آخر الأخبار

نبيل فياض عن أى مصاحف تتحدث؟!! (1)

 

 

 


 

محمود جابر

 

 

قبل أسابيع كتبت عدة مقالات بعنوان ( أزمة المسلمين مع القرآن)، هذه الأزمة أجدها فى التراث ولدى كثيرين من المهتمين بهذا الشأن وهى متجذرة عند عموم المسلمين، والدارسين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وهذه الأزمة وجدتها، عند كاتب وباحث متعمق مثل الدكتور نبيل فياض، ومقاله اليوم على موقع (تونير22) بعنوان (فروقات المصاحب)... والمقال يوحى للقارئ العادي ان الدكتور المحترم قد جمع أمامه – بحثا- عددا من المصاحف المختلفة والمتعددة وقام بعمل مقارنة فيما بين هذا المصحف وذاك ويحدثنا من موقعه البحثي عن هذه الفروقات الشاسعة؛ سواء ما اكتشفه هو أو ما كتشفه العلامة آرثر جفرى، الذى ينقل عنه ويبحث فيما قاله، هذا العلامة الذى وصفه بأنه قضى حياته فى دراسة القرآن وتاريخه...

 من فروقات المصاحف: مصحف ابن مسعود


وللأسف، فإن الدكتور نبيل كما العلامة جفرى، لا يعرفون الفرق بين ما قاله المصحف وما قاله الآخرين عنه، وبين الثابت الحقيقى والظن الذى لا يوجد عليه برهان ...

 

فالثابت أنه لا يوجد هناك مصاحف، ولكن منذ تاريخ الرسالة المحمدية وإلى الان لا يوجد الا مصحفا واحدا، وان كل أعمال الاركولوجيا عجزت عن الوصول لمصحف آخر أو نسخة منقحة او معدلة ...

 

 

إن أزمة البعض أو الأعم مع القرآن تكمن فى عدم القراءة، وهذه أزمة مبكرة، مثلت شكوى من النبى محمد لقومه من المسلمين، وقد صرح القرآن نفسه بهذه الشكاوى، حين ذكرت فى سورة الفرقان (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، وفى السياق ذاته يقول ان هذا الفعل – هجر القرآن- فعلا إجراميا.

 

حالة الهجر لم تتوقف فى حياة النبى محمد ولكنها استمرت بعد انتقاله، ولكن المسألة أخذت منحى آخر أكثر خطورة، فهؤلاء الموصوفين بالإجرام، لم يتمكنوا من نفى القرآن ولا التخلص منه، فحاولوا العبث فيه أو فى مدلوله أو التشكيك فى صحة كيانه، ومصدر تكونه على النحو المجمع والمدون.

 

فصنعوا كذبة كبرى، لا تقل فتنة عن الفتنة الكبرى، او المأساة الكبرى، او الجريمة النكراء، واستطاعوا ان يقنعوا الجميع بصدق فريتهم، حتى صدقها الكافة ...وكررها الناس كبيرا وصغيرا، عالما وجاهل، باحثا او متخصصا متفردا.

 

ولم يستثنى من هذا إلا القليل النادر، فقد زعم هؤلاء ان النبي محمد ما نزل عليه الكتاب، ولكن ما نزل عليهم هي آيات، جمع ما استطاع أن يجمعه بواسطة من أصحابه، ولكن الموت عاجله وترك هذه التركة فى يدهم، وكانت هذه التركة معرضة للنهب وللزيادة والنقصان والضياع والفقدان، وحتى حراس هذه الآيات من الحفاظ والكتاب كادوا ان يبادوا فى الحروب التى نشبت بعد انتقال النبى، ولولا حكمت عمر بن الخطاب، الذى ظل يلح على أبى بكر الصديق لما بقى للمسلمين من هذا الكتاب شىء، لان ما قام به أبو بكر من جمع وتدوين القرآن من اللحاف والعظام والجلود ثم كتابته وتدوينه أنقذ القران من الضياع والفقدان والعبث وان يصبح مصيره مثل مصير الكتب التى سبقته.

 

هل النبى لم ينتبه لمهمته الكبرى وظل منشغل حتى وفته المنية، ورحل ولم ينجز رسالته وان يحفظها وان يوفر للمسلمين وسائل الحفظ الآمنة للكتاب المنزل عليهم والمتعبد به ؟!!

 

هذا الكلام طعنا فى القرآن، وطعنا فى النبى، وطعنا فى الآيات، وما زاد الطين بله، والجريمة أضعافها، أن الجمع الأول تخلله مجموعة من الأخطاء وغفل الجامع – زيد – عن آية زمن الجمع الاول، حتى جاء زمن عثمان فامر زيد بإعادة الجمع فوجد هذه الآية فوضعها فى موضعها!!

 

أى عقل متزن عاقل يقبل هذا العبث، وهذا الكلام الركيك الذى يخالف أبسط قواعد قراءة القرآن، تداول هذا الكلام وإعادته وعجنه وخبزه دليل على أن القوم ما يزالون يقبعون فى موضعهم من هجر القرآن وأنهم أكثر تصديقا للسرديات الأقل وثاقة والذى ينقضونها يوما بعد يوم.

 

الطامة الكبرى لدى القوم أنهم ادعوا لوجود مصاحف متعددة، وهو المنهج الذى اتبعه الدكتور فى مقاله ، مصاحف مختلفة الترتيب والآيات والسور، وأن كل صحابى من أصحاب محمد صنع له مصحفا وفق رؤيته الخاصة، ووفق مقياس خاصة به لم نعرف من هذه المقاييس شىء، وبعضهم كان مصحفه يحتوى على سور لم تكن فى مصحف الآخر، الأغلب من أصحاب محمد جمع وكتب وكان لديه مصحف، ولكن وحدة محمد النبى هو الذى لم يكن لديه مصحفا(!!) كل ما كان لديه مجموعة من العظام واللحاف والكتاف والجلود كتب عليها بعض آيات ولكنه لم يتمكن من ان يصل لمستوى أصحابه الذين بلغهم هو بما ينزل عليه هو من البيانات والآيات والهدى انهم – اى الأصحاب- كان لديهم مالم يكن عند صاحب الرسالة !!





على الرغم من ان النبى محمد تقاطع مهم فى نفس الزمان والمكان وكان لديه ما لديهم من أدوات المعرفة والصناعة والتقنية التى توفرت لهم لكنه كان اقل منهم فى امتلاك أدوات لحفظ الدين والقرآن فهم جمعوا وكتبوا وهو لم يجمع ولم يكتب !!

 

اى حزن واى خبال وبله هذا ان نصدق ونلوك ونكرر ونعجن ونخبز وتعيد ونكرر مثل هذا الترهات لمجرد انها وردت فى السرديات التاريخية القديمة ونقلها فلان عن فلان عن فلان بسند متصل أو منقطع لا يهم المهم ان عقولنا وعقولهم عميت لدرجة انها صدقت من لا يتورع عن الكذب وكذبت من يستحيل فى حقه الكذب، أو التراخى او التقاعس أو التقصير...

 

ما يثبت كذب القوم فى كل ما يقال عدة اشياء مادية وليست اعتقاديه ولكنها براهين دامغة لكل ذى عقل ولب.... وهى :

 

أولا : هذه الروايات والحكايات والأساطير، يختلف نصها من كتاب إلى كتاب، فهناك من يروى بشكل وآخر يروى نفس الحكاية بشكل أخر . بل أن الكتاب الراوية لهذه الأسطورة يختلف نصه وصحته من زمن نسخ على زمن طباعة وهناك نسخ منقحة ومخرجه وهناك نسخ غير منقحة ومخرجه، وجرى التشكيك فى بعض تلك الروايات .... اى ان الكتاب الذى يحكى الأسطورة مختلف من زمان الى زمان رغم ان الكتاب هو الكتاب بنفس العنوان والمؤلف هو المؤلف لكن هناك كتب سقط منها ما سقط وهناك إضافات أضيفت وهناك تنقيح جرى !!

 

الثاني: المصاحف التى زعم القوم انها كتبت، واختلف في عدد آياتها، وعدد سورها، وكذلك ترتيبها، لم نعثر لها على أى أثر، بل لم نرى قوم يقرؤون القرآن وفق ما أورد القوم فى سردياتهم بل الجميع يتفق على خط واحد وترتيب واحد وعدد آيات واحد، رغم ادعائهم فى سردياتهم عكس الواقع...

 

وربما سال يسأل هل ثبات الخط الواحد للقرآن والتلاوة الواحدة له كان وراءه سلطة ودولة وسلطان قاهر أرغم الناس على اتباع نمط واحدا رسميا، والجواب من واقع ما تعيشه انت هل تستطيع اى سلطة مهما بلغت جبروتها وسلطويتها ان تلغى فكرة أو قناعات الناس أو اعتقادهم .....

 

سوف اترك الجواب لك ...............

 

وقبل ان أغادر هذه الحلقة تعالى معى نتأمل شهادة القرآن على ذاته، وهل القرآن تحدث عن آيات متفرقات أو سور متناثرة، أم أنه تحدث عن قرآن وكتاب ...

 

والإشارة والإحالة الى كتاب بما يحمل من دلالة فى الصورة والمخزون الذهبى الثابت من زمن النص وقبله والى الآن ان كلمة ( كتاب) هو مجموعة أوراق ضم بعضها الى بعض، حتى مثلت وحدة واحدة وكيان واحد وهو الكتاب الفلانى ...



(الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة



 (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴿١٧٦ البقرة

 

(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18} القيامة



(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3}آل عمران

 

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴿7 آل عمران﴾

 

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ﴿105 النساء

 

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴿48 المائدة.


(وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (92) الأنعام.



الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١ هود


الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿1 يوسف﴾

 

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ﴿1 الرعد

 

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴿١ إبراهيم

 

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ﴿1 الحجر

 

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴿64 النحل.

 

(إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء.

 

والقرآن كما الكتاب كلمة قصد بها مجموعة الآيات والسور التى تشكل فى مجموعها كتاب الله أو المصحف أو القرآن الذى قرن بعضه الى بعض فأصبح قرآن.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴿1 الكهف.

 

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴿٢٧ الكهف


 (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2}طه


طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴿1 النمل﴾


تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿2 لقمان﴾


كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴿29 ص﴾


كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿3 فصلت﴾


فالآية تتحدث عن كتاب مفصل وعربيا فى لغته وحرفه


وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا ﴿12 الأحقاف﴾


فهو كتاب وباللسان العربى


وهو – الكتاب .... َالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1}) ق.


ثم تحداهم الله تعالى ان يأتوا ليس بالكتاب – كله- وله الفرقان، ولا القرآن ولكن الله تعالى تحداهم بان يأتوا بما نزل على عبده النبى محمد صلوات الله عليه وآله، او بسورة كالإخلاص أو الناس، أو بآية..



(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ (24)) البقرة


إذا القرآن يتحدث عن نفسه بأنه كتاب وانه فرقان وانه قرآن ... والقوم عوامهم وعلمائهم ما يزالون مصممون بأن النبى محمد ترك لهم آيات متفرقات لم يجمعها ولم يأمرهم بجمعها، ولكنهم جمعوها فى حياته وبعد مماته وكتبوا ما شاءوا كيفما شاءوا دون ضابط أو رابط ووفق مخلياتهم المعرفية ووعائهم الثقافى فجاءت مصاحفهم مختلفة والنبى محمد شاهد او غائب المهم ان الجريمة حدث – من وجهة نظر من يكتب هذه الأساطير – و النبى لم يهتم بوقوعها، فالمجرمون الذين افتتحنا بهم المقال حاولوا ان يلغوا فى هذا القرآن بعد أن عرفوا ان المسلمين هجروه وان النبى رفع شكواه الى الله تعالى .....

 

كل ما أتمناه من أن نجد تفاعل من الكاتب مع الرد، ولان الرد قصد منه إثراء النقاش الثقافى والمعرفى، والحوار على أرضية ثقافية معرفية بحثا عن الحقيقة..



 

إرسال تعليق

1 تعليقات