يمنيون يحملون صورة عبد الناصر مارس 1967
كشفت وثائق سرية أن بريطانيا استغلت شعبية وتأثير جماعة الإخوان
المسلمين لشن حروب نفسية ودعائية سرية على أعدائها، من أمثال، الزعيم المصري
الراحل جمال عبد الناصر، خلال العقد السابع من القرن الماضي.
وحسب الوثائق، فقد روجت بريطانيا منشورات تحمل اسم الجماعة تهاجم
فيها بقسوة سلوك الجيش المصري خلال وجوده في اليمن، الذي كان ساحة للصراع بين نظام
عبد الناصر الجمهوري الجديد من جانب، والسعودية وبريطانيا الاستعمارية من جانب آخر.
وقد اطلعتُ على الوثائق، التي صُنف بعضها على أنه "بالغ
السرية"، بعد استجابة الخارجية البريطانية، لطلب الإفراج عنها وفق قانون حرية
المعلومات.
"حياة كالجحيم"
ومن الثابت تاريخيا أن رئيس الوزراء البريطاني دوغلاس هوم أمر في
يوليو/تموز 1964 وزير خارجيته راب باتلر بالانتقام من عبد الناصر، بعد أزمة السويس
وتدخل مصر العسكري في اليمن بما يهدد مصالح بريطانيا النفطية بشكل خاص، عن طريق
"جعل الحياة جحيما بالنسبة له.. باستخدام بالمال والسلاح".
وطُلب من الوزير العمل على أن يكون التحرك سريا وأن " يُنكر
ذلك إن أمكن"، في حالة انكشافه.
السادات: الاغتيال في حادث المنصة حال دون وقوع حدث غير مسبوق في
تاريخ مصر الحديث، وثائق سرية بريطانية
وبعدها تشكلت لجنة عمل سرية بمشاركة مختلف الأجهزة والوزارات
المعنية لإدارة السياسة البريطانية تجاه اليمن.
وكان نظام عبد الناصر قد أرسل عشرات الآلاف من قوات الجيش المصري
إلى اليمن بداية من شهر سبتمبر/آيلول عام 1962، تلبية لطلب الدعم من عبد الله
السلال، الذي قاد انقلابا عسكريا على نظام الإمامة (الملكي) المُؤيَد من السعودية
وبريطانيا.
وفي الفترة بين عامي 1962 و1965 شاركت بريطانيا في عمليات سرية
دعما للقوات الملكية في مواجهة الجمهوريين اليمنيين الذين استولوا على السلطة في
صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 1962.
ورفضت بريطانيا الاعتراف بالنظام الجمهوري وقدمت مساعدات عسكرية
للإمام البدر في مواجهة الجمهوريين المدعومين من الجيش والنظام المصريين. واستمر
الصراع السياسي والعسكري والإعلامي بين مصر وبريطانيا في اليمن طوال عقد السبعينات.
جاءت مشاركة الجيش المصري (بين عام 1962 و1967) في حرب اليمن في
سياق الصراع بين مصر والسعودية التي كان عبد الناصر يؤمن بأنها ضد ثورة عام 1952،
التي قادها الجيش وأيدها الشعب في مصر، وتسعى لتدمير الوحدة بين مصر وسوريا.
وحين أرسل عبد الناصر القوات المصرية إلى اليمن، قيل حينها إن
إقامة نظام جمهوري في اليمن مسألة إستراتيجية لمصر التي كانت حريصة على السيطرة
على البحر الأحمر.
وبعد انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن وإعلان جمهورية اليمن
الديمقراطية الشعبية، وفي أوائل عام 1968، انتصر الجمهوريون على الملكيين وتمكنوا
من كسر حصار صنعاء.
وخلال الشهور الأخيرة من وجودها في اليمن، تردد أن القوات المصرية
استخدمت الغازات السامة، ما أدى لقتل عدد كبير من اليمنيين.
ونفت مصر هذا الاتهام. وقالت إنه جزء من "حملة نفسية بريطانية
أمريكية" عليها.
وفي شهر فبراير/شباط عام1967، أعلنت القاهرة ترحيبها بتحقيق أممي.
غير أنه في الأول من الشهر التالي قالت الأمم المتحدة إنها "غير قادرة"
على التعامل مع هذه القضية.
وانتهزت بريطانيا الفرصة. واستغلت اسم وتأثير الإخوان المسلمين، في
إطار حربها السرية، لتأليب المسلمين، في مختلف الدول، على عبد الناصر ونظامه.
وجاءت تلك الحرب السرية في عقد شهد صراعا مريرا بين نظام عبد
الناصر وجماعة الإخوان المسلمين.
ففي شهر أغسطس/آب عام 1965، اتهم النظام الإخوان بتدبير مؤامرة للانقلاب
عليه، ثم اعتقل الآلاف، وقتل عشرات منهم أثناء الاعتقال. وبعد عام، أُعدم عدد من
الإخوان بينهم سيد قطب، أحد أبرز منظري الجماعة.
في هذا السياق، كانت الأجواء مواتية لتمرير المنشورات البريطانية
المزورة على أنها فعلا صادرة عن الإخوان.
وقال أحد المنشورات، نقلا عن الإخوان، إن القوات المصرية في اليمن
ليست مسلمة لأنها تقتل المسلمين بالغاز.
وتساءل "من يستطيع أن يقاوم الصعقة عندما يصف شاهدو العيان
العرب كيف قُتل مائة وعشرون من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة بعد أن أمر
القواد المصريون الأشرار طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي
صنعها الشيوعيون السوفييت الملحدون بإلقاء خمس وعشرين قنبلة غاز، التي هي كذلك من
صنع الشيوعيين، على قرية كتاف الواقعة شمال شرقي صنعاء؟
وروج المنشور، الذي أٌصْدِر باسم "جمعية الإخوان المسلمين
الدولية"، للانتقادات والحجج داخل مصر وخارجها ضد التدخل العسكري المصري في
اليمن، والذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب عام 1967 أمام إسرائيل.
وقال إنه "إذا كان لابد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب،
فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟".
ولوحظ أن المنشور كُتب، أولا، بلغة عربية عالية المستوى، ثم تُرجم
إلى الانجليزية لأصحاب القرار المسؤولين عن الحرب السرية قبل الموافقة على توزيعه.
وأضاف المنشور أن "القنابل التي ألقيت على اليمن خلال الحرب
التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لأربع سنوات، كانت تكفي لتدمير إسرائيل
تدميرا تاما".
وكان لجوء عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية للتسلح
قد أثار غضب البريطانيين.
وركز المنشور على أن الجيش المصري "استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين
في قتل اليمنيين المسلمين". ووصف المصريين بأنهم "كفرة وأبشع من
النازيين".
وقال "أيها الإخوان المؤمنون إن هذه الجرائم الفظيعة المخيفة
التي تقشعر لها الأبدان واستعمال هذا السلاح البغيض المحرم استعماله دوليا في
الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب
العالمية الثانية...هذه الجرائم لم يرتكبها الملحدون أو الاستعماريون أو اليهود
الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون الذين من المفروض أنهم مؤمنون".
وقد استخدم فريق الحرب الدعائية البريطاني مفردات مشابهة لتلك التي
استخدمها الإخوان المسلمون كي يبدو المنشور وكأنه بالفعل صادر عن الجماعة.
وقال "إن الحرب لها مايبررها إذا كان العدو غير مؤمن أو من
عبدة الأوثان... لكن أبناء اليمن إخواننا في الدين الحنيف . وحيث أنه لا يوجد أي
مبرر لقتل إخواننا، فإن الجريمة بكل تأكيد تصبح أبشع وأفظع إذا هم قُتلوا بأقذر
وأحقر سلاح دون ريب، ألا وهو الغاز السام".
ووصف المصريين بأنهم "مستعمرون يتمادون في ارتكاب جرائم مروعة
دون عقاب؟".
وطالب المنشور المسلمين بأن "يدينوا المصريين الكفرة ويرفضوا
التعاون معهم في جميع الأمور لكي تظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المستعبد في مصيبته
الكبرى".
وتكشف الوثائق أن فكرة إصدار منشورات توهم قراءها بأنها صادرة عن
الإخوان جاءت بعد زيارة مسؤول بالخارجية البريطانية إلى واشنطن.
وفي أحد الوثائق، يقول المسؤول، بعد عودته، "تشاورت مع الآنسة
ستيفنسون ووافقت على أنه من المرجح والطبيعي أن مثل هذا التنظيم (تقصد الإخوان)
يرسل هذا المنشور".
وكانت أجهزة الحرب السرية البريطانية تنشر المنشورات من نقاط توزيع
مختلفة شملت دولا عربية ومسلمة وغير مسلمة في أفريقيا وآسيا.
وأرسلت المنشورات إلى صحفيين وكتاب ومراكز بحثية وتعليمية ومنظمات
دينية مسلمة وجمعيات أهلية ومؤسسات حكومية ووزراء في هذه الدول.
وثائق سرية بريطانية: لولا الاغتيال لتخلى السادات بإرادته عن
رئاسة مصر.
عن الصورة: يمنيون يتظاهرون ضد بريطانيا في عدن، التي كانت محمية
بريطانية، حاملين صور عبد الناصر في شهر مارس/آذار عام 1967.
المصدر : BBC NEWS
0 تعليقات