نصر القفاص
أسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا.. ثم نجتهد بحثا عن إجابات.. كل منا
يقول ما يعتقده أو يرضيه, دون أن يكون لرأيه سند من الحقيقة.. أو وقائع تاريخية
واضحة, ولا أقول ثابتة أو سابقة التحقيق.. ولما كانت الأسئلة عميقة, والإجابات
سطحية لحد السذاجة.. نجد أنفسنا مستمرين فى طرح الأسئلة ذاتها, ونجهد أنفسنا – دون
اجتهاد – فى صياغة إجابات.. تلك حالة ندور حولها على مدى أكثر من نصف قرن.. بدءا
بإطلاق ما أسموه "عودة الوعى" وكان الهدف تغييب الوعى!! وبإرادة حاكم
لطى صفحات ثورة "23 يوليو" عقب وفاة قائدها وزعيمها – جمال عبد الناصر –
ومضى على طريقه ونهجه كل من حكم مصر منذ نهاية عام 1970.. حتى بدأنا نسمع عن أهمية
وقيمة وخطورة "الوعى" الذى يرى بعضنا أنه أصبح "مفقودا".. وكم
كان مفزعا أن يتم إسناد مسألة استعادة الوعى, إلى نفر من "الأراجوزات"
الذين اعتبروا أن "الوعى" هو "تجويد النفاق الرخيص" دون قدرة
على ترجمة "الوعى" إلى معلومات وحقائق بمعانيها.. وكلها تحفظها كتب
التاريخ, باعتقاد أن الحقائق ماتت والمعلومات ذابت!!
أخشى أن تأخذنى "دوامة التنظير" الفارغ.. والابتعاد عنها
يكون بالعودة إلى التاريخ واستعراض وقائعه.. فإذا كنت أملك معرفة, فواجبى أن أبوح
بها.. ثم أطلقها فى سماء التفكير لكل من يريد أن يجتهد ويعرف.. فالتاريخ
"علم" وليس مجرد قصص مسلية نلهو بها, أو نمارس العبث بتفاصيله.. لذلك
سأذهب إلى طرح الأسئلة.. وأجتهد باحثا عن إجابات.. ولو أراد البعض الاختلاف فى
الرؤية والفهم, سيكون هذا رائعا شريطة أن يكون قارئا وفاهما وواعيا – ليس لاهيا –
فالذين يقولون كلاما فارغا, ويخدعون أنفسهم بأنه رأى أو رؤية.. أستأذنهم فى أن
يكون ردى بابتسامة باهتة.. ساخرة.. إحتراما للعلم والتاريخ!
أذهب إلى السؤال "المفتاح" والأسئلة التى تدور حوله..
لماذا يكره ويسخر "الشعب المصرى الشقيق" من حزب اسمه
"مستقبل وطن" ويطلقون عليه "مستنقع وطن" كما يحلو لى وصفه..
أو "مستهبل وطن" و"مستغفل وطن" بحسب وصف كثير من الساسة
والعامة؟!.. ويطلق عليه الكاتب الصحفى "ناجى عباس" وصف قدم شرحا له فى
مقالاته بتسميته "حزب الممبار"!!
السؤال يأخذنا إلى سؤال آخر.
لماذا حرق المصريون مقار "الحزب الوطنى الديمقراطى"
عندما اندلعت "ثورة 25 يناير" كما يصفها الدستور؟!.. ثم صدر حكم قضائى
بسقوطه وتجريم أفعاله بحيثيات شديدة الوضوح والقسوة!
السؤال يفرض سؤالا آخر.
لماذا حرق المصريون مقار حزب "الحرية والعدالة" الذى تم
تلفيقه ليحمل الراية, بعد سقوط "الحزب الوطنى الديمقراطى"؟!.. والإشارة
واجبة وضرورية لقولى "تلفيقه" باعتباره حزب خرج من رحم
"جماعة" استمرت لعشرات السنين ترفض الأحزاب وتحاربها.. وكلنا نعلم أنهم
أطلقوا على أنفسهم "جماعة الإخوان المسلمين" واستقر الوعى والعقل الجمعى
على وصفها بالجماعة "الإرهابية" عقب ثورة "30 يونيو" حسب وصف
الدستور.. ربما لأن تاريخها يؤكد أنها قامت على "الإرهاب" الذى مارسته
فى ظل أنظمة مختلفة ومتعاقبة.. وربما لأنها "الجماعة" التى تركها
الاستعمار الانجليزي كخنجر فى خاصرة مصر, بعد أن حمل عصاه ورحل!! وأكد ذلك حكم قضائي
آخر لا يختلف عن الحكم الصادر بحق "الوطني الديمقراطي"!!
بداية.. يفرض التاريخ توضيحا مهما وضروريا.
تم إطلاق "الوطنى" على حزب أو تيار, قبل الاحتلال الانجليزي
لمصر, حدث ذلك حين تكون تيار وطنى قام بقيادته "أحمد عرابى" وسانده
"عبد الله النديم" وتبناه الشيخ "محمد عبده".. ولعلنا نلاحظ
أن أضلاع المثلث ضمت العسكري – وزير الحربية – والمثقف ممثلا فى
"النديم" ورجل الدين المستنير – محمد عبده – ويرى بعض المؤرخين أن هذا
التيار الوطني كان البداية لتشكيل حزب فى مصر.. ويطلق هؤلاء عليه "الحزب
الوطنى الحر".. ثم ظهر حزب وطنى آخر, لحظة ذهاب مصر إلى اختيار تأسيس أحزاب
بمعناها العصرى.. فقام "الحزب الوطنى المصرى" بزعامة "مصطفى
كامل" وحمل لواءه "محمد فريد" من بعده.. واستمر هذا الحزب حتى قامت
ثورة "23 يوليو 1952" التى اجتهدت بإلغاء الأحزاب, واختارت صيغة الحزب
الواحد.. بدأت بما أطلقت عليه "هيئة التحرير" ثم تحولت إلى
"الاتحاد القومى" وصولا إلى صيغة "الاتحاد الاشتراكي العربي"
الذى قرر.. وأراد – أنور السادات – اغتياله ودفنه بمراسم فرح صاخب!!
والمفارقة أن "السادات" نفسه كان جزءا من قرار إلغاء
الأحزاب.. وكان عضوا بمحكمة الثورة التى وقف أمامها قادة الأحزاب متهمين بالفساد
والإفساد.. وكان أحد مؤسسى الحزب الواحد, واستمر كأحد قياداته حتى انقلب عليه من
داخله!! وقبل أن يعيد الأحزاب إبتكر ما أسماه "المنابر" ثم قرر أن يكون
هناك ثلاثة أحزاب فقط.. أحدهما يمثل اليسار – التجمع الوطنى الوحدوى – وثانيهما
يمثل اليمين – الأحرار الاشتراكيين – والثالث يضم الأغلبية – مصر العربى الاشتراكى
– ويلفت النظر أن الحزب الوحيد الذى يحمل راية الاشتراكية – التجمع – لم تظهر فى
إسمه كلمة "اشتراكى"!! وعندما احترق "حزب مصر" فى نار انتفاضة
18 و19 يناير 1977.. قرر "السادات" أن يؤسس حزبا لمنهجه ورجاله, فكان
"الحزب الوطنى الديمقراطى"!! وقد يكون لافتا أيضا أن "الجماعة
الإرهابية" حين ذهبت إلى "تلفيق" حزب اختارت له اسم "الحرية
والعدالة" وهما أكثر ركائز ثورة "23 يوليو" بعد أن إنحازت إلى هذه
القيم والفلسفة قولا وفعلا منذ قامت "الحركة المباركة".
هنا يفرض علينا السؤال نفسه.. هل يكره الشعب المصري الأحزاب؟!
لا يجوز ولا يمكن إطلاقا قبول السؤال بهذه الصياغة.. وبالتالى تسقط
الإجابة عليه من أى زاوية قد يطرحها أحد الذين يجهدوننا بكلام فارغ!! لأن الشعب
المصرى ذهب إلى فرض الأحزاب وأسسها دون قوانين أو قواعد تنظم قيامها, وكان ذلك فى
لحظة قاسية من تاريخ مصر.. حدث ذلك عام 1907 الذى يسميه المؤرخون بعام الأحزاب..
كما أنه الشعب الذى فرض "الوفد" حزبا دون أن يكون حزب!!
وتحدى به الملك والانجليز وجعله عنوانا لثورة من أهم ثوراته..
إتفقنا على تسميتها بثورة 1919, والتى التف عليها الاستعمار بإعلان "استقلال
وهمى" عبر ما تعارفنا عليه باسم تصريح "28 فبراير 1922" وبموجبه تم
إلغاء الانتداب البريطانى, ليحافظ على استمراره كاستعمار!! لكن حزب
"الوفد" فقد هيبته يوم 4 فبراير عام 1942, عندما فرض
"لامبسون" السفير البريطانى فى مصر.. حكومة بزعامة "مصطفى
النحاس" على الملك "فاروق" الذى وصفه بأنه "الولد" فى
مذكراته ووثائق رسمية.. وقال أنه وافق كالدجاجة المذعورة على ما أرادت سلطة
الاحتلال, خوفا من الدبابة والمدفع عندما تمت محاصرة "قصر عابدين"!
هنا فقط يجب أن نفتح قوسا لنشير إلى ما يدهشنا.. حين حاصر
"أحمد عرابى" وزملاؤه من قادة وجنود الجيش المصرى "قصر
عابدين" طلبا لدستور ومجلس نيابى.. يصفه "خدم الملكية والاستعمار"
بأنه كان "هوجة عرابى".. ولما حاصر الانجليز "قصر عابدين" بالدبابة
والمدفع, يسمى هؤلاء ما حدث بأنه "واقعة" أو "حادث" ومازال
البعض يبرر هذه "الجريمة" أو "الكارثة" التى كانت ذروة العار
فى تاريخ مصر الحديث.. وحين اختارت "الجماعة الإرهابية" إجهاض
"ثورة 23 يوليو" ذهبوا إلى حصار "قصر عابدين" وأطلقوا على ما
فعلوه "أحداث مارس 1954"!! ولك أن تفكر فى الأمر وفق ما ترى.. وأكتفى أن
أضع ذلك أمامك!!
بداية من تولى "الوالى" إسماعيل حكم مصر.. ثم اشترى لقب
"الخديوى" من الدولة العثمانية.. اختار منهج حكم غير واضح.. فهو يراوح
بين التقرب من الشعب, والرغبة فى أن يكون حاكما يتصرف فى البلاد كما لو كانت ملكا
خالصا له.. يحلم بتطوير البلاد لتكون مثل "فرنسا" ويعجز عن تدبير موارد
لتحقيق الحلم.. فذهب إلى الإفراط فى الاستدانة, وفرط فى سيادة البلاد.. وبين تاريخ
توليه السلطة عام 1863 وعام موافقته على بيع حصة مصر فى قناة السويس مضى 12 عاما
فقط.. ففى صيف عام 1875 باع أسهم القناة إلى "دزرائيلى" رئيس الحكومة
الإنجليزية, الذى مول الصفقة من مصرف "آل روتشيلد" وتمت الصفقة يوم 25
نوفمبر.. لتنشر صحيفة "التيمس" أن اتجاه انجلترا لشراء حصة مصر من أسهم
قناة السويس, لا ينفصل عن علاقتها مستقبلا بمصر.. فلا يمكن أن نفصل مصير مصر, عن
رؤيتنا للمستقبل!! ولما كان الخديوى "إسماعيل" قد تولى حكم مصر دون أن
يكون عليها ديون.. وتقول تقديرات أنه كان عليها ديون تبلغ خمسة ملايين جنيه.. فقد
تضاعفت لتصل إلى 45 مليون جنيه, قبل عزله ليقيم فى "نابولى" بإيطاليا..
كما حدث مع حفيدة "فاروق" ليلة 26 يوليو 1952.. ومات فى الآستانة –
إسطنبول – يوم مارس 1895.. فوافق حفيده "عباس الثانى" على نقل جثته
ليدفن فى مسجد "الرفاعى" بالقاهرة.
تولى الخديوى "توفيق" الحكم لتشهد البلاد ظهور تيارا
وطنيا, يرفض وصاية بريطانيا وفرنسا على مصر بتعيين وزيرين كأوصياء ضمن الحكومة..
وتتوالى أحداث كثيرة وكلها خطيرة.. كان "محمود سامى البارودى"
و"أحمد عرابى" و"شريف باشا" و"محمد عبده"
و"عبد الله النديم" و"عبد السلام المويلحى" و"رياض
باشا" هم عناوين هذه المرحلة.. بينما كانت عواصم الدول الكبرى ترتب اتفاقاتها
للإجهاز على مصر.. وتم "طبخ" ما أسموه "ميثاق النزاهة" مع
السلطان العثمانى, للتخلص من محاولات المطالبة بالدستور وتشكيل مجلس نيابى وتطوير
الجيش.. وتلك كانت مطالب "الثوار" الذين أطلقوا عليهم وصف
"العصاه" وجعلوا من وزير الحربية – أحمد عرابى – متمردا يقود
"العسكر" لممارسة "طغيان عسكرى" وذلك جعل حكام بريطانيا
يقسمون بالشرف البريطانى أنهم لا يطمعون فى احتلال مصر.. ويؤكدون على احترامهم
لتعهدات بريطانيا الدولية!!
حدث ذلك لمجرد ظهور تيار وطنى اتجه إلى تشكيل حزب اسمه
"الوطنى الحر" رغبة فى تأسيس نظام حكم, يحترم شعبا دفع أثمانا فادحة
طوال مئات السنوات من الاستعباد.. وكان عنوان إجهاض المحاولة "مواجهة تمرد
العسكر" وانتهت الأمور إلى احتلال انجليزى فوق احتلال عثمانى!!وبداية من لحظة
احتلال مصر عام 1882 وحتى تحريرها بقيام ثورة 23 يوليو 1952, إستمر الاستعمار يكذب
ويتلاعب بورقة "الديمقراطية" وكم هو مفزع أن نجد أنفسنا.. مازلنا ندور
حول أنفسنا باعتقاد زائف أن مصر, عاشت "زمنا ليبراليا" يطلقون عليه
"حقبة الديمقراطية" وتفاصيلها بالمعلومات والحقائق تؤكد أنه تم توطين
"الديمقراطية الفاسدة" فى مصر لتأخذ ألوانا وأشكالا آخرها حزب اسمه
"مستقبل وطن" وأسميه "مستنقع وطن".. وذلك يفرض علينا فتح كتب
التاريخ لعلنا نعلم ونفهم.. ولعلى أسهم فى "عملية الوعى"!!
يتبع
0 تعليقات