آخر الأخبار

عندما تكون (الدولة) فاعلاً ، ومفعولاً به ..

 



 

حمدى عبد العزيز

17 ديسمبر 2021

 

محمد عثمان إسماعيل الذراع اليمني للرئيس المصري الأسبق أنور السادات وأمين التنظيم السياسي الوحيد للدولة حينذاك (الإتحاد الاشتراكي العربي) ثم محافظ محافظة أسيوط التي شهدت جبالها وزراعاتها في آواخر سبعينيات القرن الماضي ظهور الجماعات الجهادية المسلحة التي وضع بذرتها محمد عثمان إسماعيل بالاتفاق مع الرئيس المصري الأسبق كتب مذكراته بعد أن وصل من العمر مبلغ التقاعد والتذكر وجرد ماصنعت يداه خلال عمر مضي ، وأعدها للنشر الصحفي عاطف عبد الغني ..

 

، يقف المتأمل لما جاء في هذه المذكرات عند مايفضح دور أجهزة الدولة المصرية في بناء وتشكيل الجماعات الإسلامية في السبعينيات ، ومن ثم ظهور ظاهرة ماسمي وقتها بالصحوة الإسلامية كشعار إيديولوجي تصاعد فوصل إلي ذروة محنة خطيرة خيمت علي سماء المجتمع المصري وأمسكت بمفاصله التحتية ولازلنا حتي الآن نواجه تداعياتها التي أزهقت فرص التحديث والتقدم علي حياة المصريين ..

كانت الدولة المصرية فاعلاً ومفعولاً به في هذه الوقائع التي يستدل منها عبر كلام عثمان إسماعيل ممثلة في الاتحاد الاشتراكي ، ووزارة الطيران ، ووزارة الأوقاف ، ووزارة الحكم المحلي ..

 

فمن حصيلة الضرائب التي يدفعها الشعب المصري ، ومن مساهمات أبنائه الممزوجة بالمعاناة والجهد والعرق والدماء في الناتج القومي العام ، كانت الدولة ممثلة في هذه الهيئات تقوم بالنزح من تلك الحصيلة للإنفاق علي خلق وتجميع وتدريب الجيل الثالث من الحركات الإسلامية وهو الأمر الذي كانت تسهر علي إدارته وتنفيذه هيئة أركان مكونة من (السادات - الملك فيصل - كمال أدهم - حسن التهامي - عثمان احمد عثمان - محمد عثمان إسماعيل ، وحلمي عبد الآخر وآخرون ) ، وذلك في سياق الإعداد للتحولات الاجتماعية والسياسية الكبري في مصر ، وتشكيل رأس الحربة السياسي لتحالف طبقي بدأت عملية التمكين لهيمنته علي كامل الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر ، ليتوازي ذلك مع إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط مع بدأ مرحلة البترودولار ، والتسويات والترتيبات الإستراتيجية الكبري في المنطقة لصالح هيمنة المراكز الرأسمالية الدولية ، وخدمة الأهداف الأمريكية في المنطقة والعالم ..

 

ويبدو أن السادات منذ، بداية توليه الحكم قد أطلق يد لرفيق دربه وساعده الأيمن وحامل ملفات مشروع إعادة هيكلة الأوضاع الاجتماعية والسياسية علي نحو يستجيب وظيفياً لمشروع البترودولار الأمريكي وما صاحبه من تحولات كبري بدأت تجري علي واقع كل دول الشرق الأوسط ..

 

محمد عثمان إسماعيل رجل السادات القوي ، ومحافظ بني سويف فأسوان فأسيوط وفي نفس الوقت أمين تنظيم الإتحاد الاشتراكي العربي (التنظيم السياسي الذي كان يجمع داخله خيوط إدارة كل من الدولة والسلطة والعمل العام في الوقت نفسه) ، وفي ظل تداخل وصل لدرجة أنه قد أصبح تعبيراً بنيوياً عن إزاحة كل الحدود والخطوط المتعارف عليها بين الدولة والسلطة والنظام السياسي والدمج الشديد لكل هذه المكونات كتجسيد لتلك المركزية المصرية الخالدة ..

 

تأبط محمد عثمان إسماعيل ملف إنشاء الجماعات الإسلامية عبر تجنيد طلاب الجامعات ، وأطلقت يده بصلاحيات مستمدة من رئيس الجمهورية وبتفويض جعله الممثل الشخصي له أمام جميع أجهزة الدولة والوزارات وكل الجهات التنفيذية ..

 

يقول محمد عثمان إسماعيل في مذكراته ..

[طلبت من الرئيس السادات أن نأخذ بعض العمارات السكنية في القاهرة لنجعل منها مدينة طلابية يسكنها من نختارهم من الطلاب ليتلقوا برنامجا إسلاميا فوافق الرئيس السادات وطلب مني أن أذهب إلى حمدي عاشور محافظ القاهرة وأطلب منه العمارات التي أريدها وهبت بالفعل إلى المحافظ وطلبت منه العمارات بناء على أمر الرئيس ودون أن أذكر له سبب ذلك لكنه أعتذر بأنه لا توجد مبان سكنية جاهزة وأبدي استعداده لأن يوفر ذلك بعد سنة.

 

كان لا يمكن الانتظار ففكرت في البدء مع تأجيل مسألة السكن وفكرت فيمن يعاونني في تلك المهمة . المرحوم المستشار منير السعيد مدير مكتبي بأمانة التنظيم كان رجلا فاضلا تربطني به صلة صداقة وأخوة لذلك صارحته بالأمر فسعد به وأبدي استعداده للقيام باختيار بعض الطلاب كنواة لتلك الجماعات على أن ألتقي أنا بهم بعد ذلك في مجموعات .]

 

هكذا تحدث محمد عثمان إسماعيل وهكذا نكتشف كيف كانت الدولة المصرية تدار في جزئها الغاطس تحت السطح في هذه اللحظة التاريخية المفصلية التي يمكن تحديدها زمنياً بلحظة النصف الأول من حقبة سبعينيات القرن الماضي ، وهكذا كانت تدار غرفة عمليات إعادة إنتاج وتصفيف الحلقة الثانية من حركات وتنظيمات التأسلم السياسي ، وكان محمد عثمان إسماعيل عنواناً لهذا الجهد الذي جري التخطيط له عبر (واشنطن الرياض القاهرة) سراً ، قبل أن ينتقل هذا التحالف إلي ظهوره العلني مع تصاعد حقبة البترودولار ..

 

وعندما يحاول محمد عثمان إسماعيل الشيخ المتقاعد التحدث في مذكراته الشخصية لإضفاء (نزاهة) مزعومة يراها هو وحده لطبيعة دوره .. نراه يقع دون أن يدري ، ويفضح الكثير من الحقائق حيث أراد أن يستر الحقيقة العارية لهذا الدور الذي كان يتم تمويله من ميزانية وزارة الطيران المدني ، ووزارة الأوقاف ومن خلال إجبار شركات القطاع العام المنتجة للمعلبات الغذائية بالأمر أن تخصص جزء من إنتاجها ليوزع مجانا علي أعضاء الجماعات الإسلامية في الجامعات لتغطية نفقات الحج المجاني علي حساب الدولة ، ولمن لم يعاصر تلك المرحلة فأن مواسم الحج والعمرة كانت تستغل كأكبر عملية تأمين عقد المؤتمرات والدورات التدريبية والتثقيفية التي تديرها قيادات الإخوان المسلمين وفاعليات منظمات وحركات التأسلم السياسي ، وهو عملياً كان بالنسبة لهذه الجماعات بمثابة السيمنار الموسمي لوضع ومراجعة استراتيجيات هذه الجماعات في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط بأسرها .. فكان هؤلاء الطلاب يبعثون في حقيقة الأمر لتلقي عمليات التثقيف والتدريب اللازمة لمرحلة سيكونون أحد مكوناتها وستسيطر أشباحها علي العقود التي ستبدأ من النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وحتي التاريخ القريب

 

يقول محمد عثمان اسماعيل ..

[ .. للحقيقة والتاريخ أقول : لم يحدث أن أعطي طالب مليما واحدا لكننا رتبنا لهم أداء فريضة الحج والعمرة نظير اشتراك من مالهم الخاص واقتصرت مساعداتنا لهم في الحصول على تخفيض في ثمن تذاكر الطيران بمقدار 50% وتفضل بمنحنا ذلك وزير الطيران في ذلك الوقت الأستاذ أحمد نوح حصلنا أيضا لهم على الإقامة المجانية بمعرفة وزارة الأوقاف في التكية المصرية بالمملكة السعودية كما حصلنا من بعض شركت الأغذية المحفوظة على شنطة بها بعض المعلبات الغذائية تكفي الطالب مدة إقامته وأذكر أن اشتراك الطالب في ذلك الوقت كان خمسين جنيها وأعداد قليلة منهم هي التي فازت برحلتي الحج والعمرة ]..

______________

 

إرسال تعليق

0 تعليقات