آخر الأخبار

سامح عسكر .......... من يرعى التوحش الأزهر أم الإسلام ؟

 






محمود جابر

 

يقول الله تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) 36 يونس

 

هذه الآية ردا مختصرا على بعض الذين يقومون بعمليات خداع إما لأنفسهم أو للآخرين، واخص بالذكر منهم سامح عسكر فى مقاله (حقيقة أكل لحوم البشر في الفقه الإسلامي) ...

 

وبعد هذه العنوان قال ما نصه :

 

أشهر من قال بذلك هو الإمام “شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني” المتوفي أوائل العصر العثماني سنة 1570 م الموافق 977 هـ وهو إمام مصري شافعي أزهري من شربين له كتابين قال فيهما بجواز أكل لحوم البشر

 

الأول : الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، وهو شرح لكتاب “غاية الاختصار” لابن الحسين الأصفهاني الشهير بأبي شجاع


والثاني : مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، وهو شرح لكتاب “منهاج الطالبين” للإمام النووي

وهذا يعني أن أكل لحوم البشر قال به النووي وأبي شجاع أيضا، فالإمام شمس الدين هنا كان شارحا لما قالوه، ولثقته ونفوذه بين علماء الأزهر قديما وحديثا تم تدريس كتبه ليكون عمدة في المذهب الشافعي...


،،،، انتهى الاقتباس

.. بعد هذا الكلام – السابق المقتبس-  أخذ الكاتب يذهب يمينا ويسارا من التاريخ إلى الإرهاب ولم يقل لنا جملة مفيدة واحدة تحت أي ظرف قال النووي والخطيب بأكل لحوم البشر أو أكل الآدمي ... وهذه خلل منهجي إما بجهل أو بغرض وكل الدربين هما عيب فى الكاتب فلو كان الكاتب جاهلا بأحكام الفقه الإسلامي فلما ذهب لكتابة مقال؟!!

 

وإن كان مغرضا فهل أراد أن ينال من الأزهر، الذى يدرس فلسفة أكل لحوم البشر والتوحش، أم أراد ان ينال من الإسلام باعتباره دين يحض على أكل لحوم البشر (!!)، كلا الأمرين غير صحيحين، ولنا ان نسأل سؤال: هل الإسلام دين توحش أم أن الأزهر مؤسسة ترعى فكرة التوحش ؟!! ...

 

إن التوحش صفة قبيحة مخالفة لروح الأديان وللإنسانية جميعا، ولا يتصور عاقلا ان رسالات السماء لها علاقة بفكرة التوحش مطلقا، وربما تكون هناك إشارات فى بعض الشروح الدينية لها علاقة بفكرة التوحش، ولكنها تخضع لمفهوم (الاضطرار)... والاضطرار= الاستثناء النادر ...

 

وحتى لو كان اضطرار من قبيل الرياضة الذهنية الفقهية، فهى غير مقبولة ولا تعدو ان تكون رأى شخصى غير مجمع عليه، فضلا عن عدم مقبوليته من الفقهاء قديما وحديثا .. وخاصة فيما يختص بلحوم البشر مما ينسبه البعض إلى الإسلام زورا وبهتانا ! ومنتهى التوحش أن ينسب بعض الجهلة للإسلام وهو دين السماح والإنسانية بأنه يبيح أكل لحوم البشر!

 

وما زلنا نقرأ ونطالع عن شعوب الكريبى والقبائل البدائية وهى تمارس أكل لحوم البشر وبعضهم يمارس هذا الفعل بشكل طقوسى عبادى، فأكل لحوم البشر مورس فعلا عبر التاريخ في عدة مواضع جغرافية وتجمعات سكانية، و كانت أغلبها حالات اضطرارية، لها عدة أسباب تبدأ من تفشي المجاعات، إلى معاناة المدن المحاصرة التي تستنفذ خزينها من الطعام والحيوانات، إلى الجماعات المعزولة في مجاهل الغابات.

 

بيد أن الإسلام وضع قواعد فقيه صارمة فى المأكولات وفى آيات محكمة لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}3 المائدة

 

وهذا التحريم جاء مع أن تلك الميتة كانت محللة قبل موتها، والمتردية كانت حلال قبل أن تتردى من الأعلى وتموت، والنطيحة كانت حلال قبل أن تنطح، وبعد بيان هذا التوضيح القرآنى فى المأكولات اللحمية، هل يجوز ان نقول أن الإسلام أو الفقهاء أو الأزهر يبيح أكل لحوم البشر ؟!!

 

فالإسلام حرم أكل الإنسان واكله فى الشرع هو أن تذكره بسوء، وفكيف نقول بأن الإسلام أو الفقهاء قالوا بأكل لحوم البشر، فما من حديث أو رواية أو أثر يمكن ان يدلنا عليه هؤلاء الذين يريدون ان يقيموا الدنيا ويقعدوها على الإسلام أو الأزهر، بدعوى أن احدهما أو كلاهما يبيح أكل لحوم البشر ويبيح التوحش !!



فمنذ بعثة النبي إلى بداية العصر الحديث لا يوجد اثر أو ممارسة لهذا الفعل أو حتى اعتباره قاعدة فقهية كلامية، ولكن ربما تكون هناك حالات فردية تتحدث عن قواعد الاضطرار فى المأكول حين الهلاك تكلم صاحبها على أكل لحوم البشر، بيد ان التركيز علي حالة فردية هو فعل مستنكر وممجوج.

 

وبالتالي أرى أن حديثهم عن أكل لحوم البشر أخذ مدى ما كان له أن يصل إليه في الأقل لأن الحديث عن الدين الذي يحلل أكل لحوم البشر يوحي وكأن هذا الدين يحلل جميع الأمور التي يتهمه بها الآخرون، وقد اختلف العلماء في حلية وتحريم أكل لحوم البشر على عدة مذاهب، ففيهم من حرم أكل لحم الإنسان بأي حال، وقال هؤلاء: "المضطر إلى أكل لحم الميتة، لا يجد إلا لحم آدمي، لا يأكله، وإن خاف التلف"( التاج والإكليل لمختصر خليل ). وذهب ابن رشد إلى أن الميت من بني آدم ليس بنجس، ثم قال:

"والميت من بني آدم لا يسمى ميتة فليس برجس ولا نجس ولا حرم أكله لنجاسته، وإنما حرم أكله إكراما له"( التاج والإكليل لمختصر خليل). وقال الدردير: "المعول عليه عدم جواز أكله، أي أكل الآدمي الميت، ولو كافرا لمضطر، ولو مسلما لم يجد غيره، إذ لا تنتهك حرمة مسلم لآخر"( التاج والإكليل لمختصر خليل).

 

هذا التحريم هو منهج العقيدة الإسلامية، لكنه لم يكن كافيا لمنع من تحدث عن جواز أكل لحم الميت، والذين أحلوا أكل لحم الإنسان الميت، قسمان:

 

الأول: أباحه اضطرارا مثل ابن عرفة الذي أفتى بجواز أكله للمضطر(أحمد الدردير الشرح الكبير مع حاشية الشيخ عليش).

 

أما النووي الشافعي، فقال: "ثبت المحرم الذي يضطر إلى تناوله قسمان: مسكر، وغيره، فيباح جميعه ما لم يكن فيه إتلاف معصوم، فيجوز للمضطر قتل الحربي والمرتد وأكله قطعا وكذا الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصلاة على الأصح منهم. ولو كان له قصاص على غيره ووجده في حالة اضطرار فله قتله قصاصا وأكله، وإن لم يحضره السلطان، وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب فلا يجوز قتلهم للأكل.

 

وجوزه الغزالي، لأنهم ليسوا بمعصومين، والمنع من قتلهم ليس لحرمة أرواحهم، ولهذا لا كفارة فيهم. والذمي والمعاهد والمستأمن معصومون، فيحرم أكلهم، ولا يجوز للوالد قتل ولده للأكل، ولا للسيد قتل عبده ولو لم يجد إلا آدميا معصوما ميتا، فالصحيح حل أكله، قال الشيخ إبراهيم الماوردي: إلا إذا كان الميت نبيا، فلا يجوز قطعا. قال في الحاوي: فإذا جوزنا لا يأكل منه إلا ما يسد الرمق، حفظا للحرمتين، قال: وليس له طبخه وشيه، بل يأكله نيئا، لأن الضرورة تدفع بذلك، وطبخه هتك لحرمته، فلا يجوز الإقدام عليه، بخلاف سائر الميتات، فإن للمضطر أكلها نيئة ومطبوخة، ولو كان المضطر ذميا والميت مسلما فهل له أكله؟ حكي فيه صاحب "التهذيب" وجهين. قلت: القياس تحريمه، والله أعلم. ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة وإن كانت لحم خنزير، وإن وجد المحرم صيدا ولحم أدمي أكل الصيد، ولو أراد المضطر أن يقع قطعة من فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم وإلا جاز على الأصح، بشرط ألا يجد غيره فإن وجد حرم قطعا، ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره قطعا، ولا للغير أن يقطع من نفسه للمضطر"( النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين).

 

ثم جاءت موسوعة الفتاوى الإسلامية التي أصدرها الأزهر، وهى من أعمال شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق:

قال فقهاء الحنفية على ما جاء في الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين في الجزء الخامس: إن لحم الإنسان لا يباح في حال الاضطرار ولو كان ميتا، لكرامته المقررة بقول الله تعالى (ولقد كرمنا بنى آدم)، وكذلك لا يجوز للمضطر قتل إنسان حي وأكله ولو كان مباح الدم كالحربى والمرتد والزاني المحصن، لأن تكريم الله لبنى آدم متعلق بالإنسانية ذاتها، فتشمل معصوم الدم وغيره، وبهذا أيضا قال الظاهرية بتعليل آخر غير ما قال به الحنفية. ويقول الفقه المالكي: إنه لا يجوز أن يأكل المضطر لحم آدمي، وهذا أمر تعبدي، وصحح بعض المالكية أنه يجوز للمضطر أكل الآدمي إذا كان ميتا، بناء على أن العلة في تحريمه ليست تعبدية وإنما لشرفه، وهذا لا يمنع الاضطرار، على ما أشار إليه في الشرح الصغير بحاشية الصاوي في الجزء الأول. وأجاز الفقه الشافعي والزيدي أن يأكل المضطر لحم إنسان ميت بشروط منها: ألا يجد غيره، كما أجاز للإنسان أن يقتطع جزء نفسه كلحم من فخذه ليأكله، استبقاء للكل بزوال البعض، كقطع العضو المتأكل الذى يخشى من بقائه على بقية البدن، وهذا بشرط ألا يجد محرما آخر كالميتة مثلا، وأن يكون الضرر الناشئ من قطع الجزء أقل من الضرر الناشئ من تركه الأكل، فإن كأن مثله أو أكثر لم يجز قطع الجزء، ولا يجوز للمضطر قطع جزء من آدمي آخر معصوم الدم، كما لا يجوز للآخر أن يقطع عضوا من جسده ليقدمه للمضطر ليأكله. وفى الفقه الحنبلي: إنه لا يباح للمضطر قتل إنسان معصوم الدم ليأكله في حال الاضطرار، ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو غير مسلم، أما الإنسان الميت ففي إباحة الأكل منه في حال الضرورة قولان، أحدهما لا يباح والآخر يباح الأكل منه، لأن حرمة الحى أعظم من حرمة الميت.

 

ثم قال الشيخ جاد الحق: ونخلص إلى أنه يجوز اضطرارا أكل لحم إنسان ميت في قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول في مذهب المالكية ومذهب الحنابلة، ويجوز أيضا عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها حال الاضطرار بالشروط السابق ذكرها. كان هذا ما خلص إليه في فتواه في الخامس من ديسمبر 1979، وفى فتواه في 16 كانون الثاني 1980، قال بالنص: "والذى نختاره للإفتاء هو قول الحنفية والظاهرية وبعض فقهاء المالكية والحنابلة القائلين بعدم جواز أكل لحم الآدمي الميت عند الضرورة لكرامته، والضرورة هي دفع الهلاك وحفظ الحياة(دار الإفتاء المصرية، الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية، إشراف الدكتور زكريا البري وآخرون، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، 1400هـ - 1980م. ج10/ص3711ـ 3712.).

 

واعتقد أن هذا كل ما ورد فى هذا الموضوع لدى فقهاء الإسلام وهذا رأى الأزهر ورأى شيخه الإمام الأكبر الراحل جاد الحق، وكان أليق بالكاتب أن يتحلى بالأمانة العلمية فى الكتاب بدلا من الكذب الذى ليس له قدم ولا ساق ...























 

إرسال تعليق

0 تعليقات