آخر الأخبار

قراءة المعصوم ..

 

 




علي الأصولي

 

 

الأصل في حقانية وصوابية القراءة القرآنية. هي قراءة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت(ع) ابتداءا من أمير المؤمنين(عليه السلام) مرورا بالسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وانتهاءا بالامام الحجة المهدي(عليه الصلاة والسلام).

 

ومبنى هذا الأصل: علاوة على ما ذكرناه سابقا. مبناه الصناعي الفلسفي والعرفاني. هو أن القرآن الكريم أسم لكلام الله الشخصي ذا مفهوم واحد على المصداق الواحد. على حد مضمون كلام الفقيه الهمداني في - مصباح الفقاهة - المجلد الثاني عشر –

 

وهذا المصداق نزل على النبي(صلى الله عليه وآله) بلا تعدد ولا اختلاف في صورته وشكله مادة وهيئة. بلحاظ كون القرآن الكريم نزل على حرف واحد لا على سبعة.

 

فدعوى السبعية ما هي إلا محاولة للتضليل على القراءة الأصلية للقرآن الكريم ومن ثم أبعاد أهله والإطاحة بهم تحت ذريعة تعدد القراءات والاجتهادات وضرورة احترام وجهات النظر والمجهودات التي وظفت بطريقة ماكرة للتشويش.

 

ومن هنا حاول المعصوم أن يجد فرصة ومناسبة لبيان قراءة القرآن اللفظي والكتبي بماهيته المشخصة. دون المطلقة. لأن الأمر بالإطلاق حجب للخير والكمال المفروض سلوكه والتدرج فيه.

 

ما وصل إلينا من قراءات فهي محض اجتهادات ولذا نبهنا عليها في جملة من المناسبات في مطاوي البحث مع كلمات جملة من فقهاء الإمامية - فأن من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم وما يستحسنوه بأنظارهم - على حد تعبير الفقيه الشيخ محمد حسن النجفي في كتابه - الجواهر - المجلد التاسع –

 

بالتالي: لا قيمة لأي دعوى يدعي صاحبها كون قرأته مستندة ومسندة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرفنا بأن الاختلافات القراءاتي حصل وحاصل عند نفس الأصحاب آنذاك كما سمعنا. والتعارض مسقط للحجية كما ثبت في محله من الأصول.

سئل الإمام علي الرضا (عليه السلام) عن التوحيد. فقال: كل من قرأ - قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد - قلت: كيف أقرأها؟

 

وكما تلاحظ سؤال واستفسار السائل عن كيفية القراءة. قراءة سورة - الإخلاص - وهذا تعرف عن وجود ثقافة تعدد القراءات. وانتشارها في الأصقاع والأمصار.

 

نعم: بما إننا لا نؤمن بطريقة ومبنى المحقق الخوئي في القبول.

 

قبول الأخبار والروايات فهذه الرواية وغيرها سهلة المؤونة بالاعتبار. وكذا الحال بالنسبة لرواية - أقرءا كما علمتم - كما في - الكافي ج٤ - التي قلنا عنها هناك. مصححة سندا.

 

لأن في الرواية سهل بن زياد المختلف فيه. بل وسفيان بن السنط الذي اعتبروه مجهولا كما في - معجم رجال الحديث - وغيره. وان حاول العلامة المامقاني ان يجعله حسنا بعد تقديم جملة من القرائن.

 

فهذا المنهج - منهج ومبنى السند وتصحيح الروايات على وفقه - ربما يتعثر في الاثباتات. ولكن لو كنا نحن ومبنى جمع القرائن - مطلق القرائن - نفيا وإثباتا - فالأمر سهل على كل حال. بالتالي: نحن لا نشتغل ونعتمد الفقه السندي اللفظي ولا نشتغل ونعتمد على تعتمد الفقه التسليمي المتني.

 

دلالة رواية - اقرؤوا كما كما علمتم -

احتمالاتها:

 

(١). علمتم منا.

 

(٢) علمتم من غيرنا.

 

فإن كان الاحتمال الأول فأين الآن قراءتهم (عليهم الصلاة والسلام)؟!

 

وإن كان الاحتمال الثاني. ثبت المطلوب وهو الإمضاء.

 

قرينة الاحتمال الثاني: رواية - أصول الكافي - باب فضل القرآن. مفادها: عن ابي الحسن (عليه السلام) قلت له: جعلت فداك انا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها. قال: اقرءوا كما تعلمتم.

 

إذن: النص الأول - أقروا كما علمتم - فسره النص الثاني - أقروا كما تعلمتم -

 

وضعف الرواية المفسرة هي الإرسال بالإضافة ووجود سهل بن زياد فيها - عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن - بعض أصحابه - بالتالي المباني المشهورة تعتبرها مرسلة وغير صالحة للحجية.

بالنتيجة المنهج والتشدد السندي يحاول الاطاحة بأقل خدشة ولهذا دخلوا في حيص بيص كما سمعنا بسند رواية - أقرأ كما يقرأ الناس - ومشكلة - سالم - وهل هو سالم ابي سلمه او ابن سلمه أو سالم بن ابي سلمه - وهذه مشكلة نسخ الكتب - الكافي - و - البصائر - و - الوسائل - لأن كل واحد منهم تختلف نتيجته عن الآخر فسالم ابي سلمه ثقة وسالم بن سلمة مجهول. وسالم ابن ابي سلمة ضعيف.

 

بالنتيجة - الكافي - ينقل عن سالم ابي سلمة. فمن كان مبناه سندي فيرفع اليد من الرواية ما لم يحرز وثاقة الراوي ومن يؤمن بجمع القرائن فالأمر سهل.

 

بالنتيجة: وجود قرآءة معصومية لا يعرفها الا من وفقه الله لها. في عرض قراءات الناس. التي لا هي متواترة كما يدعى لها ولا أجماعية. وغير مشمولة لحجية الخبر الواحد الثقة وهي بالتالي اجتهادية كما مال الى إجتهاديتها السيد الصدر في - ما وراء الفقه ج١ -

 

التجويد فرع القراءة ..

 

من العلوم المشهورة هو علم التجويد الذي اخذ حيزا واسعا من الاهتمام في الوسط الشيعي الأمامي تبعا لمدارس العامة. والكلام ليس في صرف جعل الكلام جيدا وإخراج الحروف من مخارجها. بل الكلام في المبالغة فيه على وجه مفزع. وهذا ما نبه اليه الفقيه السيد السبزواري عبد الأعلى - وهو من طلبة الميرزا النائيني والمحقق العراقي.

 

في ذيل مسألة - العروة الوثقى - في موضوعة القراءة كما في - مهذب الأحكام ج٦ - واصل المسألة للسيد اليزدي وصورتها هكذا - لا يجب أن يعرف - يعني المصلي - مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد بل يكفي إخراجها وإن لم يلتفت إليها - وهنا يقول المرحوم السيد السبزواري: أننا لا نجد في أخبار وآثار المعصومين أي إشارة الى علم التجويد مع أنه كان من المسائل الإبتلائية. بل كان بعض الأئمة يعيشون في وسط أعجمي كما هو حال الإمام الرضا مثلا.

 

تحدث الأئمة في كثير من القضايا في أدق المسائل في المستحبات. لكن هذا الموضوع مع أنه مسألة إبتلائية والناس يقرؤون القرآن في كل يوم وفي كل صلاة .. الخ ..

 

وهذا صريح رأي الفيض الكاشاني في مقدمة تفسيره. اذ قال بما مضمونه: إن علم التجويد نشأ عند مدرسة الخلفاء وذلك ان الحكام والسلاطين ارادوا صرف الناس عن علوم القرآن الحقيقية الموجودة عند أهل البيت (عليهم السلام) .. الخ ..

 

واعتبر الفقيه النجفي صاحب - الجواهر - إن منشأ الوسوسة - ويقصد علم التجويد - هو عدم معرفة نطق الضاد لغير العربي فمنشأ التجويد بعض جهال من يدعي المعرفة من بني فارس .. الخ ..

 

ولهذا ذكر المحدث الفقيه البحراني صاحب - الحدائق - وهو بصدد نقل حديث ينسب لأمير المؤمنين(ع) نصه: التجويد أداء الحروف وحفظ الوقوف - قال في - الحدائق الناظرة - الشيخ يوسف البحراني: فتشنا في الأخبار والروايات فلم نجده - اي حديث الإمام المنسوب له - ويظهر أنه من مفتعلات بعض العلماء من غير مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) لتعضيد موضوع علم التجويد.

نعم: يكفي بالقرآن الكريم ان يقرأ على الطريقة العربية وبألحان أهل العرب كما في رواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: أقروا القرآن بألحان أهل العرب وأصواتها .. الخ .. - الوسائل ج٤ - أبواب قراءة القرآن باب ٣٠ –

 

ولهذا نص السيد الشهيد الصدر في - ما وراء الفقه ج١ - بقول: لا إشكال من الناحية الفقهية من كفاية قراءة القرآن الكريم في الصلاة او غيرها بشكل مطابق للفصاحة في الجملة وللقواعد النحوية من جهة اخرى. بل أفتى المشهور أن الخطأ النحوي إذا لم يغير المعنى كان مجزيا، ولا يجب إعادته وإن كان الاحوط إستحبابا. لكن ينبغي ان يكون الفرد غير متعمد كما هو معنى الخطأ، وأما ان يتوخى الفرد أعلى أشكال الفصاحة في قراءته فلم يفت أحد بوجوبه، ونقصد بهذا الشكل تطبيق قواعد التجويد التي تجعل القراءة أفصح وألطف.

 

الى ان قال: ولكن الإنصاف أن تطبيقات قواعد التجويد قابلة للمبالغة أحيانا فيتورط الإنسان في السماجة في قراءته بدلا من ان بنال الجمال والكمال.

 

بل وجد من الفقهاء من يشكل في أساليب القلب والأبدال ونحوها المقترحة في علم التجويد. بل يجب أن تبقى الحروف على طبعها الأولى في النطق لتكون فصيحة.

 

ويؤيد ذلك: أننا نستطيع التأكيد أن القرآن لم ينزل على طريقة التجويد. بل نزل على اللفظ الاعتيادي فإن أراد الفرد ان يقرا القرآن على ما انزل فيجب أن يقرا بلفظه الاعتيادي - ما وراء الفقه ج١ -

التكثير من القراءات خلط للأوراق ..

 

مشروعان كبيران على الأرض أحدهما مرتبط بالله مباشرة وبإشراف إنبيائي ورسلي واوصيائي، والآخر مرتبط بأبليس وشياطين الجن والإنس من الطواغيت والفراعنة والجبابرة ومن إنخرط بصفوفهم من كهنة وأحبار وفقهاء وغيرهم.

 

أحد أدوات المشروع المناهض لخط الله والمعصوم هو مشروع تعدد وتكثير القراءات باختلافها وتناقضاتها وإعطاءها صبغة الإجتهاد - طبعا في قبال النص - والبحث العلمي - الذي لا يعرف له سقف ومرجعية موضوعية - بالتالي إعطاء الكل صبغة إبراء الذمة والحقانية والصوابية. أما بدعوى الإجتهاد - اللغوي - او الاجتهاد - الاصطلاحي - الذي يكون في قبال النص - او بدعوى الهرمنيوطيقيا. وعليه لزوم تعدد القراءات والحقيقة ليست في اليد ومن هذه الدعاوى والإدعاءات العريضة التي انساق إليها حتى جملة من المشتغلين بالبحث الخارج في المدرسة الإمامية القمية. ولازم هذه القراءات المتكثرة الصحة حسب مبانيهم. ولا يمكن تخطئة اي قراءة على هذا الفرض والمبنى.

 

ولعل قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن اذ قال بما مضمونه: أن القرآن يدل على الاختلاف فالقول بالقدر صحيح وله أصل في الكتاب، والقول بالإجبار صحيح وله أصل في الكتاب. ومن سمي الزاني مؤمنا فقد أصاب ومن سماه كافرا فقد أصاب ومن سماه فاسقا فقد أصاب، لأن القرآن دال على كل ذلك، ولو قال قائل: إن القائل في النار كان مصيبا ولو قال: هو في الجنة كان مصيبا، ولو وقف فيه راجيا أمره كان مصيبا.

 

وكان هذا القاضي يقول في قتال طلحة والزبير لعلي: إن ذلك كله طاعة لله. - تاؤيل مختلف القرآن - عبد الله بن مسلم بن قتيبة -

إذن: هذا هو منطق تعدد وتصويب القراءات وهو منطق كما ترى قديم وكما نعبر عنه في العصر الحاضر - الهرمنيوطيقيا وهو لا يختلف كثيرا هذا المنطق الهرمنيوطيقي مع المنطق الصوفي ووحدة الوجود.

 

نعم: هذا ما اشتغل عليه الخصوم من جعل قراءتهم. في قبال وفي رتبة وفي عرض قراءة المعصوم (عليه الصلاة والسلام) وتلبيس الباطل ثوب الحق وضياع الحابل بالنابل ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

 

إرسال تعليق

0 تعليقات