آخر الأخبار

التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين

 

 




 

التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين تأليف الكاتب الصحفي والمؤرخ البريطاني مارك كورتيس، صدر باللغة الإنجليزية عام 2010م.

 

وأنقل عنه جزئية أصولية الأخوان المسلمين كفكرة عامة ملخصة بعد إيجاز فكرة الكتاب العامة ..

 

يقول كاتب الكتاب إنه يستند إلى الوثائق الرسمية البريطانية التي رفعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات.

 

والتي يرى الكاتب أنها "تفضح" تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين والإرهابيين، دولاً وجماعات وأفراداً، في أفغانستان وإيران والعراق والسعودية وليبيا وسوريا ومصر والبلقان وبلدان رابطة الدول المستقلة حديثاً، وحتى في نيجيريا التي تآمرت بريطانيا على خلافة صكتو فيها في أوائل القرن العشرين؛

 

وذلك لتحقيق مصالحها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية. ويوضح المؤلف كم كانت بريطانيا ماهرة وماكرة في التلاعب بكل الأطراف،

 

وأن أكثر من استغلتهم ثم نبذتهم عندما لم يعد لهم جدوى وانتفى الغرض منهم، هم «المتأسلمون» كما يصفهم الكاتب، بدءاً من الإخوان المسلمين، السعودية، بن لادن، والشيعة الأفغانية، الفرق الإندونيسية.

 

ويعرض الكتاب أن المصلحة الخاصة كانت من الأساس في سياسة بريطانيا الخارجية، وأن المبادئ والقيم ليس لها مكان فيها، وأنها استندت في ذلك إلى سياسة "فَرِّق تَسُد"،

 

وتقلبت في التعامل مع كل الأطراف المتضاربة، فبعد أن مولت طالبان وسلحتها انقلبت عليها، وساندت حيدر علييف الشيوعي السابق، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي ومن رؤساء الـ"كي جي بي" والذي أباد خصومة بوحشية، ضد معارضيه،

 

وبعد أن تآمرت مع الولايات المتحدة لإعادة الشاه لعرشه في 1953م بتدبير انقلاب على القائد الوطني محمد مصدق، وكان وزراؤها صادقين في اعترافهم بأن هذه هي سياسة بلادهم عندما قال أحدهم: إن هذا عمل لا يتسم بالشرف لكنها حسابات المصالح،

وبعد عداء مرير لعدم الانحياز قالت مارجريت تاتشر وهي سياسية بريطانية، وهي المرأة الوحيدة التي شغلت منصب رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا العظمى: إن أفغانستان بلد من بلدان حركة عدم الانحياز العظيمة!

 

وبعد إدانتها للمتمردين عادت لتقول: إن كلمة المتمردين خاطئة، وإنهم مقاتلون في سبيل التحرير، وبعد رفض الإسلام، رجعت لتقول إنه بديل جيد للماركسية، وإن الحكم الديني الإسلامي مَصدٌّ للسوفيت.

 

ويعرض الكتاب دور بريطانيا القيادي والباقي في التآمر مع من يصفهم الكاتب "بالمتأسلمين"، ثم تحولها إلى "جزمة" – كما يقول – في رجل الأمريكيين، تقوم بالأعمال القذرة التي يأنف الآخرون القيام بها .

 

ويضرب الكتاب أمثلة للرياء البريطاني، أشهرها "إسراف" السيدة تاتشر في التزلف للسعودية التي أصبحت بريطانيا معتمدة عليها اقتصادياً، وإفراطها في الحديث عن "عظمة الملك فهد وحكمته"،

وبعد نظر الحكومة السعودية في مناسبات كثيرة، وكذلك حديثها عن "بعد نظر وروعة" محمد ضياء الحق رئيس باكستان، والمحرك الأول بجانب السعودية، لما يصفه الكاتب بالإرهاب العالمي، كذلك حديثها عن بعد نظر الشاه وخبرته التي لا تبارى.

 

وعلى ذلك، ففي جنازته في القاهرة أرسلت أمريكا ريتشارد نيكسون للمشاركة، وأرسلت فرنسا سفيراً واكتفت بريطانيا بموظف في السفارة"]

 

وعن التعاون بين بريطانيا والإخوان

 

في الوقت نفسه الذي كانت فيه بريطانيا ترعى كاشاني في إيران، كانت أيضًا تتواطأ مع أقوى قوة إسلامية متطرفة في مصر، الإخوان المسلمين، ثانية لزعزعة استقرار ضم عدو قومي والإطاحة به.

 

فقد كانت مصر هي مرتكز وضع بريطانيا في الشرق الأوسط، بقاعدتها العسكرية في منطقة قناة السويس وهي الأكبر في العالم، وبموجب أحكام المعاهدة الأنجلو مصرية التي أبرمت في 1936م كان قد سمح لبريطانيا بالاستمرار في استخدام القاعدة لمدة عشرين عاماً.

 

لكن الهيمنة البريطانية على البلاد طفقت تتحداها حركة متنامية والإخوان المسلمون، ففي حين كان حليف لندن الرئيسي في البلاد هو حاكمها، الملك فاروق.

 

وقد قام المسئولون البريطانيون الذين كانوا يعملون مع القصر في مصر، بأول اتصالاتهم المباشرة مع الإخوان المسلمين في مصر 1941م. وقدموا الأموال للمنظمة.

 

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان تنظيم الإخوان المسلمين واحداً من الحزبين السياسيين اللذين يتمتعان بقاعدة جماهيرية في مصر، إلى جانب حزب الوفد الذي يضم الوطنيين المعتدلين،

 

واستمر الملك فاروق يرى أن الإخوان مفيدون كحصن ضد الأفكار الاقتصادية والاجتماعية الراديكالية.

 

والمعروف أن الإخوان المسلمين نقلوا معلومات للحكومة للمساعدة في مطاردتها المستمرة للشيوعيين الحقيقيين والمشتبه بهم، خاصة في النقابات والجامعات.

 

بيد أنه كان هناك على الدوام تعايش مقلقل في خضم المعارضة المتزايدة للوجود البريطاني وتيار من العنف صدم مصر بعد 1945م.

 

وسرعان ما تصاعدت المواجهة بين الإخوان – النزاعين لطرد "المحتل" الأجنبي والسعي لإقامة دولة إسلامية في نهاية المطاف - وبين البريطانيين والقصر.

 

وشاعت في منطقة قناة السويس، الهجمات بالقنابل على القوات البريطانية، وادعت السلطات بانتظام أنها كانت تكتشف مخابئ أسلحة لدى الإخوان.

 

كذلك حاول الإخوان القيام باغتيالات شتى بين 1945م و1948م، وكان رئيسان للوزارة، ورئيس للشرطة ووزيران من بين من ماتوا على أيديهم.

 

وفي ديسمبر 1948م، عقب ادعاء السلطات اكتشاف مخابئ أسلحة سرية لدى الإخوان ومؤامرة للإطاحة بالنظام، تم حل التنظيم، وهو قرار من الواضح أن البريطانيين طالبوا الحكومة المصرية بأن تتخذه للقضاء على نشاطهم المعادي للبريطانيين.

 

وبعد ثلاثة أسابيع، تم اغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي الذي أصدر أمر الحل على أيدي عضو من "الجهاز السري" للإخوان المسلمين، وهو الوحدة شبه العسكرية الإرهابية لديهم التي قامت بهجمات بالقنابل على البريطانيين في منطقة القناة.

 

وبحلول شهر يناير 1949م، كانت تقارير السفارة البريطانية في القاهرة تقول: إن الملك فاروق "سوف يسحق" الإخوان، بحملة ملاحقة كاسحة جديدة واعتقال ما يربو من 100 عضو. وفي الشهر التالي، تم اغتيال حسن البنا مؤسس الإخوان نفسه.

 

ورغم أنه لم يتم التوصل للقاتل مطلقاً، فقد ساد الاعتقاد بأن الاغتيال قام به أعضاء البوليس السياسي، وأن القصر تستر عليه أو خطط له. وكان هناك تقرير لا لبس فيه لهيئات المخابرات الخارجية البريطانية يذكر:

 

لقد دبرت الحكومة الاغتيال بموافقة القصر.. فقد تقرر أنه ينبغي إزاحة حسن البنا من مسرح نشاطاته بهذه الطريقة؛ حيث إنه ما دام بقي حراً، فالأرجح أن يسبب إزعاجاً للحكومة، في حين أن اعتقاله سيؤدي يقيناً إلى مزيد من الاضطرابات مع أنصاره، الذين لا ريب في أنهم يعتبرونه شهيداً لقضيتهم.

 

بيد أن حجج النفي كانت قد أعدت فعلاً. فبعد ثلاثة أيام من الاغتيال، سجل السفير البريطاني، السير دونالد كامبل بعد لقاء بالملك فاروق "قلت له إنني أعتقد أن الاغتيال ربما قام به أحد أتباع حسن البنا المتطرفين، خوفاً منه، أو أنه اشتباهاً في أنه سيتخلى عن القضية".

 

واخترع الملك فاروق بدوره هو أيضاً رواية تلقي المسئولية على "السعديين" (وهم مجموعة منقسمة على حزب الوفد، سميت باسم سعد زغلول، زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق). وكان الدبلوماسي الأقدم في السفارة البريطانية مصر بتستر على قتلة البنا لتغطيتهم.

 

وفي أكتوبر 1951م، انتخب الإخوان قائدهم الجديد، وهو القاضي السابق حسن الهضيبي، وهو شخصية لم ترتبط علناً بالإرهاب، واشتهر بمعارضته لعنف 45-1949م. بيد أن الهضيبي عجز عن أن يؤكد سيطرة القوى المتصارعة أحياناً في التنظيم.

 

وجدد الإخوان دعوتهم للجهاد ضد البريطانيين، داعين لشن هجمات على البريطانيين وممتلكاتهم، ونظموا مظاهرات ضد الاحتلال وحاولوا دفع الحكومة المصرية إلى إعلان حالة الحرب مع بريطانيا.

 

وذكر تقرير للسفارة البريطانية من القاهرة في أواخر 1951م أن الإخوان "يملكون تنظيماً إرهابياً منذ عهد بعيد لم تقض عليه مطلقاً إجراءات الشرطة"، رغم الاعتقالات الأخيرة.

 

بيد أن التقرير من جانب آخر قلل من شأن نوايا الإخوان تجاه البريطانيين، ذاكراً أنهم "يخططون لإرسال إرهابيين لمنطقة القناة" لكنهم "لا يعتزمون جعل تنظيمهم يتصادم مع قوات صاحبة الجلالة".

 

ونبه تقرير آخر إلى أنه على الرغم من الإخوان المسلمين كانوا مسئولين عن بعض الهجمات على البريطانيين، فربما كان هذا يرجع إلى "عدم الانضباط، ويبدو أنه يتعارض مع سياسة قادتهم"

وفي الوقت نفسه، في ديسمبر 1951م، تُبين الملفات البريطانية التي رفعت عنها السرية أن المسئولين البريطانيين كانوا يحاولون ترتيب لقاء مباشر مع الهضيبي.

 

وقد عقدت عدة اجتماعات مع أحد مستشاريه، فرخاني بيه وهو شخص لا يعرف عنه الكثير، رغم أنه من الواضح أنه لم يكن هو نفسه عضواً في الإخوان.

 

وتدل البيانات المستمدة من الملفات على أن قادة الإخوان كانوا مستعدين تماماً للقاء مع البريطانيين سراً، رغم دعوتهم العلنية لشن هجمات عليهم.

 

وبحلول ذلك الوقت، كانت الحكومة المصرية تعرض على الهضيبي "رشاوى ضخمة" لمنع الإخوان من ارتكاب مزيد من أعمال العنف ضد النظام حسبما أوردت وزارة الخارجية.

 

وعندئذ، قامت مجموعة من ضباط الجيش الوطنيين الذين عقدوا العزم على الإطاحة بالملكية المصرية ومستشاريها البريطانيين، بالاستيلاء على السلطة في يوليو 1952م، وأعلنوا أنفسهم مجلساً لقيادة الثورة واختاروا اللواء محمد نجيب رئيساً له والعقيد جمال عبد الناصر نائباً للرئيس.

 

وخلع ما يسمى "الضباط الأحرار" فاروق الموالي للبريطانيين، ونحوا جانباً الحرس القديم واعدين بسياسة خارجية مستقلة وإجراء تغيير داخلي واسع النطاق، خاصة القيام بإصلاح زراعي.

 

وأدى نزاع نشب بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر تدريجيًّا إلى عزل نجيب في أواخر 1954م وتولى عبد الناصر السلطة كاملة.

 

وفي البداية ساند الإخوان الانقلاب، فقد أسعدتهم رؤية فاروق وهو يرحل، والواقع أنهم كانت لهم بعض الصلات المباشرة بالضباط الأحرار، ومن بينهم أنور السادات الذي وصف دوره فيما بعد بأنه كان وسيطاً فيما قبل الانقلاب بين الضباط الأحرار وحسن البنا.

 

وقد كتب السير ريتشارد بومونت السفير البريطاني في القاهرة، وبعد أن خلف السادات عبد الناصر رئيساً في 1970م، يقول: "من الواضح أنه كان واحداً من الضباط الأحرار، يتم الاعتماد على صلته بهم للمساعدة في تدعيم أهدافهم السياسية."

 

ومنح الإخوان قادة الثورة تأييداً محلياً مهماً، وتم الحفاظ على العلاقات الطيبة باقي عام 1952م، وطوال العام التالي في معظمه.

 

وفي أوائل 1953م، اجتمع مسئولون بريطانيون مباشرة بالهضيبي، ظاهرياً لمعرفة موقف الإخوان تجاه المفاوضات الوشيكة بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة بشأن جلاء القوات البريطانية من مصر،

 

وكانت اتفاقية العشرين عاماً الموقعة في 1936م توشك أن تنتهي بعد فترة وجيزة كما هو مقرر.

 

وحيث إن بعض الملفات البريطانية لا تزال قيد الرقابة، فليس من المعروف على وجه الدقة ما الذي حدث في هذه الاجتماعات، لكن ريتشارد ميتشل، المحلل الغربي الرئيسي لشئون الإخوان المسلمين المصريين وثق فيما بعد ما قاله عنها مختلف الأطراف - الحكومتان البريطانية والمصرية والإخوان المسلمون.

 

ويخلص ميتشل إلى أن دخول الإخوان في هذه المفاوضات تم بطلب من البريطانيين وأثار صعوبات بالنسبة لمفاوضي الحكومة المصرية، موفراً "للجانب البريطاني أداة للتأثير".

 

والواقع أن البريطانيين في سعيهم لاستطلاع وجهات نظر الإخوان المسلمين، كانوا يلمون بوزنهم في شئون الأمة، وكان الهضيبي في موافقته على إجراء المحادثات، يدعم هذه الفكرة وبذا يضعف موقف الحكومة.

 

وأدانت حكومة عبد الناصر هذه الاجتماعات بين البريطانيين والإخوان باعتبارها "مفاوضات سرية من وراء ظهر الثورة" واتهمت المسئولين البريطانيين صراحة بأنهم يتآمرون مع الإخوان، كما اتهمت الهضيبي بأنه قبل شروطاً معينة للجلاء البريطاني من مصر تغل أيدي مفاوضي الحكومة.

 

ويبدو من المعلومات المحدودة المتوافرة، أن الإستراتيجية البريطانية هي إستراتيجية "فرق تسد" التقليدية، والتي تهدف لاكتساب "وسيلة للتأثير على النظام الجديد في سعيه لتحقيق مصالحه".

 

واستغلال البريطانيين للإخوان المسلمين لم يكن يمكن إلا أن يفاقم التوترات بين نظام الإخوان ويقوي مركز الأخيرين.

 

وتبين مذكرات داخلية بريطانية أن مسئولين بريطانيين أخبروا عبد الناصر عن بعض اجتماعاتهم مع الهضيبي وغيره من أعضاء جماعة الإخوان، وطمأنوه بالطبع بأن لندن لا تفعل شيئًا في الخفاء.

 

بيد أن حقيقة إجراء المفاوضات نفسها زرعت بلا ريب الشك في عقل عبد الناصر بشأن جدارة الإخوان بالثقة.

 

وفي ذلك الوقت، كان المسئولون البريطانيون يعتقدون أن الإخوان وجماعتهم شبه العسكرية كانا رهن إشارة السلطات العسكرية، وأن الإخوان كانوا يريدون أن يدفع النظام نوعاً من الثمن السخي لتأييدهم له، مثل تطبيق "دستور إسلامي".

 

كما تحتوي الملفات على مذكرة عن اجتماع عقد بين المسئولين البريطانيين والإخوان في 7 فبراير 1953م، أخبر فيه شخص اسمه أبو رقيق المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، تريفور إيفانز، أنه "إذا بحثت مصر في كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا".

 

وفسرت السفارة البريطانية في القاهرة هذا التعليق بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا، حتى وإن لم تتعاون مع الغرب (اذ كانوا عديمي الثقة في النفوذ الأمريكي).

 

ويرد في ملاحظة مكتوبة بخط اليد في هذا الجزء من مذكرة السفارة: "إن هذا الاستنتاج له ما يبرره على ما يبدو وهو يدعو للدهشة". كما تلاحظ المذكرة أن الاستعداد للتعاون "ربما ينبع من تزايد نفوذ الطبقة الوسطى في الإخوان، مقارنة بالقيادة الشعبية في الأساس للحركة في أيام حسن البنا".

 

وأصبح الاستعداد الجلي للتعاون بين البريطانيين والإخوان أكثر أهمية بحلول نهاية 1953م، ففي ذلك الوقت كان نظام عبد الناصر يتهم الإخوان بمقاومة الإصلاح الزراعي وتدمير الجيش من خلال "جهازهم السري".

 

وفي يناير 1954م، تصادم أنصار الحكومة والإخوان في جامعة القاهرة، وأصيب عشرات الأشخاص وجرى إحراق سيارة جيب تابعة للجيش، ودفع هذا عبد الناصر إلى حل التنظيم.

 

وكان من بين القائمة الطويلة من الاتهامات الموجهة للإخوان في مرسوم الحل، الاجتماعات التي عقدها الإخوان مع البريطانيين، التي رفعها النظام فيما بعد إلى مستوى "معاهدة سرية".

 

وفي أكتوبر 1954م، وهو الوقت الذي كان الإخوان يسعون فيه إلى إثارة انتفاضة شعبية، حاول "الجهاز السري" اغتيال عبد الناصر وهو يخطب في الإسكندرية.

 

وعقب ذلك جرى اعتقال مئات من الإخوان، في حين ذهب الذين هربوا إلى منفى في الخارج. وفي ديسمبر، تم شنق ستة من الإخوان. وتم سحق التنظيم بصورة فعالة.

 

وكان سيد قطب من بين من اعتقلوا وعذبوا بوحشية، وكان عضواً في مجلس الإرشاد، وحكم عليه بالسجن خمسة وعشرين عاماً أشغالاً شاقة، وقد أصبح بحلول الستينيات من المنظرين الأساسيين للتطرف الإسلامي بكتاباته في سجن عبد الناصر.

 

وبعد فشل محاولة اغتيال عبد الناصر، بعث إليه ونستون تشرشل رئيس الوزراء رسالة شخصية يقول فيها: "أهنئك بنجاتك من الهجوم الخسيس الذي وقع على حياتك في الإسكندرية مساء أمس."

 

بيد أنه سرعان ما بدأ البريطانيون يتآمرون مرة ثانية مع الاخوان أنفسهم لتحقيق الغايات نفسها.

 

وخلال سنوات ثلاث من النظام الجديد، شملت إصلاحات عبد الناصر الداخلية إعادة توزيع الأراضي لصالح فقراء الريف، واتخاذ خطوات نحو تعزيز الإصلاح الدستوري للحكم ليحل محل الحكم المطلق.

 

وفي يوليو 1955م، لاحظ السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني في القاهرة الذي كان قد تقرر رحيله، أن النظام كان "جيداً بقدر ما كانت أي حكومة مصرية سابقة منذ 1922م، وهو أفضل من أي نظام في إحدى النواحي، ألا وهو محاولته أن يفعل شيئاً لشعب مصر، بدلاً من مجرد الحديث عنه".

 

وحاج ستيفستون هارولد ماكميلان وزير الخارجية في حكومة أنطوني إيدن "بأنهم قادة مصر يستحقون، في رأيي، كل مساعدة تستطيع بريطانيا العظمى أن تقدمها لهم على الوجه الصحيح." وبعد كتابه هذه المذكرة بتسعة شهور، قرر البريطانيون إزاحة عبد الناصر.

 

كان البريطانيون والأمريكيون قد أصبحوا منخرطين حينذاك في تشكيلة متنوعة من المؤامرات للانقلاب ضد سوريا والسعودية، كذلك مصر، باعتبارها جزءاً من عملية إعادة تنظيم أكبر مخططة للشرق الأوسط لدحر "فيروس القومية العربية".

 

وحسبما جاء في مذكرة بالغة السرية لوزارة الخارجية، فإن أيزنهاور رئيس الولايات المتحدة وصف للبريطانيين "الحاجة إلى خطط ميكافيلية رفيعة المستوى للتوصل لوضع الشرق الأوسط موات لمصالحنا" يمكنه أن "يقسم العرب ويهزم أهداف أعدائنا."

 

وفي مارس 1956م، عزل حسين ملك الأردن الجنرال البريطاني جون جلوب قائد الفيلق العربي، وهي خطوة حمل إيدن وبعض المسئولين البريطانيين مسئوليتها لنفوذ عبد الناصر.

 

وعندئذ كانت الحكومة البريطانية قد خلصت إلى أنها لم تعد تستطيع العمل مع عبد الناصر، وأن تخطيطاً بريطانيا وأمريكياً جاداً للإطاحة بنظامه قد بدأ، وأخبر إيدن وزير خارجيته الجديد، أنطوني ناتنج أنه يريد "اغتيال" عبد الناصر.

 

وكان هذا قبل اتخاذ الأخير لقراره بتأميم قناة السويس في يوليو 1956م، وهو عمل "كان من المحتم أن يؤدي إلى خسارة مصالحنا ومصادر قوتنا الواحدة تلو الأخرى في الشرق الأوسط"، كما شرح إيدن في مذكراته، خائفاً من تأثير التداعي الذي سيترتب على الإجراء الذي اتخذته مصر.

 

وقد شرح الموقف إيفون كيرباتريك الوكيل الدائم لوزارة الخارجية، قائلاً: "إذا سمحنا لعبد الناصر أن يفلت بضربته في قناة السويس، فإن العاقبة ستتمثل في القضاء على الملكية في السعودية"؛ وذلك لخوفه من أن تستلهم القوى الوطنية تحدي عبد الناصر الناجح للغرب في مصر.

 

ويقول الكاتب: لا يزال الكثير من القوات البريطانية الخاصة "بأزمة قناة السويس" قيد الرقابة، لكن بعض المعلومات تسربت على مر السنين حول مختلف المحاولات البريطانية للإطاحة بعبد الناصر أو اغتياله. وانطوت واحدة على الأقل من هذه الخطط على التآمر مع الإخوان المسلمين.

 

ويلاحظ ستيفن دوريل أن نيل "بيل" ماكلين المسئول التنفيذي السابق عن العمليات الخاصة وعضو البرلمان، وجوليان إيمرى، سكرتير "مجموعة السويس" من أعضاء البرلمان، ونورمان دارشير رئيس محطة المخابرات الخارجية البريطانية في جنيف، أجروا جميعاً اتصالات بالإخوان المسلمين في سويسرا، وكان ذلك في هذه المرة جزءاً من علاقاتهم السرية مع المعارضة لعبد الناصر، ولم يظهر مطلقاً مزيد من التفاصيل عن اجتماعات جنيف هذه، ولكنها ربما انطوت على بحث لتنفيذ محاولة للاغتيال وإقامة حكومة في المنفى تحل محل عبد الناصر بعد حرب السويس.

 

وفي سبتمبر 1956م، كانت إيفون كيرباتريك على اتصال مع مسئولين سعوديين في جنيف، أخبروه بوجود "معارضة سرية ضخمة لعبد الناصر على قناة السويس إلى القضاء على المقاومة المصرية، وهو ما يحتمل أن يعني الإخوان المسلمين".

 

وعلى وجه التأكيد، كان المسئولون البريطانيون يرصدون بانتباه أنشطة الإخوان المعادية للنظام، ويعترفون بأنها قادرة على أن تشكل تحدياً جاداً لعبد الناصر.

 

وهناك أيضًا أدلة على أن البريطانيين أجروا اتصالات مع التنظيم في أواخر 1955م، عندما زار بعض الإخوان الملك فاروق، الذي كان حينذاك منفياً في إيطاليا، لبحث التعاون ضد عبد الناصر.

 

ومنح حسين ملك الأردن قادة الإخوان جوازات سفر دبلوماسية لتيسير تحركاتهم لتشكيل تنظيمات ضد عبد الناصر، في حين قدمت السعودية التمويل.

 

كما وافقت وكالة المخابرات المركزية على تمويل السعودية للإخوان، ليعملوا ضد عبد الناصر، حسبما قال روبرت باير المسئول السابق بالوكالة.

 

وفي أغسطس 1956م، اكتشفت السلطات المصرية حلقة تجسس بريطانية في البلاد، وألقت القبض على أربعة من رعايا بريطانيا، ومنهم جيمس سوينبرن، وكان يعمل مدير أعمال في وكالة الأنباء العربية، وهي واجهه لهيئة المخابرات المركزية في القاهرة.

 

وتم طرد اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين تورطا في جمع الاستخبارات.

 

ومن الواضح مثلما لاحظ دوريل، أنهما كانا على اتصال "بعناصر طلابية لها اتجاهات دينية" بفكرة تشجيع أعمال الشغب التي يقوم بها الأصوليون، والتي يمكن أن توفر مسوغاً للتدخل العسكري لحماية أرواح الأوروبيين.

 

وفي أكتوبر، شنت بريطانيا في تحالف سري مع فرنسا وإسرائيل، غزواً على مصر للإطاحة بعبد الناصر، لكن رفض الولايات المتحدة تأييد التدخل هو في الأساس الذي أوقفه.

 

وتم الاضطلاع بالغزو والبريطانيون يدركون أن الإخوان المسلمين قد يصبحون هم المستفيد الأول، ويشكلون حكومة ما بعد عبد الناصر، وتبين المذكرات أن المسئولين البريطانيين كانوا يعتقدون في هذا السيناريو القائم على "الاحتمال" أم "الترجيح".

 

ومع ذلك، ففي انعكاس لصدى نتائج تقييم كاشاني زعيماً محتملاً في إيران خشي المسئولون البريطانيون من أن ينتج استيلاء الإخوان على السلطة، "شكلاً أكثر تطرفاً من الحكم" في مصر. ومرة ثانية، فإن هذا لم يوقفهم عن العمل مع هذه القوى.

 

وبعد هزيمة عبد الناصر للبريطانيين ببضعة أشهر، كان تريفور إيفانز، وهو المسئول الذي قاد الاتصالات البريطانية مع الإخوان قبل أربع سنوات، يكتب مذكرات في مطلع 1957م يوصي فيها بأن "اختفاء نظام عبد الناصر ...

 

يجب أن يكون هدفنا الأول".

 

ولاحظ مسئولون آخرون أن الإخوان ظلوا نشيطين ضد عبد الناصر في الداخل والخارج على حد سواء، خاصة في الأردن؛ حيث كان يتم شن "حملة دعاية ضارية" ضده. وتبين هذه المذكرات أن بريطانيا ستواصل التعاون مع هذه القوى في المستقبل القريب - وقد حدث هذا فعلاً.

 

ومن ثم، فقد كانت بريطانيا مستعدة في كل من إيران ومصر للتآمر مع القوى المتأسلمة، واستخدامها ثانية لتحقيق غايات إمبريالية، كجزء من ترسانة للأسلحة تستخدم في العمل السري.

 

ولم تعتبر هذه القوى حليفاً استراتيجياً، وإنما كان من المسلم به أنها معادية تماماً للبريطانيين. والمدهش أن بريطانيا لجأت للعمل مع هذه القوى وهي تعلم أنها حتى أكثر عداء للبريطانيين من النظم التي كانت تحاول الإطاحة بها.

 

وكانت جدواها تتمثل في عضلاتها وقدرتها على التأثير على الأحداث، بالعمل كفرق صدام لمساعدة بريطانيا في استقالتها للاحتفاظ ببعض نفوذها في عالم ما بعد الحرب؛ حيث أخذت قوتها تذوي.

 

وتكرر اللجوء إلى التعاون مع هذه القوى، مهما كانت معادية للبريطانيين ومهما كان تعارضها مع المصالح طويلة الأجل، في العقود الأخيرة، حتى عندما ظهرت في الصورة الجماعات الجهادية الصريحة

 

إرسال تعليق

0 تعليقات