آخر الأخبار

أفريقيا

 




 

السفير/ فرغلى طه

 

 

** بحكم تخصصى وعملى السابق وشعورا بالمسئولية الوطنية ، أحرص دائما على علاقات مصر مع مختلف دول العالم ولا أحاول المساس بها سلبا أو انتقادا لبعض سلبياتها ولو كثرت ..!

 

** من هذه العلاقات علاقاتنا مع الدول الأفريقية ، خاصة وأنى عملت مرتين فى دولتين إفريقيتين وحضرت مؤتمرين للقمة الأفريقية فى دولتين ، وزرت عشر دول أخرى فى مهمة قصيرة بواقع يوم واحد لكل منها ، ثم إنى عملت فى الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية مرتين أيضا ، وكنت مع زميل وأستاذ لى مسئولان عن منطقة شرق إفريقيا كاملة وعن مياه النيل فى الثمانينيات والتسعينيات .. !

 

** ولكنى لاحظت دائما انتقادات لسياسات بلدنا واتهامها بالتقصير تجاه أفريقيا ، وهذا صحيح إلى حد كبير فى عهدى السادات ومبارك ، وإن لم يتوقف تعاوننا كاملا مع الكثير من دول أفريقيا خاصة دول حوض النيل التى كان ولايزال تعاوننا وعطاؤنا معها كبيرا وبلا مقابل فى غالبه ..!

 

** وهناك حساسية خاصة فى علاقاتنا مع دول حوض النيل وعلى رأسها إثيوبيا والسودان ، الأولى لأن بها منابع النيل والثانية لأن النيل يمر بها أيضا ولأن علاقاتنا ومصالحنا وجوارنا الحدودى وعلى البحر الأحمر ، كلها أمور إستراتيجية ومصيرية ولا يمكن بأى حال إهمالها أو غض الطرف عنها ، بالإضافة إلى عروبتنا وبعض ترابطنا الاجتماعي ..!

 

** ومع ذلك وجب التنويه بكل الحيادية والتجرد إلى بعض الحقائق التى قد تغضب بعض إخواننا وجيراننا فى أفريقيا ، ولكن لابد من إنصاف مصر الدولة والشعب ، وأهم تلك الحقائق هى :

 

- أنه رغم مساعداتنا للدول الأفريقية ، على قدر ما تستطيع مواردنا ، فإن أحدا من دول حوض النيل بالذات لم يقدر ذلك حتى فى أبسط الأمور والمؤتمرات السياسية أو الخاصة بمياه النيل ، وآخر ذلك أنهم لم يساندونا فى حقوقنا التاريخية فى المياه بل يتربصون بنا منذ السبعينيات ، ويتكاتفون علينا ، ولاتزال مساعداتنا مستمرة لهم فى مجالات حفر آبار المياه وبناء السدود وتطهير مياه أنهارهم وبحيراتهم وإرسال خبرائنا من خلال الوكالة المصرية للتنمية والتعاون مع أفريقيا ، وهم خبراء فى الطب والقضاء والأمن والزراعة والمياه والإعلام ، وكذا تدريب الكوادر الأفريقية فى مصر فى كل تلك المجالات .. !

 

- أن الدول الأفريقية لاتزال فى معظمها تكره العرب جميعا واتهامهم بتجارة الرقيق والعبودية ، لمجرد أن بعض التجار العرب قديما كانوا يشترون أفارقة للعمل لديهم ، أو أخطأ بعضهم وكان يبيع من اشتراه للمستعمر الأوروبى وكان هذا الأخير هو من يمارس العبودية ويشحن الأفارقة فى مراكب مقيدين بالسلاسل وأحيانا يلقيهم فى البحر أحياء أو موتى أو يأخذهم للعمل عبيدا مسخرين أو يحبسونهم فى أقفاص ، ومع ذلك لا يذكر الأفارقة ذلك للأوروبيين إلا نادرا .. !!

 

- أن دولا مثل إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا وإريتريا ، هى من أكثر الدول تلقيا لمساعداتنا ، وللغرابة فإنها أكثر الدول تربصا بنا فى مجال المياه ، كما أن دولة وليدة هى جنوب السودان تتلقى مساعدات كثيرة منا منذ إنشائها ، ولاتزال لا تتعاون معنا فى إعادة إنشاء قناة جونجلى لتجميع مياه النهر المفقودة فى المستنقعات هناك بما لا يقل عن ثمانية مليار متر مكعب ، كما أنها أعلنت أنها لن تقف ضد إثيوبيا بأى حال وأن إثيوبيا من حقها حصة متساوية فى مياه النيل ، ولا أعرف ولا أفهم لماذا تتدفق عليها مساعداتنا .. !

 

-    ونأتى إلى دولة وشعب السودان الشقيق ، وهم أكثر من تلقى ولا يزال مساعداتنا وتأييدنا فى كل مجال ، فضلا عن أن مصر تستضيف لديها أكثر من خمسة ملايين سودانى منذ أكثر من خمسين عاما ، ولهم مثل كل حقوق المواطن المصري ، ومع ذلك تجد معظم شعب السودان كاره لمصر ومحب لدرجة العشق لإثيوبيا وشعبها ويسمونهم الحبش ، رغم أن إثيوبيا تحتل منهم إقليم الفشقة منذ أعوام طويلة وطردت مزارعيهم وجاءت بإثيوبيين ليزرعوا أرضا خصبة لعشرات السنين ، ورغم أن إثيوبيا لا تقدم لهم مساعدات بلا مقابل مثل مصر ، تجدهم يتناسون أرضهم المحتلة من إثيوبيا ولا يتذكرون إلا حلايب وشلاتين المصرية على أنها أرضهم المحتلة ، ويتهمون مصر دائما بالتدخل فى شأنهم الداخلى ، كما أنهم منحوا مئات الأفدنة لعدة دول لزراعتها لديهم ، ولم يوافقوا أبدا على منح مصر أى شيئ بالمقابل ولو باقتسام المحاصيل ، وكان هذا قرارا سياسيا أيام البشير وقد علمته من مصدر سودانى موثوق به .. !

-          

** هذا ما سكت عنه طويلا ، ولكن مع مشكلة سد إثيوبيا وتواطؤ بعض دول حوض النيل ، وما لاحظته من إتهامات سودانية متكررة لمصر ، وكره لها يقابله عشق للحبش لا نعرف له سببا ، كان لزاما على توضيحه من واقع ممارسات عملية عبر السنين ومن واقعنا الحالى ..!

 

** لهذا فإنى أرى أنه يجب أن تكون علاقاتنا مع أى دولة من منطلق براجماتى وطبقا لمصالحنا ولا نمنح شيئا بالمجان ، فكل الدول التى دخلت إلى أفريقيا قدمت منحا ولكنها حصلت فى مقابلها على صفقات بالمليارات ، ونحن دولة لا تستطيع أن تمنح الكثير بالمجان ولا يجب أن تفعل .. !

 

أرجو مخلصا عدم الإساءة لأى دولة ، حرصا ( مع ذلك ) على علاقاتنا معها فلا يمكننا الابتعاد تماما والانعزال ، مهما حدث .. !

 

إرسال تعليق

0 تعليقات