محمود جابر
حروب المسلمين الأولى بعد وفاة النبي كيف ننظر إليها وما هو المسمى
الذي يجب أن نطلقه عليها؟
قبل الإجابة... إذا ما أردت أن تبنى جيلا قويا قادرا على مواجهة
الواقع ومستشرفا ومخططا للمستقبل فما لابد منه هو أن تربى هذا الجيل على التفكير
السليم والصحيح وليس على الحفظ والتلقين، أو السمع والطاعة.
فالشك هو قلب اليقين والمعرفة هي من ذات الله تعالى والعلم فضيلة
والجهل والإتباع هي والرذائل سواء.
في إطار البحث عن إجابات جديدة وتقليب أوراق التراث القديم ومحاولة
البحث عن الخطأ وطرح البعض هذا السؤال المعنون به المقال.
وبغض النظر عما قاله هذا أو ذاك ولكن يبدو أن الجميع أو أغلب من كتب ابتغى أن يطبق
واقعا اجتماعيا وسياسيا مغايرا لهذا الواقع محل الدراسة حتى يصل لنتائج مريحة له
نفسيا.
وقد تعرضت لهذا الأمر عدة مرات هنا وهناك آخرهم مع كاتب مرموق في
كبريات الصحف المصرية وقتها قال بحزم قاطع إن المسلمين الأوائل كانوا قوة غزو كلمة
واحدة.
وإشفاقا على الرجل من طريقته المستفزة في الحوار صمت لأنه كان
يستفزني لسؤال مشابه حول النبي ولكنى سكت وغيرت مجرى الحديث...
في السؤال نصف الحل:
هل الاستعمار كلمة انطباعية أم انه مصطلح سياسي؟
من المهم عند دراسة أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية
والاجتماعية تحديد المصطلح والمفهوم، والوقوف على دلالاته، خاصة وان المصطلحات
والمفاهيم يمكن أن تحمل وجوهاً متعددة في المباني والمعاني. وعليه ينبغي أن نجلب
من الخزانة المعرفية مقولة فولتير: «إن أردت أن تتحدث معي فحدد مصطلحاتك».
إن الجدل يحتدم بين أرباب الفكر حول صدق وحقيقة مصطلح الفتوحات من
عدمه، حيث يساوي البعض بينه وبين الاحتلال، أو الاستعمار، أو الغزو والاجتياح، ذلك
أن كثيراً من المستشرقين ومن تبعهم من المفكرين العلمانيين العرب قد خالفوا المنهج
الذي خطه أصحاب الاتجاه الإسلامي، أو المعتدلين من المستشرقين، أو الكثير من
العسكريين العرب، أمثال جمال الدين محفوظ، ومحمد شيث خطاب... وغيرهما.
الاستعمار:
الاستعمار هو ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة ضعيفة وبسط
نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي
بالتالي نهب وسلب معظم لثروات البلاد المستعمرة، فضلا عن تحطيم كرامة شعوب تلك
البلاد وتدمير تراثها الحضاري والثقافي، وفرض ثقافة الاستعمار على أنها الثقافة
الوحيدة القادرة على نقل البلاد المستعمرة إلى مرحلة الحضارة. الاستعمار إخضاع
جماعة من الناس لحكم أجنبي، ويسمى سكان البلاد المستعمَرين، وتسمى الأراضي الواقعة
تحت الاحتلال البلاد المستعمَرة. ومعظم المستعمرات مفصولة عن الدولة المستعمِرة
(بكسر الميم الثانية) ببحار ومحيطات. وغالبا ما ترسل الدولة الأجنبية سكانا للعيش
في المستعمَرات وحكمها واستغلالها لمصادر الثروة. وهذا ما يجعل حكام المستعمَرات
منفصلين عرقياَ عن المحكومين.
ومن خلال التعريف والشرح نكتشف الآتي:
أن مفهوم (الدولة) مختلف عن مفهوم كلمة (البلد) أو (الأمة).
البلد تدل على منطقة جغرافية.
الأمة ترمز إلى ناس تجمعهم اعتبارات مشتركة أصول وتاريخ.
الدولة تشير إلى مجموعة من مؤسسات الحكم ذات سيادة على أرض وسكان محددة.
إذا لابد لنا من الحديث عن الدولة...
متى ظهرت الدولة:
حاول جوزيف شتراير تحديد اللحظة التي ظهرت فيها الدولة بالمفهوم
الحديث، وهي أنها ((تلك القوة الاجتماعية المنظمة التي تملك سلطة قوية، تعلو
قانونا فوق أية جماعة داخل المجتمع، وعلى أي فرد من أفراده، ولها وحدها دون
(الأحزاب السياسية) أو (الجماعات الدينية) أو (التجمعات الاقتصادية) حق القسر وطلب
الطاعة على المواطنين))، لكنه لم يوفق في ذلك ويقول ((من المستحيل القول انه في
لحظة محددة تغلبت نزعة الولاء للدولة)). ومع أنه يقر بهذه الحقيقة إلا أننا نراه
يذهب إلى ابعد من ذلك فيؤكد أن ثمة معايير مهمة تساعدنا في معرفة أصول الدولة
الحديثة في الفكر الغربي وابرز هذه المعايير ضرورة وجود استمرارية في المكان
والزمان لجماعة بشرية لكي تتحول إلى دولة، وليس ذلك ممكناَ إلا بالعيش والعمل معا
في مكان معين. وطوال أجيال عديدة تستطيع جماعة بشرية أن تبرز النماذج التنظيمية
الأساسية لتشييد دولة.
كما أن الدولة ينبغي أن تكون موجودة عندما يشعر المواطن بوجودها، فما من ممارسة
منطقية يمكن إن تعطيها حياة، وانه لشيء أساسي إن يوجد مركز جغرافي تستطيع الجماعة
داخله إن تبني نظامها السياسي.
وكما يقول حاتم الكعبي في كتابه (نمو الفكر الاجتماعي) أن الدولة ترتكز على
(مؤسسات دائمة). ومن الضروري إن تصبح نسبة مئوية معينة من السكان حضرية وقادرة على
الوصول إلى مستوى متقدم من التنظيم السياسي ويلخص شتراير معايير ظهور الدولة
الحديثة بما يلي:
1. ظهور وحدات سياسية دائمة وثابتة ومستقرة جغرافيا.
2. ظهور مؤسسات دائمة وغير شخصية.
3. وجود موافقة عامة على ضرورة السلطة العليا وعلى نزعة الولاء
التي تستحق لهذه السلطة من جانب رعاياها. وإذا ما طبقنا هذه المعايير فإننا نقف
على حقيقة مهمة وهي أن السنوات الواقعة بين 1100 إلى
لم يكن ظهور الدولة الحديثة بالأمر السهل وإنما اكتنفته صعوبات كان من أبرزها
الصراع الذي شغل الفكر في أوربا أبان العصور الوسطى وخاصة في بداياتها بين
السلطتين الدينية والدنيوية المطلقة وقد انقسم المنافحون منها إلى فريقين:
الأول، يناصر الكنيسة ويذهب إلى أن الدولة يجب أن تخضع لها. والثاني، الفريق الأخر
يناصر الدولة، ويدافع عن حقوق الملوك والأمراء في حكم شعوبهم، وضرورة استقلالهم عن
الكنيسة في هذا الباب. وهكذا استمر الصراع طيلة العصور الوسطى يستمد أسسه الفكرية
في الأعم الأغلب من التراث الإغريقي بصورة عامة، ومن أرسطو بصورة خاصة بحيث بقي
هذا الفكر في هذه الفترة يجتر تفكير أرسطو ويستند اليه قرابة ألف عام انتهت ببوادر
عصر النهضة الأوربية والعلمية وبشائر الثورتين التجارية والصناعية.. وكان القديس
أوغسطين صاحب كتاب مدينة الله من عمالقة الصراع في هذه الفترة وأشتهر هو وتوماس
الاكويني وجون سالسبري بدفاعه عن غلبة القوة الدينية على القوة الدنيوية.
أما الذين ناصروا الملوك ووقفوا إلى جانب الدولة ضد الكنيسة في هذا الصراع فان من
أبرزهم المفكر الفرنسي بيير دي بويز والذي دعا إلى حقوق الملوك والدولة في السلطة
الدنيوية المطلقة.
لقد كان من نتائج الصراع بين الكنيسة والدولة، أن نما الفكر السياسي وظهرت بوادر
التفكير العلمي وعلى أثر ذلك شهدت أوربا بوادر نهضة عامة في ميادين مختلفة لعل من
أبرزها طغيان المسحة الدنيوية على المجتمع الأوربي، وكان من مظاهر هذه الحقبة نشوء
الدولة القومية في أوربا، واشتداد النزاع بينها بغية النفوذ وامتداد السلطان مما
اضطر الملوك للاحتفاظ بجيوش ضخمة من أجل المحافظة على عروشهم. كما أقدموا على
تنظيم شؤونهم المالية والاستعانة بمن فيهم الكفاءة للإشراف على مثل هذه الشؤون
والنظر في ابتداع الوسائل لتوفير الثروة، وإيجاد المصادر الكفيلة بتحقيق هذه
الأهداف. وكان من أثر هذا الاتجاه مساندة التجارة القومية من قبل الدولة أن نما
المذهب التجاري وهو ما ذهب إليه آدم سميث صاحب كتاب ثروة الأمم على أن الدولة يجب
أن تسيطر على كل نواحي الحياة الاقتصادية في المجتمع.
من الطبيعي أن وصول الإنسان إلى صيغة الدولة الحديثة احتاج إلى قرون طويلة،
وتضحيات كثيرة، وصراعات متعددة، وإذا كانت البشرية اليوم قد وصلت إلى هذا الإنجاز
الكبير فان ما يريده المواطن من الدولة أن تكون بحق ((المرجعية القانونية للتوازن
السياسي والاقتصادي للمجتمع)).
الاستعمار الأوروبي:
بدأت البرتغال وأسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي بإرسال
مستكشفين للبحث عن طرق بحرية جديدة إلى الهند والشرق الأقصى، حيث كان المسلمون
يهيمنون على الطرق البرية ويسيطرون على التجارة بين آسيا وأوروبا. وكان الأوروبيون
يطمحون إلى السيطرة على تلك التجارة، فقد نجحت البرتغال في السيطرة على البرازيل،
وأنشأت مراكز تجاريةً في كل من غربي إفريقيا والهند وجنوب شرقي آسيا. كما نجحت
أسبانيا في السيطرة على أجزاء مما يعرف اليوم بالولايات المتحدة، واحتلت معظم
أجزاء أمريكا اللاتينية.
وفي القرن السابع عشر الميلادي، انتزع الهولنديون والبريطانيون
التجارة الآسيوية من البرتغاليين، وذلك بعد أن نجحوا في احتلال جزر الهند الشرقية
الهولندية (إندونيسيا) وأصبح للإنجليز نفوذٌ قويُّ في الهند. وتمكَّن الهولنديون
والبريطانيون والفرنسيون من احتلال بعض المناطق في أمريكا اللاتينية.
وبالإضافة إلى ذلك، احتل عددٌ من المهاجرين البريطانيين والفرنسيين بعض المناطق في
كندا. كما أنَّ الهولنديين والبريطانيين والفرنسيين ادَّعوا ملكية بعض أجزاء من
الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، تمكن الإنجليز من إنشاء ثلاث عشرة مستعمرة في
تلك البلاد. ودخل البريطانيون والفرنسيون في صراع على أمريكا الشمالية سُمّي حروب
الهنود والفرنسيين الأربع، واستمر ذلك الصراع من عام 1689م حتى 1763م. وفي آخر تلك
الحروب، انتصرت بريطانيا ونجحت في احتلال معظم الممتلكات الفرنسية في أمريكا
الشمالية.
الاستعمار الحديث:
نجحت المستعمرات الثلاث عشرة في الحصول على استقلالها من بريطانيا
في الثورة الأمريكية (1775-1783م). وحصلت معظم المستعمرات في أمريكا اللاتينية على
استقلالها في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. ولم يتطوَّر الاستعمار
الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر مع أنَّ بريطانيا ضَمَّت عددًا من المستعمرات
في أستراليا، وقد كانت نيوساوث ويلز أول مستعمرة أسترالية تم تأسيسها في القرن
الثامن عشر. وكان معظم المستوطنين الأوائل من السجناء الذين أُبعدوا إلى أستراليا
عقابًا لهم. وقد أوقف إرسال السجناء إلى تلك المناطق في منتصف القرن التاسع عشر.
وبحلول ذلك التاريخ، أُنشئت مستعمراتٌ جديدة في كوينزلاند وفان ديمنزلاند (تسمانيا
حالياً)، وغربي أستراليا وجنوبيها، وفكتوريا. أما نيوزيلندا، فإنها لم تصبح
مستعمرة بريطانية إلا عام 1840م. وبحلول عام 1850م، كان هناك الكثيرون ممن يعتقدون
أن المستعمرات لا تساوي تكاليف إنشائها وإدارتها. وساعدت الثورة الصناعية وظهور
القومية الأوروبية، على تطور الاستعمار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن
العشرين في كلٍّ من إفريقيا وآسيا. ففي هاتين القارتين، سعت الدول الصناعية إلى
الحصول على المواد الخام لمصانعها، والأسواق لمنتجاتها الصناعية، كما سعت إلى
هاتين القارتين بوصفهما مناطق استثمار جديدة، وللبحث عن أقطار جديدة تقويها في
منافستها للأقطار الأوروبية الأخرى.
واقتسم إفريقيا كلٌّ من بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والبرتغال
وأسبانيا. ولم يبق من المناطق الإفريقية مستقلة إلا إثيوبيا وليبيريا. أما
بريطانيا، فقد سيطرت بدورها على الهند وبورما وما يُعرف الآن بماليزيا. كما احتلت
فرنسا الهند الصينية. وكانت الهند الصينية الفرنسية تضم كلاّ من كمبوتشيا
(كمبوديا) ولاوس وفيتنام. وتوسَّع الهولنديون في الهند الصينية الشرقية. أما
الولايات المتحدة، فقد احتلت الفلبين. وكان هناك تنافسٌ كبير بين فرنسا وألمانيا
وبريطانيا وأسبانيا والولايات المتحدة للسيطرة على جزر المحيط الهادئ. وفي نهاية
القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أنشأت اليابان إمبراطوريةً ضمَّت كوريا
وتايوان. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، وسَّعت اليابان إمبراطوريتها
على حساب بعض المستعمرات الصغيرة التي كانت تسيطر عليها دول غربية. إلا أنَّ هذه
الإمبراطورية سقطت بعد أن هُزمت اليابان عام 1945م. وتحولت هذه المناطق مرةً أخرى
إلى مستعمرات غربية.
الاستعمار المعاصر:
لا تزال كل من فرنسا وبريطانيا والبرتغال وأسبانيا تحتفظ ببعض
مستعمراتها إلى اليوم، ولكنها لا تسميها مستعمرات. وعلى سبيل المثال، فإن بريطانيا
تُسمي هذه المناطق البلاد التابعة. كما أنَّ الولايات المتحدة تحكم بعض المناطق
البعيدة، مثل: ساموا الأمريكية وغوام وعددًا من الجزر في المحيط الهادئ، وكذلك
بورتوريكو وفيرجين آيلاندز الأمريكية. كما لا تزال إسرائيل تلك الدولة التي
أقامتها الصهيونية مدعومة من القوى العالمية تحتل وتستعمر أرض فلسطين العربية منذ
عام 1948م.
وحين نبحث في موسوعات علم الاجتماع عن مفهوم الاستعمار لنُقيّم بعد ذلك هل يصح
استخدام المفهوم على غزوات المسلمين أو لا، نجد أن الاستعمار يعني ببساطة: تأسيس
سلطة سياسية رسمية من جانب الدول الأكثر تقدمًا على الدول الأقل تقدمًا، وهذا
المفهوم «الاستعمار» يختلف عن مجالات (السيطرة) الأخرى.
ويخبرنا علم الاجتماع، بأن الاستعمار يقترن بآثار اجتماعية
واقتصادية تتعرض لها البلدان المُحتلة، ناجمة عن تدمير الأنساق الاجتماعية
والاقتصادية القديمة، وإحلال أنساق جديدة بدلًا منها، وقد اقترن الاستعمار أيضًا
بشكل أساسي، بظهور حركات قومية في الأقاليم المستعمرة تطالب بالاستقلال.
وفي الطبعة الجديدة المنقحة (2009)، لموسوعة علم الاجتماع التي حررها جون سكوت
وجوردون مارشال، نجد في شرح مفهوم الاستعمار، أنه يطلق بداية من «استعمار إسبانيا
والبرتغال وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا للأمريكيتين منذ القرن الخامس عشر، ثم امتد
بعد ذلك إلى كافة أجزاء آسيا وإفريقيا خلال القرن التاسع عشر».
حين يتم الحديث عن الاستعمار، أو الاستعمار الجديد (المتمثل في ترسيخ هيمنة الغرب
الاحتكارية على إنتاج وتسويق السلع في المستعمرات السابقة، التي مُنحت استقلالها
في القرن العشرين)، أو عند الحديث على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية،
تكون واحدة من تلك التبريرات الجاهزة لهذه الممارسات الإمبريالية، أن المسلمين قد
استعمروا أجزاء كبيرة من العالم بوحشية سابقًا، فلماذا يشجبون الآن الممارسات
الإمبريالية بعد أن صاروا ضعفاء غير قادرين على مواجهتها.
لم تكن الدولة العثمانية قد بلغت مرحلة الرأسمالية بكل تأكيد، فهي لم تبلغها أبدًا
حتى زوالها، وأثناء سيطرة العثمانيين على مصر، ظلت الدولة تستورد من مصر أكثر مما
تصدر لها، ووارداتها من مصر كانت سلع مصنعة، في حين كانت صادراتها لها مواد خام،
فكيف يُسمى ذلك استعمارًا إذًا؟
إن تنبيه جاك بيرك على الانضباط في استخدام المفاهيم، هو تنبيه
شديد الأهمية لفهم مسألة الغزوات الإسلامية، ومقارنتها بالإمبريالية الغربية، فلا
يمكن هنا إطلاق مفهوم الاستعمار سوى في عصر تبلور الرأسمالية، وعلى دولة مُستعمِرة
بلغت ثورتها الصناعية.
الفرق الكبير هنا بين الغزوات الإسلامية في عصر سيطرة الكيانات فوق القومية،
والاستعمار الذي اقترن بنشأة الرأسمالية الحديثة، هو فرق سياق تاريخي مختلف جملةً
وتفصيلًا.
إن الاستعمار الرأسمالي قام على درجة كبيرة من العقلانية والقصدية، واتبع خطط
الإفقار المتعمد، وتقسيم العالم إلى دول غنية قليلة، وأخرى كثيرة جدًّا فقيرة، في
حين كانت حتى السياسات التي ينظر إليها باعتبارها استغلالية، في عصر التوسعات
الإسلامية، هي سياسات اعتباطية، تعتمد بالأساس على المصلحة الفورية، ومزاج من
يمتلكون موازين القوى في السلطة، ولم تتخذ فكرة الإفقار المتعمد للولايات التي
تخضعها لها كخطة إستراتيجية، وبالتالي بعكس الاستعمار الحديث، لم يشكل هذا التوسع
كابحًا من حيث طبيعته قبل الحديثة، في وجه تطور الشعوب التي تعيش على الأراضي
المُسيطر عليها، وهو ما سيتضح أكثر في الدراسة القادمة.
0 تعليقات