"رأفت السويركي"
ابتليت مصر في العقود الأخيرة بتجمعات مُريبة من نُخب المتنشطين
الدولاراتيين؛ كلها ترفع لافتات أضاليل ما يُسمونها "حقوق الإنسان" في
أن يكون شاذاً جنسوياً ولا بأس؛ ومِثْلَويّ النزوع في المُسَاكنة الزواجية ولا
مشكلة؛ وعميلاً استخباراتياً والرزق يحب الخفِّية؛... وهكذا يزيفون بالانحراف معنى
الحرية والديمقراطية!!
وليس لهذه التجمعات النخبوية الفاسدة من غرض سوى إثارة القلاقل
فقط؛ واستصناع وترويج صورة ذهنوية مزيفة حول مستجدات الحياة في الدولة المصرية؛
وهي تواجه بدأب واصطبار وقوة منظومات التحديات الوجودية المتربصة بأمن وأمان
واستقرار الوطن ومؤسساته المختلفة؛ والتي تحدَّت ولا تزال تتحدى تتابعات
"سيناريوهات الربيع العبروي المتصهين"؛ وتدير بمهارة مواجهات أنماط حروب
الجيلين الرابع والخامس المتتابعين.
*****
ولعل استصناع واستيلاد هذه الأنماط الغريبة من الجماعات والتنظيمات
يثبت تطبيق تلك الانتقالة المستجدة من أنماط الحروب الحديثة؛ وقد أزاحت للكمون
فعالية استخدام السلاح وتحشيد الجيوش؛ لتحل بدلاً عنها فعالية استخدام أسلحة قذائف
الأفكار وشعارات الكلام؛ وتنشيط استراتيجيات توظيف تحشيد الجماهير الشعبوية غير
المدركة للمخاطر الخفية مما يدور بأجنداتها المضمرة.
لقد شهدت مصر ـ محل موضوع هذه التدوينة ـ نماذج متعددة من تلك
الجماعات؛ ومنها ما قامت بتوفيق أوضاعها واندرجت في إطار القوانين المنظمة لهذا
النشاط السياسوي؛ لتتميز بالطابع الضابط المعترف به من الدولة؛ ولكن منها ما لا
يزال يواصل عدم تقنين أوضاعه؛ لصعوبة ذلك بحكم أجنداته المشبوهة؛ ولزوم ضرورات
قواعد اندراجه في الشبكات الاستخباراتية الراعية بالغرب؛ ومن أبرز مبادئها الدفاع
عن "الحرية الشخصانية" في ممارسة الشذوذ والمثلية على سبيل المثال لا
الحصر!
وما النموذج الذي تشكله ما تُسمى "المبادرة المصرية للحقوق
الشخصية" إلاّ تعبير عن هذه الحالة؛ بما تثيره من زوابع
"فِشِنْك"حسب التعبير المصري الدارج؛ إذ لا قيمة لها في الواقع بغير ما
تكسبه فقط من منح مموليها؛ ومن يوظفونها في إطار ما أسميها "استراتيجية نقيق
الضفادع"؛ وهي حالة الضوضاء الملوثة لسكون الليالي في الريف الهادئ باطمئنان.
*****
إن تفكيك خطاب نخبة هذه المجموعة المتشكلة ممن يسمونهم المتنشطين؛
يكشف من مخازي هذه النوعية الكثير؛ كما يلي:
- أولاً: كيف يمكن قبول المخادعة والتزييف بإطلاق مُسمى
"المبادرة المصرية" وهو توصيف سياسوي رسمي له الوزن المرتبط بالقانون
والدستور والهوية؛ فيخادع به الأعضاء المؤسسون الجماهير المصرية وغيرهم بإقحام
نسبته إلى دلالة تعبير "المصرية".
- ثانياً: كيف يمكن القبول بتواصل العبث الذي تقوم به في الواقع
المصري خروجاً عن كل القواعد؛ وهي تكوين لا يمتلك أية شرعية قانونية توفر لها
إمكانية تنفيذ دور سياسوي وضعه لها رعاتها وممولوها؛ اعتماداً على خرقها القانون
ومخالفته ـ إذ تذكر المعلومات أنها مسجلة كشركة ـ ولا يحق لها العمل في المجال
السياسوي ـ وكذلك تخالف مقتضيات القانون 149 لسنة
- ثالثاً: كيف يجرؤ هذا التكوين غير القانوني المشبوه في أفعاله
على إشهار أجندته الخارجة والمضادة لكل مقومات الهوية الاجتماعوية للدولة المصرية
والهادمة لقيمها وأديانها؛ حين تشهر دفاعها عن نمط ممارسة الانحرافات الأخلاقوية؛
وإكسابها اعترافاً بتأكيد وجودها ووجوب التسليم بمشروعيتها في المجتمع المصري؛ مثل
"الشذوذ وازدواج التوجه الجنسي؛ والتحول والمثلية الجنسية"؛ وضمان
الحرية في ممارستها باعتبارها حرية شخصية ومن نوع الليبرالية التي لا ينبغي منعها؛
ولا يقتضي الأمر تجريمها القانوني!!
- رابعاً: كيف يمكن أن تربط هذه المجموعة أجندتها بمسمى المصرية؛
فيما تقف في موقف التضاد مع حرص الدولة في الحفاظ على قيمة الأديان؛ ودورها في
تشكيل "الهوية المصرية" منذ القدم بالتشارك بين الأديان السماوية:
الإسلام والمسيحية واليهودية. فتتولى التعريض بقوانين ازدراء الأديان. إذن فمن
يدافع عن حرية ممارسة الشذوذ وحماية ممارسته لا يقبل بضوابط العقائد!
- خامساً: كيف يمكن القبول من هذه المجموعة المتنشطة ـ بالرعاية
الاستخباراتية والتمويل الخارجي المفرط ـ أن تكون تعبيراً عن نخب ذات مشروع
متمنيات وطنية؛ فيما هي تمارس التضاد مع الدولة الوطنية؛ بالتحالفات الساقطة مع
نماذجها المماثلة في الخارج المصري؛ والتي تُسخر في مشروع هدم "نظام الدولة
المصرية" المركزية المستقر؛ مماثلة لما حدث في العراق وليبيا؛ وسوريا واليمن
في إطار سيناريوهات الشرق الأوسط المفتت.
*****
ولعل ما أعلنته هذه المجموعة المشوهة راهناً من بيان منشور على
موقعها؛ يكشف استمرارها في تنفيذ أجندة السقوط السياسوي الفج والمتواصل بالتجاوز
في القول "أن موافقة مجلس النواب على تعديل قوانين حماية المنشآت العامة
ومكافحة الإرهاب وقانون العقوبات، يعد خطوة للخلف تستهدف تقنين حالة الطوارئ،
وتُوسِّع اختصاص القضاء العسكري، وتفرض محاذير جديدة على حرية البحث
العلمي".!!
ويقدم هذا البيان فضحاً بيِّنا لمشروعها السياسوي الساقط؛ إذ تعلن
رفضها بما يناقض ادعاءها الديموقراطية ومطالبتها بها بأن "مجلس النواب"
المصري المنتخب وافق على:
** إدخال تعديلات على القانون رقم 136 لسنة
** وما يفضح مستهدفات هذه المجموعة ذلك الضجيج المفتعل حول
العقوبات الرادعة المرتبطة بمن " قام بجمع الاستبيانات أو الإحصاءات أو إجراء
الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة ومهامها أو أفرادها
الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم بدون تصريح كتابي من وزارة الدفاع".
إن هذا البند المهم للغاية إذا لم تعترض عليه سيُساهم في إغلاق
صنابير التمويل الذي تتضخم به حسابات هؤلاء المستأجرين؛ وقد كانت هذه النوعية من
العمل الاستخباراتي تستدعي تكليف بعض العناصر المحلية منهم أو من المبتعثين من
الخارج لجمع المعلومات المطلوبة لجهات الرعاية المانحة لهم.
وهذا الفعل يُعيد تذكيرنا بنموذج الإيطالي "جوليو
ريجيني" ولعبة توظيفه من مشرفته الأكاديموية المتأخونة "مها عزام"
بجامعة "كامبريدج البريطانية"؛ والموصوفة برئيسة ما أسموه "المجلس
الثوري المصري" التابع لجماعة حسن الساعاتي البناء الصهيوماسونية في الخارج؛
لتنفيذ دور محدد يرتبط بجمع المعلومات خلال مرحلة تطبيق سيناريو الفوضى بمصر؛ وكان
موضوع أطروحته ـ وتأملوا بدقة ـ حول "الحركات العمالية في مصر". إذ أن
فنون جمع المعلومات تقتضي التعرف إلى كل القوى التي يمكن أن تحتج وتتظاهر وتضرب عن
العمل؛ وبالتالي يمكن تحشيدها فتوظيفها في الحروب الجديدة لهدم نظام الدولة
الوطنية!!
وفي هذا الإطار يمكن إدراك دوافع خطاب استئجار مجموعة ما تُسمى
"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بالصراخ واللطميات وهي تعتبر تعديلات
القانون الخاص بجمع المعلومات حول القضايا الحساسة: " يضع مزيداً من القيود
على البحث العلمي في مصر في ظل تردي حالة الحرية الأكاديمية التي تشهدها مصر
بمعاقبة الباحثين المصريين والأجانب على عملهم الأكاديمي بالحبس الاحتياطى والمنع
من السفر بالإضافة للعوائق المفروضة على حرية البحث والتدريس بالجامعات
المصرية"!!
وفي هذا القول المتهافت هناك تناس لضوابط جمع المعلومات وتوظيفها؛
والتي لا يمكن لأية دولة مهما كان نظامها أن تسمح بالتفريط في المعلومات التي يجري
جمعها لأغراض خطيرة تخترق بمخاطرها برامج وقواعد أمنها العسكريتاري والسياسوي.
إن ذلك البيان الذي أطلقه هذا الكيان المندرج في تنفيذ وظائفية
مخطط وجهود هدم الدولة المصرية يكفي دليلاً لإثبات حقيقة نمط دوره الضار بالمجتمع
المصري حين الترويج لتقنين وجود الشذوذ والمثلية الجنسية؛ وكذلك الطعن في جهود كل
مؤسساته الحامية للاستقرار والتنمية وهو يعيد استرداد الدور المفقود في المنطقة
لعقود كثيرة.
*****
لذلك فكما يرفض هذا التشكيل المريب ببرامجه المنحرفة جهود الدولة
المصرية في الحفاظ على القيم الأخلاقوية ً فإنه يرفض بالضرورة قوانين محاكمة
جماعات وعناصر الإرهاب أمام القضاء العسكريتاري المصري للتوافق مع خصوصية نوعيات
هذه الجرائم كونها كإرهاب تستهدف وجود الدولة بمنشآتها ومؤسساتها ومواطنيها؛ وبذلك
تكون النتيجة أن "ثوار هذا الزمان" وهم ينفذون "استراتيجية نقيق
الضفادع"؛ فيحاربون مطالبين الاعتراف بحقوق الشواذ والمثليين وكذلك يرفضون
قوانين محاكمة الإرهابيين... وفي كلٍ شذوذ!!
0 تعليقات