تعرف بلاد اليونان القديمة باسم هيلاسي ( Hellas ) وهي تشمل ما يعرف باسم شبه جزيرة البلقان
(حديثا)، ومجموعة الجزر المنتشرة في بحر إيجة ( Aegean Sea )؛ وكذلك المدن اليونانية المنتشرة على ساحل
شبه جزيرة أسيا الصغري ( Asia Minor ) ، وقد أطلق اليونانيون على أنفسهم تسميه الهيلينيين ؛ ( Hellenes ) ، وإن كان الرومان هم الذين أطلقوا عليهم
تسمية الأغريق (Graeci ) ، أما تسميتهم
باليونانيين فمرجعه الى اللغات السامية القديمة .
الأغريق شعب عبقري أوضح بشكل حاسم أن للعقل البشري أهدافا محددة
بعينها ؛ وصاغ لنفسه فكرة جديدة تماما عن سمات الحياة البشرية ، هذا الشعب الذي
أخذ من حضارات الشعوب الأقدم التي سبقته في الحضارة ، واستفاد مما أخذ فائدة كبيرة
، كان على وعي بها وعرفان ، ولكنه عمد إلى إعمال الفكر طليقا من كل القيود ، وكان
منطلقه في البحث تجريديا يستهدف حقائق الأشياء أولا قبل الفائدة العملية التي
يتبعها تطبيق نتائج البحث في أغراض الحياة اليومية ..
لذلك رأينا الأغريقي يطرح في مجال البحث أكثر المسائل والمشكلات
التي لاتزال تواجه الإنسان في العصر الحديث، ويواجه بشجاعة ذهنية كثيرا من مشكلات
البحث ويسعي إلى أيجاد حلول لها ، ومنها مثلا أسس الديمقراطية ومشكلات تطبيقها،
وعلاقة الفرد بالمجتمع ، وحرية هذا الفرد وموقفه من السلطة الحاكمة ..
هذا بجانب تأمل مجرد وتفكير في مشكلات الوجود، وهو تفكير قدم لنا
قدرا مائلا من الفلسفة ، التي هي أكثر الجوانب إشراقا في التراث الإغريقي بصفة
عامة، والتي تعد قمة الترف العقلي .
ومن ناحية أخري فأن المعاني الإنسانية الخالدة المتضمنة فيما جاءت
به دلائل شعراء الإغريق وصاغته أيدي فنانيهم، قد جعلت من الأدب والفن الإغريقيين
تراثا عاما يقرأه الجميع أو يشاهدونه و يلقي أعظم الاستجابة وينال أبلغ الإعجاب،
ويتمثل ذلك بوضوح في.ملحمتي شاعر الإغريق الأكبر هوميروس، مآسي ( إیسخولوس و
سوفوكليس) ، وكوميديا (أرستوفانيس) ، ويظهر في قطع النحت المنسوبة إلى (فيدياس) ،
أو عمارة معبد ( البارثينون )، أو عمارة قصر ( مينوس) الخالدة.
هذه الحضارة الإغريقية سواء في اليونان أو فروعها بالمنطقة العربية
أو فارس و آسيا الصغرى و بكل ما أبدعت تربطها علاقات ، مع حضاراتنا القديمة قبلها
؛ والإسلامية التي ازدهرت في ذات المناطق من بعد ذلك ..
فمن حضارة مصر وحضارات الشرق الأدنى القديم استمدت الحضارة
الإغريقية في مراحلها الباكرة كثيرا من أصولها ، ولعل تيار التأثير المصري القديم
في حضارة الإغريق قد استمر بدرجات متفاوتة حتى القرن الرابع قبل الميلاد ، وقد جاء
فيه الفيلسوف الإغريقي أفلاطون إلي مصر وتعلم فيها وأفاد .. ،
و إن فتوحات الأسكندر الأكبر في بلاد الشرق في الثلث الأخير من
القرن ذاته أوجدت فرصة للقاء قوي ومباشر على أرض الشرق بين الحضارة الإغريقية
والحضارة المصرية وغيرها من حضارات الشرق ، فنشأت حضارة جديدة لعصر جديد تعرف في
التاريخ باسم الحضارة الهيلينيسية ، وبعد
حلقات من التاريخ يأتي عصر الترجمة التي بلغت أوجها أيام خلفاء العباسيين وهي التى
ستنقل العلم الإغريقي و غيره إلى العربية ويأخذ فلاسفة العرب وعلماؤهم عن الفكر
الأغريقي كثيرا من المسائل والمشكلات ليعكفوا على دراستها ونقدها ويفيدوا منها
وليضيفوا إليها كثيرا ؛ فتنشأ حضارة أخرى جديدة هي الحضارة الإسلامية ؛ لتأتي حقبة
الترجمة مرة أخرى عن حضارة المسلمين في الأندلس و غيرها من حواضر الإسلام ليبدأ
عصر النهضة الأخير .
كان تاريخ الأغريق في بدايته بلادا منقسمه الي عدد كبير من الوحدات
الصغيرة يؤلف كل منها كيانا سياسيا مستقلا ؛ وهذا النظام السياسي الفريد أطلق عليه
الإغريق إسم ( Police ) وهو ما يترجم الي الانجليزية
باصطلاح ( City-state ) ما نعرفه في العربية
باسم : دولة المدينة أو المدينة الحرة .
تمسك الإغريق بهذا النظام لا يرضون عنه، واعتبره فلاسفة الحكم
عندهم النظام الأمثل والوحيد الذي يستطيع أن يعيش في كنفه الرجال الأحرار ..
وقد ظلت بلاد الإغريق تحيا وقتا بهذا النظام بصورة أو بآخري حتي
نهاية أيامها ككيان منفرد ؛ حين أخضعتها روما لسلطانها في عام 146 ق .م ..، وجعلت
منها ولاية رومانية .
فلا مفر لمن يحاول وضع دراسة لمعالم تاريخ الإغريق عن الاكتفاء
بالتركيز على دراسة تاريخ أبرز هذه الوحدات أو المدن التي لعبت دورا.رئيسيا في هذا
التاريخ، و سوف تنصب دراستنا على مدينتي إسبرطة وأثينا .
مع ذلك فإن الانقسام السياسي كان يقابله وحدة حضارية تشمل الأمة
الإغريقية كلها وتتمثل في لغة مشتركة ؛ وتراث أدبي واحد ؛ وديانه مشتركة ؛
ومهرجانات رياضية و العاب جامعة ؛ يشارك فيها كل الإغريق، وقد زاد انتماؤهم أكثر بعد
استعمارهم الاستيطاني.الكبير التي بدأ في القرن الثامن قبل الميلاد ..
تمسك الإغريق بهذا النظام لا يرضون عنه بديلا كما سنري، واعتبره
فلاسفة الحكم.عندهم هو النظام الأمثل والوحيد الذي يستطيع أن يعيش في كنفه الرجال
الأحرار .. وقد ظلت بلاد الإغريق تحيا وقتا لهذا النظام بصورة أو بأخري حتي نهاية
أيامها ككيان.منفرد حين أخضعتها روا لسلطانها في عام 146 ق .م ، وجعلت منها ولاية
رومانية ..
وعلى الرغم من إعجابنا الشديد بالحضارة الإغريقية ومنجزات؛ إلا
أننا نعجب عجبا شديدا مشوبا بالدهشة لهذا الشعب الذي أبدع هذه الحضارة؛ كيف فشل في
التوصل الي صيغة من الوحدة السياسية تلم شتات دول المدن، في كل وحدة وتحول دون
تبديد طاقته المادية في منازعات وحروب داخلية !
لقد قيل إن نظام دولة المدينة، بما أتاحة من تنافس بين الإغريق قد
ساعد على ازدهار حضارتهم، ولكنه كان في الوقت نفسه من أشد عوامل ضعفهم السياسي
الذي بدأت أعراضه تنتاب العالم الإغريقي منذ أوائل القرن الرابع ..
تري هل كان محتما أن يدفع الإغريق لازدهار حضارتهم ثمنا فادحا من
قوتهم السياسية ؟!
وهل كان قدرا مقدورا أن تغزو ثقافة الإغريق العالم القديم في قوة
واقتدار، بينما وقفت بلادهم عاجزة عن مقاومة الضغط السياسي الخارجي أو الغزو
العسكري الذي وجدها لقمة سائغة ؟ !
نعم ، لقد أتي فيليب المقدوني إلي بلاد الإغريق في عام 358 ق .م ؛
بسياسة مرسومة هدفها السيطرة على تلك البلاد .. وينتهي الأمر بانتصار فيليب في
موقعه خايرونيا ( Chaeronea ) ..
وهكذا فرض فيليب الوحدة بالقوة والقهر تلك الوحدة التي أباها الإغريق
طوال قرون تاريخهم الماضية ، وبموت فيليب عام 336 ق.م؛ خلفه ابنه الأسكندر ، الذي
قضي على كل أمل قد راود الأغريق في التحرر من هذه الرابطة التي أوجدها فيليب ، .. ويبطش
الإسكندر بلا رحمة بأول مدينة إغريقية تحاول الانفصال، وبذلك تكون نهاية حياة
المدن الحرة ...
والإغريق لا يرون في مقدونيا دولة إغريقية ولا يرون في ملوكها ملوك
إغريق بل عفوا : لا يكادون يفرقون بينهم وبين الفرس مثلا !!
انتشرت جيوش الإغريق بقيادة الأسكندر لتصل الي آسيا الصغري والشام
ومصر وبلاد الفرس بل الي مشارف الهند ! وبموت الإسكندر تنقسم إمبراطوريته بين
قادته ، وينتظر العالم الإغريقي في شرق البحر المتوسط ظهور روما الفتية لتقوض ما
بقي للأغريق وتضمه و تضمهم الي إمبراطوريتها .
وفي عالم اليونان القديمة موضوعان استحوذا على اهتمام غير عادي منذ
القدم وحتى يومنا هذا، وهما هوميروس والإسكندر الثالث المقدوني،
ما سر جاذبيتهما على مر العصور ؟! كلاهما يطرح تساؤلات جادة يبدو
كثير منها بلا جواب وربما تستحيل معرفة هوية هوميروس أو الإسكندر الحقيقية !!!
وتعزى الصعوبة في اكتشاف طبيعة الإسكندر إلى طبيعة ما وصلنا من
شواهد تسبغ عليه شخصيات مختلفة متعددة؛ فمع أن حقيقة وجود فرد يعرف باسم الإسكندر
الثالث المقدوني ليست محل شك، فإننا نجد أنفسنا في مواجهة أكثر من إسكندر واحد؛
ومن ثم فالجدل الأكاديمي المحيط بهوميروس والإسكندر له جذور عميقة و لقد أثار
نقاشا محتدما .
فبفضل قوة شخصية الإسكندر يجري تقديمها للجماهير فيما لا يحصى من
الكتب والمقالات والقصص المصورة والوثائقيات والأفلام الطويلة، التي كلف إنتاج
أحدها، وعنوانه «الإسكندر» وأخرجه أوليفر ستون، مئات الملايين من الدولارات،
وستنتج أفلام أخرى يقينا في محاولة لاكتشاف الإسكندر الحقيقي.
ونتيجة لذلك، توجد بالفعل صور مختلفة كثيرة جدا لهذا الملك
المقدوني، وتواصل هذه الصور بالازدياد .
إن طبيعة الحياة في مقدونيا منتصف القرن الرابع تقرر المعالم
الأساسية في قصة أي فرد عاش في مملكة مقدونيا القديمة .. فالمعروف أن فيليب أبا
الإسكندر أنشأ مملكة موحدة امتدت من البحر الأدرياتي مرورا بشمال بحر إيجة وحتى
الأراضي الواقعة على ساحل البحر الأسود شمالا وعلى نهر الدانوب.
والطريقة التي ضمت بها هذه الأراضي إلى المملكة عامل آخر له دور في
العالم الذي ولد فيه الإسكندر ونشأ حتى صار رجلا. وتكشف عملية التوحيد التي اتبعها
فيليب عن الأدوات التي يحتاج إليها الموحد المستقبلي الذي صار إليه الإسكندر لدى
«وراثته» الملك،.وتكشف التوترات التي تمخضت عنها .
وفيليب الثاني - أبو الإسكندر - كان متألقا في إنجازاته ؛ فما هو
ذلك الميراث البدني والمزاجي وعلى وجه الخصوص الإنجازات الذي تركه لابنه ؟
وماذا عن أمه أوليمبياس ونسبها وشخصيتها ؟ وهل يبرز دورها كابنة
الأسرة المالكة في مملكة إبيروس.قبل زواجها بفيليب وفيما بعد كزوجة للملك المقدوني
؛ هل ستؤثر بقوة في تكوين الإسكندر ؟
ترتبط قصة مقدونيا القديمة ارتباطا وثيقا بقصة اليونان، للقرب
الجغرافي أولا ؛ وللتفاعل المشترك ثانيا ؛ الذي فرضته فترة الحروب الفارسية في
أوائل القرن الخامس،..حينما استشعر الإغريق والمقدونيين آثار المحاولات الفارسية
للتوسع في غرب بحر إيجة في أواخر القرن السادس وأوائل القرن الخامس ق.م ..
كان ذلك الإحساس بوجود عدو مشترك لهما رابطا محوريا؛ مما جعل من
«انتقام» الإغريق من الفرس مجهودا مشترگا لذلك الاتحاد الرسمي. وكان للتفاعل بين
اليونان ومقدونيا دلالته أيضا من الناحية الثقافية،.وكان مصدر أحد جوانب التأثير
الثقافي على الإسكندر معلمه الفيلسوف أرسطو المولود في مدينة أسطاغيرا الإغريقية
في شمال بحر إيجة؛ إن سلامة تراب المملكة كانت تقتضي قوة عسكرية فعالة دائمة
التأهب ؛ فماذا كانت ركائز تلك المملكة ؛ وهيكل مقدونيا الاجتماعي وتنظيم جيشها
ومتطلبات نجاحها العسكري؟
لقد رأت مقدونيا واليونان رأي العين قوة الإمبراطورية الفارسية
التي كان ملكها أحشويرش من القوة بمكان - كما روی هیرودوت -: «لماذا اتخذت یا زیوس
هيئة رجل فارسي واسم أحشويرش بدلا من زيوس لكي تدمر اليونان، ومن خلفك كل هؤلاء
الرجال؟ كان بإمكانك فعل هذا دون كل هذه الجهود» (الكتاب السابع، 56).
فكيف يطمح ملك مقدوني بأي حال أن يهزم مثل هذا الحاكم القوي الذي
يتربع على عرش أكبر إمبراطورية قامت في تاريخ الشرق الأدنى القديم حتى ذلك الزمان؟
وبما أن الإسكندر نجح في إلحاق هزيمة بالفرس، صارت قوة التقاليد
الفارسية وتأثيرها على الإسكندر علم آخر في عالمه.
خلف الإسكندر والده، فيليپ الثاني المقدوني، على عرش البلاد سنة 336
ق.م، وانطلق في عام 334 ق.م في حملة على بلاد فارس، فتمكن من دحر الفرس وطردهم
خارج آسيا الصغرى، ثم شرع في انتزاع ممتلكاتهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من
الحملات العسكرية التي دامت عشر سنوات.
تمكن الإسكندر خلال تلك الفترة من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة
العسكرية للإمبراطورية الفارسية الأخمينية في عدّة وقعات حاسمة، أبرزها معركتيّ
إسوس وگوگميلا. وتمكن الإسكندر في نهاية المطاف من الإطاحة بالشاه الفارسي دارا
الثالث، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته ..
كان الإسكندر يسعى للوصول إلى «نهاية العالم والبحر الخارجي الكبير»،
فأقدم على غزو الهند سنة 326 ق.م في محاولة لاكتشاف الطريق إلى ذاك البحر، لكنه
اضطرّ إلى أن يعود أدراجه بناءً على إلحاح قادة الجند وبسبب تمرّد الجيش.
توفي الإسكندر في مدينة بابل سنة 323 ق.م، قبل أن يشرع في مباشرة
عدّة حملات عسكرية جديدة خطط لها، وكان أولها فتح شبه الجزيرة العربية.
وبعد موته احتدم صراع عنيف بين قادته استمر حتى عام302 ق.م وانجلى
عن :
1▪سيطرة القائد سلوقس ( 356 - 280 ق.م) على آسيا الغربية (سورية
الشمالية وآسيا الصغرى والرافدين والهضبة الإيرانية)
2▪ سيطرة القائد بطليموس ( 367 - 283 ق.م) على مصر وقورينايئة
(برقة بليبيا ) وبعض جزر البحر الإيجي إضافة إلى
فلسطين .
3▪ سيطرة القائد أنتيغونوس (306 -301 ق.م ) على بلاد اليونان
معركة إيسوس 333 ق.م
جهز الإسكندر جيشا متوسط العدد تراوح ما بين 32 ألفا من المشاة و
500 من الخيالة ؛ ويساعده أسطول مؤلف من 160 سفينة كان أكثرهم من سفن الحلفاء .
وسار على رأس جيشه عام 334 في م والتقى دارا الثالث الفارسي ...
كان جيش دارا يتكون من خليط من مختلف الشعوب والطوائف، وكان يفوق
جيش الإسكندر بثلاث مرات ، فضلا عن ذلك كان الفرس يملكون سيادة البحر وكان أسطولهم
تحت إمرة بحار يوناني متمرس بدعی ممنون الرودوسي ..
وكان للفرس في البحر المتوسط وبحر إيجة قواعد بحرية ؛ فضلا عن
استخدام المال لرشوة عدد من رجال الإسكندر ومنافسية السياسيين ومن هؤلاء ؛
ديموستين ألد أعداء الإسكندر المقدوني.
وقبيل مغادرة البلد زار الإسكندر طروادة للتبرك بضريح اخيل الذي
كان يزعم أنه جد من أجداده وأدي الطقوس الدينية الواجبة عليه من أجل تحقيق النصر..
ثم عبر الإسكندر بجيشه مضيق الدردنيل إلى آسيا الصغرى .لقد كانت مغادرة الإسكندر
لأوروبا مخاطرة كبيرة وإن كان قد أخضع دول المدن اليونانية لسيطرته ..
وأوائل شهر نوفمبر من عام 333 ق. م التقت جيوش الإسكندر المقدوني
بالملك دارا الثالث عند إيسوس في منطقة كيليكيا شمال سورية التي تعرف اليوم بمنطقة
أضنة في آسيا الصغرى على خليج الإسكندرونة الواقعة على طريق ممرات جبال الأمانوس
والتي تشكل سد حاجزا بين سوريا ومدن الساحل الفينيقي ..
فكانت الخطة التي رسمها الإسكندر تقوم على الاستيلاء على ساحل بلاد
الشام وعلى مدينة صور تحديدا فيتخذها قاعدة يبدأ منها حملاته البحرية ولم يكن
اختياره أيسوس إلا لأهميتها فلم يكن سهل أيسويس يتسع لقوات الجيوش الفارسية وكان
ذلك يتفق مع خطة الإسكندر الحربية في أن يدع دارا يعتقد أن جيش الإسكندر الصغير
الذي قدم من أوروبا يفر أمامه إلى سوريا ...
وكان إلى الأقرب والمعقول أن يستفيد الإسكندر من المعلومات التي
نقلها إليه الفرس.الذين فروا من جيش دارا وأن يحمل الملك دارا على مواجهته في سهل
إيسوس فیكون البحر من أمامه وممرات الجبال الضيقة من ورائه ..
إلا أن الإسكندر لم يجازف بهذه الخطوة إلا بعد أن أمن جانب أسيا
الصغرى وأنفق شهورا في إخضاع كيليكيا ثم بادر بالزحف نحو الجنوب لمواجهة قوات دارا
..
وعلى الرغم من النصيحة التي قدمها أحد المقدونيين الخارجين على
سلطة الإسكندر والذي كان قد التجأ إلى بلاط الإخمينيين فقد حذر الملك دارا من عدم
التورط في قتال مع الإسكندر في الممرات الجبلية الضيقة ونصحه بأن يترقب نزول الجيش
المقدوني في أرض تستطيع فيها جيوش الفرس أن تفوق قوات الإسكندر ...
إلا أن الملك دارا لم يستمع إلى هذه النصيحة فقد نصب خيامه وبدأ
بمهاجمة الإسكندر الذي قام باختراق سوريا عن طريق ممرات كيليكيا قبل أن يداهمه
الملك وبعد عبور الإسكندر مضيق الدردنيل لم يواجه مقاومة قوية رغم محاولة الجيش
الفارسي الذي خسر 200 ألف مقاتل ولم يخسر الجيش اليوناني غير 115 رجل، جدير بالذكر أن الأسطول البحري للإسكندر كان
ضعيفا بالمقارنة مع الفرس وقد صمم الإسكندر على أن يتجنب أي اشتباك بحري مخالفا
بذلك رأي بعض ضباطه الذي أراد أن يربط خططه البرية مع خططه البحرية في حين كان
الأسطول الفارسي تحت أمرته كل قادة المرتزقة الإغريق في جيش دارا.
أراد ممنون أن يتراجع وأن يخرب البلاد ويهاجم الجزر اليونانية
وثغور بلاد اليونان نفسها.من أجل إشعال ثورة قد تضطر الإسكندر إلى التخلي عما كان
يديره من حروب في أسيا الصغرى لكن كان من حسن حظ الإسكندر أن يمضي في حملته على
بلاد كيليكيا برا مخترقا بفلاجوانيا وكبادوكيا ولكن الحكام من الفرس الذين كانوا
يطمعون في حماية ولاياتهم أجبروا.ممنون على مواجهة الإسكندر على نهر جرانيكوس لكن
كان يدور في ذهن الإسكندر عدم.المجازفة بأي معركة بحرية محفوفة بالمخاطر تعترض
طريقه لهذا اكتفي بأن يحاصر ملطيا والتي وقعت تحت سيطرته أخر الأمر وبالرغم من
التفاوت العددي بين قوات الطرفين المتحاريين و أن قوات دارا الثالث كانت منظمة
تنظيما متميزا ، إلا أن العبقرية العسكرية للإسكندر.المقدوني استطاعت أن تلحق
هزيمة كبيرة بقوات الملك الفارسي الذي فر إلى قلب آسيا، بينما هرب رجال جيشه جميعا
باستثناء فرقة المرتزقة من الإغريق ..
فقد ذكر المؤرخ اليوناني دیودارس ومن بعده المؤرخ اليهودي يوسيفوس
أن جميع سكان أسيا كانوا موقنين أن الجيش المقدوني لن يجرؤ على مقابلة الجيش
الفارسي..
وقد ثبت في هذه المعركة أن النصر كان حليف المتفوق في الدهاء
والعبقرية الحربية، عندما رأى ملك الفرس الذي كان يراقب سير المعركة من على عربة
فخمة تجرها أربعة خيول، إن جيشه خسر المعركة ففر هاربا نحو الشرق هو ومن تبقى.حوله
من جنود تاركا حريمه في المؤخرة.
ومن المؤكد أن شهرة مصر كمصدر ومخزن مهم للحبوب كان له التأثير
الكبير في توجيه خطة الإسكندر هذه الوجهة يعني جنوبا بدل شرقا .. إذ يمكن
استخدامها كقاعدة لتموين المدن اليونانية من ناحية وتكوين جيوشه الغازية شرقا من
ناحية أخرى.
كانت لهذه المعركة أهمية حاسمة بالنسبة إلى الأغريق إذ كان من
نتائجها أن خضعت مدن ساحلية كثيرة من مدن آسيا الصغرى، ولم يكلف انتصار الإسكندر
إلا القليل، وكانت بداية زوال الإخمنيين؛ وعلى أثر هذه المعركة فر الملك الفارسي
إلى قلب أسيا تاركا معسكره وأهل بيته، وقد عوملت نساء الملك معاملة جيدة وتزوج الإسكندر
من إحدى بنات دارا.
وبعد هذه الواقعة أمر الإسكندر بناء مدينة تحمل اسمه تقع على أبعد
منعطف في شرقي البحر وسماها الإسكندرونة وتخليدا لهذا الانتصار ؛ وهي لا تزال تحمل
اسمه
0 تعليقات