حرسى حرسى عوض
اليوم ، ومع دخول المعارك بين قوات جبهة تحرير تغراي من جهة والجيش
الاثيوبي الفيدرالي ، والحشود الشعبية والمليشيا ت القومية الرديفة له من جهة أخرى
مرحلتها الأخيرة ، وتمكن قوات الجبهة من التقدم صوب أديس أبابا بعد إكمال سيطرتها
على مدن رئيسية في البلاد ، وهزيمة الجيش الفيدرالي الإثيوبي وداعميه من المليشيات
، هناك سؤال يطرحه كثير من الناس، ومضمونه هو ، هل يمكن أن تعود الجبهة الى حكم
إثيوبيا مستثمرة بذلك نجاحاتها العسكرية سياسيا ، وتتصدر بذلك المشهد السياسي في
البلاد مرة أخرى ؟
هذا احتمال غير وارد ، ليس فقط، لأن الجبهة لا تحظى بتأييد من
الشعوب الإثيوبية ، بعد أن ثارت عليها حتى أسقطتها ، بسبب ما مارسته من ظلم
واضطهاد واستعباد واستبداد في حقها ، وإنما الجبهة نفسها تدرك اليوم بصعوبة المهمة
، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية .
أقصى ما تطمح اليه الجبهة اليوم هو الحصول على حكم ذاتي موسع اذا
ما فشلت في الحصول على انفصال واستقلال تامين من إثيوبيا..
كما أنه لم يحصل أن سمع منها عبر سياسييها أو نخبها انهم يسعون في
قتالهم ضد الحكومة المركزية الى حكم البلاد وإعادة عقارب الساعة الى الوراء .
أما ما نسمعه من الإعلام الحكومي ، أو نطالعه في مواقع التواصل
التابعة للنظام من أن الجماعة تسعى الى استيلاء الحكم بقوة السلاح ، وانها ترمي من
حربها الى السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد ،فمجرد دعايات يهدف النظام من
ورائها الى تعبئة وتحشيد الشعب لتوريطه في حرب ليست حربه...واستعماله في محاولة
إنقاذ نظام محاصر ، تهز عواصف التمرد أركانه بعنف حتى بات سقوطه مسألة وقت لا اكثر
... !
استبعد نية عودة الجبهة لقيادة إثيوبيا ، تكرار التجربة التي استمرت
لعقدين ونيف بما لها وما عليها ، كما استبعد بالقدر نفسه أن تقبل بأقل من حكم
كونفدرالي ينالون من خلاله استقلالية إدارية واقتصادية وقانونية ...
إثيوبيا صائرة الى حرب أهلية أكثر ضراوة من هذه الجارية اليوم ،
حتى لو سقطت الحكومة الحالية ، وجاءت حكومة جديدة مكانها مهما كان لونها أو
عِرْقها ، فهذا لن ينقذها من الانهيار الكبير القادم ، و يضمن لها الأمن
والاستقرار ..
إثيوبيا ليست في حاجة الى حكومات عرقية تحل محل حكومات عرقية ساقطة
، بقدر ما هي تحتاج إلى نظام حكم جديد ..أكثر عدالة وإنصافا لجميع مكونات الأمم
الإثيوبية وأكثر ضمانة لتماسك وحدة الوطن ، وأعتقد أن النظام السياسي المناسب
لحالة هذه البلاد والقادر على وقف التمزق والتّشظي التي تصير إليها ، هو النظام
الكونفدرالي بلا ريب ، فهذه الوصفة السياسية هي أنسب الحلول وأنجعها لبلد مثل
إثيوبيا يمتد فوق مساحة جغرافية شاسعة ، ويعاني من اضطرابات وأزمات ساسية وعرقية
واجتماعية مزمنة ، متولدة من افتقاده لهوية جامعة، وحواجز من الأحقاد والعداوات
والثارات يوقظها بين وقت وآخر تاريخ مليء بالدماء والدموع والآلام..!
0 تعليقات