عز الدين البغدادي
الدعوة الدينية في أول ظهورها تهدف إلى الإصلاح، ولكونها ضعيفة في
بداية نشأتها فإنها تعتمد على الخطاب والدعوة بشكل خاص، فهي تحث الناس على تغيير
سلوكهم. إلا أن الوعظ بأي حال ليس هدفا بذاته، بل هو وسيلة للتغيير. أما ان يتحول
الى هدف دون إدراك لظرف الخطاب والمخاطب، فمعنى هذا انه يتحول الى مجرد لغو فقط.
الكلمة عندما لا ترتكز على رؤية عقلية سابقة فإنها لن تكون سوى
صوت، صوت وحسب، لذا لا تستغرب ان تسمع خطيبا يرفع صوته بأقصى حد لأن الخطاب صار
كلاما وليس وعيا، وهو ما افقد هذا الخطاب القدرة على التأثير.
كثير من رجال الدين يعتقدون بأن ممارسة الوعظ هو شغلهم الأساسي،
وان عليهم ان يمارسوا نقدا، وان ينتقدوا السفور وشرب الخمر والاختلاط بين الجنسين.
لكن الحكمة غالبا تغيب عن هذا الخطاب، في أكثر من موقف (مثل الفتاة التي عزفت في
كربلاء وقضية مهرجان بابل وغيرها) رأيت بعض المشايخ يكتبون تهجما شديدا على الحالة
التي حصلت، ثم تنظر لتجد آلاف التعليقات السلبية التي تصل حد الشتم والقذف عليهم،
واستغرب لماذا يضع إنسان نفسه في موضع مهين كهذا؟
طبيعة السلوك البشري هو أول ما يجب أن يفهمه الخطيب، عندما نريد أن
نغير سلوكا خاطئا بالكلام فقط، فسوف نجعل أنفسنا في موضع سخرية من الآخرين، ونباعد
أكثر بين الدين والمجتمع وخصوصا الشباب المتمرد بطبيعته من جهة والدين وأصحاب
التوجهات العقلانية من جهة أخرى.
تغيير الناس لا يكون إلا بتغيير أحوالهم، وهذا التغيير هو ما يؤدي
الى تغيير وعيهم وسلوكهم، وهو افضل واهم ما اكد عليه د. علي الوردي. وإذا أردت ان
تصلح فأول شيء لا بد أن تفهم واقع القضية وأسبابها وكيفية التعامل معها. اذا أردت
ان تغير فعليك ان تغير الواقع، أما إذا أردت ان تتحدث وحسب، فهذا أمر آخر. بل عليك
ان تعرف ان هناك أمورا لا يمكن تغييرها، لأنها إفراز طبيعي للواقع الاجتماعي،
ومعالجتها بالحد أمر غير ممكن إطلاقا.
ليس هذا فقط، بل عليك ان تدرك بأن المذنب ليس شخصا سيئا، علينا ان
نتعامل معه بحب وتفهم، وقد قالت العرب: "أعقل الناس اعذرهم للناس" أي أكثر
إدراكا لسبب الخطأ، فالمذنب في الغالب هو نتيجة ظروفه غير الصحيحة التي نريد أن
نغيره دون ان نغيرها، رغم ان المقدمات تتبع النتائج والمسببات تأتي بوجود الأسباب.
0 تعليقات