يمتلك أية إمكانات فذة؛ تتجاوز
النجوم السابقين من القامات في الآداء التمثيلي أو الصوتي في الغناء؛ وما يقدمه لا
يخرج عن نسق ثقافة وخطاب واقتصاد "التوكتوك"؛ ونمط الفعل العشواءوي؛
باقتحامه الحياة الاجتماعوية وانتشاره المتسرطن في كافة أنحاء الحياة.
*****
وما يؤكد هذه التصورات أنه يتم استصناعه بدأب و"عملقته في
صناعة التفاهة" بتوظيف وسائط التواصل الاجتماعوي لذلك؛ فتراه يفرض مسلكياته
الهابطة عبر فضاءات "يوتيوب" و"انستغرام" و"تويتر"
و"فيسبوك"؛ بما يقوم بإشهاره في هذه الفضاءات وما يجري تناقله بشأنه من
المحيط الجمعوي للتفاهة من الجماهير غير المدركة؛ وفاقدة القدرة على التمييز بين
الغث والسمين؛ نتيجة اختلال مقاييس الجودة في حياتها.
** حين يجتاح الفيديو الجديد الذي يظهر فيه هذا "النمبر"
فضاءات التواصل وهو يراقص مضيفتين في الطائرة الخاصة التي تقله؛ سواء كانت مستأجرة
أو يمتلكها؛ فهذا إشهار للتفاهة؛ وتمكين نماذجها من الهيمنة على عقول وأجندات
الأجيال الصاعدة؛ التي تعتبره "النمبر" الأهم في حياتها.
** لقد أعاد فيديو "مراقصة النمبر للمضيفتين" أعاد
للذاكرة ذلك الفيديو الأشهر الأسبق له؛ حين جلوسه بالمخالفة في "قُمرة
القيادة" بإحدى طائرات شركات الطيران الخاصة؛ وقد ظهر خلال الفيديو ـ كما
نُشر حينها ـ صوت خلفي لأحد الأشخاص المتواجدين يقول: "محمد رمضان هو اللي
سايق بينا الطيارة دلوقتي"، فقال "النمبر" في الفيديو: "إحنا
في التجربة الأولى من نوعها، هقوم أسوق الطيارة، أول مرة أسوق الطيارة..."!!
وقد تسببت هذه الواقعة في "تحويل قائد الرحلة ومساعده
للتحقيق، ثم جرى فصل الطيار من عمله بشكل نهائي، مع سحب رخصة الطيار المساعد لمدة
عام؛ نتيجة مغادرة مقعده لجلوس "النمبر عليه". ولاحقاً توفي الطيار؛ ثم
صدر حكم من المحكمة بتعويض الراحل بستة ملايين من الجنيهات؛ وقد دفعها
"النمبر"!!
** وفي الوقت نفسه تنتشر في "المواقع الإليكترونية"
الكثير من الصور التي يروجها "النمبر" بكثافة له ومن يرافقه؛ حين يهبط
من الطائرات الخاصة ويلتقط الصور له وهو يجلس على أجنحتها؛ بما يُذكِّر بنمط
التعامل مع "التوكتوك" الوسيلة التي تعبر عن تشكل "أنماط
التفاهة" في الشوارع؛ حيث لا التزام بالقوانين أو القواعد؛ أو الضرورات
المرتبطة بالسلامة والأمن والآمان.
*****
إن من يُسمونه "نمبر ون" في "فنون زمان
التوكتوك" لا يتوقف عن ممارسات الهبوط الاجتماعوي؛ إذ يُعبِّر علانية عن
ذهنية "الحارة" و"العاطفة" و"الزقاق"؛ ويغادر قواعد
وبروتوكولات التناسب مع "ثقافة استخدام الطيران" المستقرة والمحكومة
بالاتزان... فيكشف باستعراضاته وتراقصاته ثقافة توكتوك زمان التفاهة... "محمد
رمضان أنموذجاً"!!
1 تعليقات
رقم تليفون محمد رمضان
ردحذف