آخر الأخبار

خارج الفقه .. بين الصدور وعدم الصدور .. مسلك الوثاقة ..

 




 

علي الأصولي

 

كل رواية متواترة - وهي ما تفيد العلم بالصدور عرفا - أو يكون مضمونها ثابتا بالضرورة الدينية كدفن الميت مستقبلا القبلة. أو تكون سنة جامعة منقولة عن الفريقين بلا معارض تؤخذ بها بلا كلام.

 

وعدا ذلك من المرويات تبقى في خانة المحتملات صدورا وهي تسمى بينهم - خبر الواحد - وان تعدد رواتها. بالتالي عدم جواز العمل بها بدوا أو ردها ما لم يقم دليل على الصدور صدورها أو عدم صدورها.

 

لأن احتمال عدم الصدور إما أن مرجعه الوضع أو السهو والخطأ من قبل الرواة. ولأجل إثبات الوضع وعدم الخطأ والسهو والاشتباه من سماع الحديث أو نقله أو فهمه. عقد البحث وضرورة المعرفة لإثبات الروايات الآحاد أو عدم ثبوتها. بالتالي: كما قلنا هناك منهج ومبنى النقد السندي والآخر منهج ومبنى النقد المتني.

 

ولا زال الكلام وما نحن فيه في المنهج الأول - نقد السند - ومدى صحته ومشرعيته وقته وضبطه.

 

فالنتيجة المتوخاة من النقد السندي هو لأجل قبول أو رد الرواية.

 

فإن اتصف رواتها بالوثاقة فهي محل قبول عندهم وإلا فلا. بعني غلبة الظن بصدور الرواية بتوسط الوثاقة وغلبة الظن بعدم صدورها بتوسط عدم الوثاقة. وهو كما ترى قطب البحث في نفس شخوص الرواة وأحوالهم. ولذا شيد علم الرجال لأجل هذه الغاية.

ولذا كان الاهتمام كبير بهذا العلم بناءا على إفادات من دعمه وشرع له وقعد له وأصل. فهذا سفيان الثوري يقول - الإسناد سلاح المؤمن - المدخل في أصول الحديث الحاكم النيسابوري - وقال يزيد بن زريع - لكل دين فرسان. وفرسان هذا الدين أصحاب الأسنايد - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي –

 

نعم: لأجل هذه المبالغات وغيرها عقد هذا البحث وفق ميزان وحكومة الكتاب والسنة. لمعرفة صوابية وحقيقة هذا المسلك بعرضه العريض.

 

اعتمد هذا المنهج بشكل واضح وكبير على مقولة الوثاقة ولذا سمي في العرف الإمامي الحوزوي - بمسلك الوثاقة - وحاصل هذا المسلك هو أن الحجة إنما هو الخبر الذي يرويه الثقة. أفاد الوثوق الفعلي بصدوره عن المعصوم أم لا.

 

يعني أن مدار مقبولية الحديث وبالتالي الصدور هو وثاقة الراوي - طبعا بشرط عدم الإرسال - ومدار رد الحديث وعدم مقبوليته هو عدم وثاقة الراوي. بالنتيجة الوثاقة وعدمها قطب واس منهج القبول وعدمه.

 

إذن حجية الرواية منوطة بوثاقة راويها وعدم حجيتها مرتبطة بعدم وثاقته. ومن هنا كان البحث عندهم حول الراوي حياته مسلكه نهجه ونحو ذلك. وتجميع القرآئن والمؤيدات على حسن ظاهر حاله أو عدم حسن ظاهره.

 

هذا المسلك - مسلك الوثاقة - والنقد السندي - لا وجود له في عصر النص الى عصر الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي. ودونك كلمات الشيخ الكليني المتوفى سنة (٣٢٩) هجرية. في مقدمة كتاب - الكافي - والشيخ الصدوق المتوفى سنة (٣٨١) هجرية. كما في مقدمة - الفقيه - والشيخ الطوسي المتوفى سنة (٤٦٠) هجرية. كما في مقدمة كتاب - العدة - وكتاب - الاستبصار) حيث نص فيه - وما ليس بمتواتر على ضربين. فضرب منه يوجب العلم أيضا. وهو كل خبر تقترن إليه قرينة توجب العلم. وما يجري هذا المجرى يجب أيضا العمل به –

 

ولهذا تجد تقسيمات المرويات أو الروايات عندهم - معتبر وغير معتبر - وهذا هو مسلك - الوثوق –

 

وهذه هي النظرية المسيطرة في العقلية الفقهية الإمامية الى القرن السادس والنصف الأول من القرن السابع. الى ظهور المحقق الحلي المتوفى سنة (٦٧٦) هجرية. الذي بدوره شيد مبنى - الوثاقة - و - المنهج السندي - الذي سيطر على الساحة العلمية الشيعية لقرون.

وأما كتب مشايخ الطائفة أمثال النجاشي والطوسي والكشي فلم تعقد لبحث أحوال الرواة وتوثيقاتهم وتضعيفاتهم بالأصل.

 

وقد أجاب المحقق البروجردي عن طبيعة هذه الكتب إذ قال - إن الكتب الموضوعة في هذا الباب - باب ذكر الرواة وبيان أحوالهم - لا تتجاوز عدة كتب. كرجال الشيخ وفهرسته ورجال الكشي وفهرست الشيخ النجاشي. وعدم التعرض فيها لراو لا يوجب عده الاعتناء بروايته. لأن كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملا على جميع الرواة. لأن الظاهر أنه كان بصورة المسودة وكان عرض الشيخ الرجوع إليه ثانيا لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال المذكورين فيه.

 

كما يشهد بذلك على اقتصار في بعض الرواة على ذكر اسمه مجرد واسم أبيه من دون تعرض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها .. إلى أن قال .. وأما رجال الكشي فالظاهر ان غرضه منه جمع أسماء الذين وردت في حقهم رواية أو روايات مدحا أو قدحا وغيرها وأما كتاب النجاشي فغرضه فيه إيراد المصنفين وممن برز منه تأليف وتصنيف. وهكذا فهرست الشيخ فعدم تعرضه لبعض الرواة باعتبار عدم كونهم مصنفا لا يدل على عدم كونه ثقة عنده - نهاية التقرير .. تقرير بحث السيد البروجردي للنكراني ج٣ -

أنا لا ارغب والتعرض للبحث التاريخي لهذا المبنى كثيرا مع أن جملة من بحث في هذا الموضوع. ولكن التعرض للموضوع التاريخي ضرورة لمعرفة تاريخ هذا المنهج والذي يكشف من خلاله عدم وجوده في عصر المعصوم (عليه السلام).

 

حاول أصحاب هذا المنهج التدليل عليه بمختلف الأدلة.

 

منها: استدلالهم بالسنة القولية: فقد دلت حسب ما ذكروا على الإرجاع الى كلي الثقة أما ابتداءا أو تعليلا للإرجاع الى أشخاص معينين على نحو يفهم منه الضابط الكلي لحجية خبر الثقة. من قبيل ما ذكرناه في الدرس السابق - لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنا ثقاتنا - والملاحظ على هذا الاستدلال ان عنوان - ثقاتنا - أخص من عنوان - الثقات - السيد علي حسن مطر الهاشمي في كتابه المعنون - إثبات صدور الحديث بين منهجي نقد السند ومنهج نقد المتن - احتمل بلفظ - لعله - يتناول - أي هذا النص - خصوص الأشخاص المعتمدين شخصيا للإمام والمؤتمنين من قبله.

أقول: أن النص توقيع والتوقيع يلحظ فيه القضايا الخارجية فالاحتمال لا يرد في المقام.

 

استدلالهم بالسنة التقريرية:

 

وهو عمدة الأدلة عندهم. وينقسم هذا الدليل والاحتجاج تارة بالسيرة المتشرعية وتارة بالسيرة العقلائية.

 

قال المحقق النائيني: ولا إشكال في قيام سيرة المسلمين على العمل بخبر الثقة واستمرارها الى زمان الأئمة (عليهم السلام). فتكون السيرة من جملة الأدلة الدالة على حجية خبر الثقة. وأما طريقة العقلاء: فهي عمدة الباب. بحيث لو فرض أنه كان سبيل الى المناقشة في بقية الأدلة فلا سبيل الى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على الاعتماد بخبر الثقة والاتكال عليه في محاوراتهم. بل على ذلك يدور رحى نظامهم .. الخ .. - فوائد الأصول - إفادات الميرزا النائيني للشيخ الماظمي الخرساني ج ٣ –

 

ولم يبتعد كثيرا صاحب الحلقات السيد باقر الصدر عما ذكره المحقق النائيني تقريبا نفس البيان كما في - الحلقة الثالثة –

 

إذ قال: - والتقرير الآخر لإثبات السنة هو السيرة وذلك بتقريبيين: الأول: الاستدلال بسيرة المتشرعة. الثاني: الاستدلال بسيرة العقلاء.

 

بالتالي لو كان الشارع لا يقر بهذه السيرة لردعهم حفاظا على غرضه - الحلقة الثالثة بتصريف –

 

ويمكن صياغة كلماتهم بما يلي:

 

صغرى: عمل المتشرعة المعاصرين للمعصومين (عليهم السلام). بخبر الواحد الثقة وان لم يفدهم العلم بالصدور.

 

كبرى: المعصوم لم يردعهم عن هذه السيرة مما يدل على إمضاءها وتقريرها.

 

إذن: خبر الثقة حجة في العمل.

 

وفيه: العقلاء فضلا عن المتشرعة في الأمور المهمة لا يركنون للظنون بل غايتهم العلم واليقين. ودونك عرض المتشرعة للمصنفات التي صنفها الثقاة على المعصوم لبيان رأيه فيها.

 

وقصة بني فضال أشهر من نار على علم في التاريخ والجو الشيعي آنذاك. هذا رد الصغرى.

 

وأما رد الكبرى: إرجاع المعصوم لمعرفة صحيح الحديث على موافقة الكتاب وعدم مخالفته كاف ببيان الردع.

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات