عز الدين البغدادي
اعترف بأن لشخصية النبي محمد (ص) مكانة خاصة وكبيرة جدا في نفسي، إلا
أن هذا لا يجعلني محرجا من النظر إليه كإنسان يقع تحت تأثير الزمان والمكان
والمفاهيم، ولا أجد ذلك صعبا ولا مخلا بإيماني به كنبيّ أو إعجابي به كمصلح عظيم.
ارتبطت مفهوم النبوة بمفهوم المعجزة لا سيما عند الأنبياء
السابقين، الا أن هذه الفكرة تغيرت كثيرا في نبوة محمد (ص)، فلم يعد لها أهمية
مركزية. لكن بقيت في نفوس كثيرين وطريقة تفكيرهم، فصوروا النبي محمد (ص) كشخص
خارق، وذلك من خلال رواية الكثير عن معجزاته الحسية لكي لا يبدو اقل من الأنبياء
السابقين، وبلغ ببعضهم ان ذكر ان عدد معجزاته بلغت 1200 معجزة، ومنهم من تجاوز بها
عدد 4000 معجزة. تصور أصحاب هذا الفهم مفهوما للنبوة ودافعوا عنه بحيث ان النبي لا
يجتهد ولا يسهو ولا يخفى عليه شيء، وهو يتصور بذلك أنه يعظم الشخصية المحمدية
بينما هو يحجمها للأسف عندما يريد أن يصورها كأنها شخصية خارقة في امكاناتها، وهو
خارق فعلا، لكنه ليس فقط من جهة القيمة الشخصية بل وأيضا من خلال تركته الحضارية.
قلب مفهوم المعجزة من الحسية الى العقلية، فقد كانت معجزته
"كتاب" وهذا امر كان يبدو غريبا وربما مضحكا في أمة أمية، لكنه ليس
غريبا في نبوة بدأت بكلمة اقرأ، وفي قران يقسم بالقلم والكتابة ( والقلم وما
يسطرون)، وهو الذي كان حريصا على تعليم الناس الكتابة.
كانت معجزة محمد الكبرى أن حول العرب من قبائل متفرقة الى أمة
عظيمة، من مجتمع عدائي قائم على الكراهية والسلب والنهب الى أخوة متآلفين (وألف
بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ).
معجزة محمد الحقيقية أنه عاش بين ناسه لم يتكبر عليهم، شعر بهمهم
كما قال تعالى: ( عزيز عليهم ما عنتم حريص عليكم)، أعطى للعمل قدسيته، رفع مستوى
الفقراء، أعطى حتى للحيوانات حقوقا. بقي كريما إيجابيا شجاعا متفائلا، جمع خصال
النبل في شخصه وشمائل الشرف في نفسه، فلا أعجب ولا ألوم من ملأ قلبه حبا وشغفا.
لكن يبقى محمد (ص) وهو النبي العظيم ابن زمانه ومكانه، لكته خرق حجب الزمان
والمكان، فملأ القلوب حبا وملأ الحياة حيوية.
0 تعليقات