آخر الأخبار

النبى محمد والتاريخ

 


 

 

عز الدين البغدادي

 

 

سأل بعض الإخوة عن المعنى المقصود من أن النبي يبقى ابن زمانه ومكانه، فهل يقلل هذا من قيمة الإسلام والامتدادية الزمنية له؟

 

 وواقعا فإن كل فكرة أو مفهوم أو تفسير أو سلوك إنساني لا يمكنه نزعه من ظروفه الزمانية والمكانية، وعندما نريد ان ندرس شخصية او ظاهرة فلا بد من ملاحظة ما يحيط بها من ظروف.. هناك اتجاهان أساءا فهم هذه النقطة، هما:

 

الأول: الاتجاه الحداثوي بنسخته الأضعف، والتي تصر على أن علينا لكي نكون موضوعيين أن نفهم الأمور في سياقها التاريخي لا الإيماني، فالقرآن يطلق من مقدمات اجتماعية تربطه بزمان معين ومكان معين، ولا يمكن قبول دعوى أن الشريعة تتجاوز الزمان والمكان، وهذا كلام مقبول لهذا الحد؛ إلا أن أصحاب هذا الاتجاه يتخبطون وينتكسون فهم بطريقة مائعة وبدون منهج يتخلون عن منهجهم التاريخي فبدل أن يعترفوا بفضل الإسلام في وضع قيم أخلاقية عالية في الحرب فإنهم يحاسبون الإسلام وفق قواعد اتفاقيات جنيف، وبدل أن يقروا بأن الإسلام أضعف الرق ووضع قواعد إنسانية ومهد الطريق لإلغائه فإنهم يتهجمون عليهم رغم أن اتفاقية الرق المعروفة باسم اتفاقية لقمع تجارة الرقيق تم التوقيع عليها سنة 1926 فقط.

 

وبدل أن يقروا بفضل الإسلام في رفع وضع المرأة بشكل كبير جدا قياسا بالعصر الجاهلي فإنهم يحاسبونه وفق أفكار الفلسفة النسوية في القرنين ال 19 و ال 20، وبذلك يظهر مستوى موضوعيتهم، ويتضح لك الانتكاسة الفكرية بل العقلية لهؤلاء أكثر حينما تقرأ لكتاب وفلاسفة ومستشرقين أوربيين كانوا يتكلمون بإعجاب عن نبي الإسلام وتأثير الإسلام الحضاري على العالم.

 

الثاني: الاتجاه الفقهي التقليدي الذي يصر على أن الشريعة ثابتة لا تتغير، ويبني عليه أن الفقه ثابت، وهذا الاتجاه لا يميز واقعا بين الشريعة والفقه ولا بين الثابت والمتغير. هناك فعلا جزء كبير من الأحكام الشرعية تاريخية، ومن هنا تأتي الأهمية الكبرى لموضوع الثابت والمتغير، وأنت ترى أن عمر بن الخطاب إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم رغم النص عليه في القرآن، ورغم ان كثيرا من أصحابنا انتقدوا ذلك وعدوه خروجا عن النص إلا أن رأيه كان مقبولا فقهيا وهو ما أخذ به الشيخ الصدوق، كما ضمن الإمام علي (ع) القصار والغسال رغم انه خلاف قاعدة "ليس على المؤتمن ضمان" وعلل ذلك بان الناس قد اختلفوا عما كانوا عليه، فينبغي أن يكون ضامنا حفاظا على حقوق الناس عندهم.

 

وأخيرا: إذا قلنا بوقوع الاجتهاد من النبي والإمام وهو الصحيح عندي، فإن تاريخية الأحكام ستكون أكثر وضوحا وتوجها.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات