آخر الأخبار

الفقيه والسياسة

 

 


عز الدين البغدادي

 

تعرّض الفقيه في هذا الزمن إلى نقد شديد بسبب إهمال الجانب السياسي في الحياة، ولاقتصاره على أمور من قبيل أحكام الطهارة والعبادات ونحوها، وربما عبّر بعض المنتقدين عن هؤلاء الفقهاء بأنهم "فقهاء الحيض والنفاس".

 

إن هذا ما دفع نحو فهم جديد وباتجاه معاكس يكون للفقيه فيه توجّه نحو السياسية، بل وتنظير لها، إلا أن المشكلة التي وقع فيها الفقيه هو أنه توجّه نحو الفقه السياسي دون أن يمتلك أيّا من أدوات الوعي او التنظير أو آليات العمل في هذا المجال أو الخبرة فيه. لقد تصوّر الفقيه أنّ منهج الاستنباط الذي يستخدمه وهو يدرس أحكام الطهارة أو المكاسب المحرمة ونحوها ينفع أيضا في دراسة السياسية، ويمكن بواسطته تأسيس فقه سياسي، وهنا الخطأ.

 

إنّ السياسة ترجع إلى التدبير والإدارة، وبالتالي فلا يمكن أن يُنتج المنهج الّذي يستعمل في العبادات أيّ شيء مقنع أو مفيد فيها.

 

لقد وضع الفقيه نفسه بين خيارين: فقه الحيض والنفاس من جهة، أو فقهٍ سياسيّ ضعيف بل مدمّر، يحجب الرؤية ولا يقدّم شيئا، لقد قدم فقها يرى عدم مالكية الدولة أو عدم اعتبار فكرة الوطن أو إسقاط حق الأمة في رفض الظلم بتبريرات شتى. والسبب أنه استخدم في مسائل السياسة نفس أدوات الاستنباط التي يستخدمها في مسائل العبادات ونحوها، مع وجود فارق كبير بينهما. إلا أنّ هذا هو المنهج الوحيد الّذي يمكن للفقيه أن يستخدمه لأنّه لا يتقن غيره، أو لأنه لا يدرك وجود فرق بين الموضوعين، فكلاهما برأيه هو حكم الله المستنبط من النصوص وفق منهج استدلالي معروف.

 

إن أي موقف سياسي من فقيه أو غير فقيه لا قيمة له ما لم يمتلك قبل ذلك رؤية سياسيّة، وإلا فإنه ضرر تدخله في السياسة سيكون أكبر بكثير من عدم تدخّله فيها، لا سيما وأن الفقيه يدعم نظره برؤية بتأييد عاطفي من الناس له وهذا ما يجعل الأمر أصعب.

 

عموما ليس واجبا على الفقيه أن يكون له رأي سياسي إذا لم يكن مهيئا لذلك وقادرا عليه، وإلا فإنه سيفسد ولا يصلح، لكن ما يجب عليه أن لا يتدخل في السياسة إذا لم يملك شيئا من أدوات العمل فيها والوعي بها.

 

نعم بأي حال أن لا يتخذ من عدم معرفته بالسياسة حجة ليكون يدا للسلطة على الشعب، أو تبرير ظلمها، فهو كإنسان مسؤول ينبغي عليه بالتأكيد أن يكون مع الناس، وضد الظلم والجور، فهذه مسؤوليته التي لا يمكنه أن ينفك عنها أو يتجاهلها. وهي الحقيقة التي لا يمكن الالتفاف عليه بتبرير فقهي، فالأخلاق في نهايتها حقيقة كامنة في النفس لا تحتاج إلى فقاهة ولا إلى فلسفة.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات