محمود جابر
مما لا شك فيه ان القانون الانتخابي الجديد حقق بعض من النجاحات
المطلوبة ولكن المطلوبة على مستوى من؟
هذا سؤال مهم جدا، وذلك لان المواطن العراقى كفر بالواقع السياسى
والقوى السياسية ولولا أن المرجعيات استخدمت كل طاقتها فى الحشد للتصويت وبعض المستقلين،
وبعض من شباب تشرين لكانت النسب فضيحة سياسية بكل معنى الكلمة.
المار فى شوارع العراق من كردستان إلى البصرة ومن ديالى الى
الانبار يجد حالة لامبالاة ومقاطعة وعدم اهتمام بما يجرى من تصويت، وسؤال الحاضر
على لسان الجميع "لماذا يجب أن أصوّت
في الانتخابات"، كلمات طنّانة اتّسمت بها آراء العراقيين في الانتخابات.
فجميع العراقيين عرب وكرد ومسيحية يقولون قولة واحدة : "لقد صوّت في جميع
الانتخابات السابقة، ولم يتغير شيء في حياتي".
فالحياة فى العراق تزداد صعوبة من دورة انتخابية الى دورة آخري حتى
وصل المواطن العراقى بحالة سخط شديد لا يفلح معها كل الدعاوى والكلام الرنان
والرشاوى الانتخابية ورهاب المعممين، وسيف الطائفية الذى تلوح به كل كتلة فى وجه
جمهورها لم يعد يجدى نفعا فى الحشد والإقبال على صناديق الاقتراع .
ولكنّ هذه الدورة الانتخابية تختلف عن الانتخابات السابقة في نواحٍ
كثيرة.
كانت نسبة المشاركة متدنية إلى أقل المستويات في تاريخها، ولعل
قلّة الحماس قد ساهمت في جعل الحملة أقل عنفًا وأكثر تحضرا، ولكنّ ذلك علامة واضحة
على الغضب وعدم الرضا والإحباط، وقبل كل شيء انعدام الثقة في النخب الحاكمة
والنظام الحالي. ويبدو اليوم أن الأغلبية المستاءة عازمة على سحب تأييدها لهذا
النظام، بينما يمكن للأحزاب أن تحشد فقط أعضاءها الموالين - الذين يتألفون أساسًا
من أولئك الذين يتقاضون رواتب حزبية. وليس من المستغرب أن يكون عدد الذين أدلوا
بأصواتهم والذين يتقاضون رواتبهم من القطاع العام متساوٍ فعليًا، أي حوالي 6: 7
ملايين. وهذا يجعل الانتخابات والديمقراطية العراقية من أغلى المشاريع وأكثرها
فسادًا في العالم.
بالنسبة إلى عدد كبير من العراقيين، ساهمت عوامل مثل الفساد
المنهجي ومصلحة السياسيين الذاتية واحتكار النخب للحكومة والاقتصاد العراقي
المتعثر وعدم توفر مساحة كافية للوافدين الجدد سياسيًا واقتصاديًا، في ارتفاع نسبة
العزوف عن العملية الانتخابية.
والحالة مشابهة في كردستان إلى حد ما، مع عدد مقاطي الانتخابات
الهائل، الأمر الذي أدى إلى زيادة مقاعد "الحزب الديمقراطي الكردستاني"
والجيل الجديد، على الرغم من الانخفاض الملحوظ في عدد الأصوات بالمقارنة مع
الانتخابات السابقة. وكانت "حركة التغيير" (كوران) الخاسرة الكبرى في
الانتخابات، حيث فشلت الحركة، التي بدأت كحزب معارض للأحزاب السياسية الراسخة في
المنطقة، في الحصول على أي مقعد. وهذه رسالة واضحة من ناخبيها بعد تحولها من حزب
معارض إلى حزب موال للسلطة.
إن نسبة المشاركة المنخفضة، لا سيّما في المناطق الحضرية، تسلّط
الضوء على شرعية الحكومة، فقد كانت أزمة الشرعية هذه السبب الرئيسي وراء الانتخابات
المبكرة وقانون الانتخابات الجديد نفسه، وهما مطلبين أساسيين من ثوار
'تشرين'/أكتوبر في عام ٢٠١٩. ومن المفارقات أنه بدلاً من أن تقوم الانتخابات
بتجديد شرعية الحكومة، كان لها تأثير معاكس على الأرجح.
جرت الانتخابات بالفعل، مع عدد قليل من البلاغات التي تفيد بحصول تزوير. وهدوء نسبى
بعد الانتخابات، ومع ذلك، قد لا يدوم هذا الظرف طويلاً إذا استمر الوضع الراهن على
حاله. فبعد مطالب المحتجين في تشرين الأول/أكتوبر، أقرّ البرلمان العراقي قانونًا
انتخابيًا جديدًا، ولكن محاولاته الإصلاحية أدّت إلى نتائج متفاوتة، ولن تتمكن من
تحقيق تغيرات تحويلية في الحكومة عن حق إلاّ إذا تغيّرت وجهات النظر بشأن
الانتخابات.
المرأة والانتخابات
لنأخذ، على سبيل المثال، شرط قانون الانتخابات الجديد الذي ينص بأن
يكون ربع أعضاء البرلمان من النساء. لقد وسّع القانون عدد الدوائر الانتخابية من
١٨ إلى ٨٣، وهو أيضًا عدد مقاعد الكوتا النسائية، ممّا يعني أن كل دائرة انتخابية
مطالبة بإيصال امرأة واحدة على الأقل إلى البرلمان. ومع تجاوز النساء في البرلمان
هذه الكوتا، أدى القانون الجديد إلى زيادة عدد البرلمانيات من الناحية الكمية،
ولكن ليس بالضرورة من الناحية النوعية. فمن المتوقع أن تأتي غالبية البرلمانيات من
الأحزاب التقليدية القائمة – فربما تضرّ هذه الأحزاب بالنساء بدلا من أن تمثلهم
وتتبنى قضاياهم.
على سبيل المثال، يُعتبر العنف الأسري مشكلة رئيسية في العراق -
فهو مسموح به قانونًا باستثناء داخل إقليم كردستان، الذي أقرّ قانونًا ضد العنف
الأسري. فتمنح المادة ٤١ (١) من القانون العراقي للزوج الحق القانوني في
"تأديب" زوجته أو والديه أو أطفاله "في حدود ما هو مقرر شرعًا أو
قانونًا أو عرفًا". تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون لم يكن موضع خلاف خلال
الانتخابات، ولم تعارضه أي امرأة حتى الآن. وللمفارقة، في قضية أخرى تخص المرأة،
دعت مرشحة من حزب إسلامي في كردستان العراق إلى تعدد الزوجات خلال الحملة!!
المستقلين
القانون الجديد يستهدف تقديم أسلوب امثل للنواب، وبموجب قواعد جديدة، دوائر أصغر تحتاج إلى أموال أقل من أجل تفكيك
هيمنة الأحزاب على العملية السياسية .
لكن من الصعب تحقيق مثل هذا الهدف من الناحية العملية، لا سيّما في
الانتخابات التى تديرها نفس الطبقة ذاتها. فقد تبنّت الأحزاب الكبرى أجهزة إعلامية
وعدد كبير من نُظم المحسوبية وجماعات مسلّحة خاصة ودعم قوى إقليمية. وعلاوة على
ذلك، لكي يحقق القانون الانتخابي الحالي هدفه، يجب أن يثق الناخبون بالسياسيين
المستقلين. وهذا أمر صعب بشكل خاص لأن النائب المستقل غير المدعوم من قبل الأحزاب
القائمة لا يشكّل سمة مشتركة في تاريخ السياسة العراقية.
لكن نرى ان الجنوب الشيعى كسر هذه القاعدة والتف حول عدد من
المستقلين والمحسوبين على تشرين، ردا لجميل سابق أو بحثا عن بصيص أمل .
ولكن للاسف فبعض المستقلين ليسوا مستقلين تماما، وأنهم ظلال لقوى
حزبية، كما ان الجميع يدرك أن اى نائب مستقل تماما سيتم سحقه من قبل القوى
السلطوية التى تدير البلاد .
فاز عدد قليل من المرشحين المستقلين بمقاعد نيابية، ولكن ما من شيء
يضمن أنهم سيتمكنون من تنظيم تكتل ووضع جدول الأعمال - على الرغم من الجهود
المبذولة لبناء الكتلة الاحتجاجية "تشرين"/أكتوبر. هذا وسيتردد
المستقلون بشكل كبير وسيأخذون الحيطة والحذر في كل خطوة لتجنب فقدان الشرعية في
الشارع، كونهم تعهدوا بأن يكونوا في المعارضة.
وما يزيد من تعقيد قضية المستقلين هو أن العراق لا يزال بلدًا يصوت
على أسس عرقية، ولا يحظى المرشحون إلاّ بقدر ضئيل من الدعم من الجماعات التي تنتمي
إلى طوائف أو أعراق مختلفة. وقد رسّخ القانون الحالي هذا السيناريو بشكل أكبر من
خلال تكريس عدد أكبر من المحافظات، حيث لم يبقَ في العراق سوى عدد قليل جدًا من
المناطق المحلية المتعددة الثقافات.
وبالإضافة إلى هذه الانقسامات الكبرى، فإن كل مجتمع – بدءًا من
المجتمعات الصغيرة مثل اليزيديين ووصولاً إلى الأغلبية الشيعية في البلاد - هو في
حد ذاته مجزأ بدرجة كبيرة. وتكمن أسباب عديدة وراء هذا التشرذم، ويمكن تصنيفها من
محلية إلى إقليمية، فضلاً عن الوقائع التاريخية والأمنية. وتستغل القوى الإقليمية
المحيطة بالعراق هذه الانقسامات والتشرزمات - على غرار السياسات الإمبريالية تجاه
الأطراف.
وما يضاعف من التعقيدات أن هذا القانون الانتخابي الجديد، شأنه شأن
العديد من القوانين الأخرى في العراق، لم يُنفّذ بالكامل. على سبيل المثال، وفقًا
للقانون الجديد، لا يجوز أن تشارك الأحزاب السياسية التي لها صلات بالجماعات شبه
العسكرية في الانتخابات. إلاّ أن الأحزاب التي ترتبط بالميليشيات لم تشارك فحسب،
بل كانت هي الفائزة الرئيسية.
وبالمثل، في محاولة لتجنب التزوير الذي طغى على الانتخابات
السابقة، أصبح نظام التصويت تقنيًا لدرجة أنه قلّص من فرص التصويت بشكل ملموس. فقد
شهدت الآلاف من أجهزة التصويت التي تعمل بالمسح الضوئي فشلاً في التشغيل منذ
اللحظة الافتتاحية عند الساعة ٧ صباحًا وحتى الساعة ١٠:٢٠ صباحًا، وتم برمجتها
لتتوقف عن العمل عند الساعة ٦ مساءً. وقد أدت هذه المشاكل إلى تقليل وقت التصويت
في العديد من المواقع إلى أقل من ٨ ساعات. كما طالب القانون الجديد الناخبين
المحتملين بالتسجيل أكثر من مرة، ممّا ساهم في تقليل عدد المسجلين.
ومن أجل الفوز بمقعد نيابي وفقًا للقانون الجديد، يحتاج المرشحون
إلى التنظيم وتمركز الناخبين، ما أدى إلى حصول عدد من الأحزاب السياسية ذات
الأصوات الأعلى على مقاعد أقل والعكس صحيح.
فقد حصد كل من "التيار الصدري" و"الحزب الديمقراطي
الكردستاني" أصوات أقل من الناحية العددية لكنهما حصلا على مقاعد أكثر: بفضل
التنظيم والتمركز والمقاطعة.
لكن فى النهاية أظهرت نتائج الانتخابات أن الشعب العراقي في
غالبيته محبطٌ من الميليشيات وأحزابها، وعبّر عن رغبته بالعزوف عن التصويت.
0 تعليقات