عز الدين البغدادي
رغم إيماني الشديد بضرورة الإصلاح الديني إلا اني اعتقد ان أي إصلاح
ديني ينبغي ان يرتكز الى منهج ومنطق وإدراك لمقاصد الشريعة وأهدافها، وإلا فإن ما
يحققه أي إصلاح سوف ينقلب لاحقا الى نتائج معاكسة. وسأضرب على ذلك بعض الأمثلة:
ظهرت حركات إصلاحية كثيرة اعتمدت على رؤى فمرية وفقهية وعقدية مثل
السنوسية في ليبيا وشمال إفريقيا والمهدوية في السودان والباديسية في الجزائر
وغيرها في الهند ومالي؛ الا ان الحركة الوهابية كانت أهمها وأكثرها تأثيرا وقد
ظهرت في نجد كدعوة إصلاحية تعتمد الرجوع الى الكتاب والسنة بفهم السلف، واذا
تجاوزنا مفاهيمنا المذهبية فليس غريبا ان تعد الوهابية حالة إصلاحية بعد ان سيطرت
مفاهيم التقليد والتصوف الراكد على عقول الناس إلا أن الوهابية تحولت لاحقا الى
حالة أثرت تأثيرا سلبيا وخطيرا جدا على الأمة على مستوى وعي الفرد ووضع الأمة،
واذا تركنا جنبا الدموية التي رافقت ظهورها ونشوءها ونظرنا الى بنيتها النظرية
فقط، فستجد ان سبب فشلها وانتكاستها يرجع الى أنها بقيت في صندوق مغلق فاستنفذت
عوامل قوتها وتحولت الى حالة سلبية جدا.
في الوسط الشيعي ظهرت مرجعيات دينية عملت على الإصلاح بصدق وإخلاص،
لكنها بقيت داخل منظومتها، بعضها لم تتجاوز تأثيرا محددا حول أنصارها الى جماعة
تزيد عدد الجماعات والمسميات، وبعضها تحولت الى ارث عائلي شبيه بما حصل للمهدوية
في السودان، وهذه نتيجة طبيعية لإن الطيبة والصدق لم تتحول بل ولا يمكن أن تتحول
لتغير واقعا ابدا. أي محاولة للإصلاح لا تتجاوز الإطار التقليدي المذهبي في النظرة
الفقهية أو العقدية هو محاولة لحل الإشكاليات المعاصرة بحلول قديمة. انا اعتقد ان
الإسلام غني جدا معرفيا، والقصور ليس في منظومته المعرفية بل في اصرارنا على ان
ننظر اليه من خلال ثقب صغير جدا. الفقه ليس مقدسا، واي عقائد تزيد عما اثبته
القرآن الكريم واجتمع عليه امر الامة فهي محل نظر.
والاهم أن أي إصلاح ديني لا ينمي في الناس الإيمان بالعقل، ويعلمهم
كيف يفكرون بطريقة صحيحة فلن يحقق نجاحا، فحتى الإيمان الحقيقي يحتاج عقلا وتفكيرا
منطقيا، فالإيمان والعقل صنوان.
0 تعليقات