عزالدين البغدادي
يحتفل كثير من الناس هذا اليوم بذكرى مولدة السيد زينب الكبرى
العقلية (ع) الذي يصادف هذا اليوم. من الطبيعي أن يفرح المؤمن بما بفرح آل البيت
ويحزن لما يحزنهم، إلا أنّ هذا لا يعني أن نكوّن لأنفسنا سلوكا دينيا خاصا بهم، أو
يجعلنا كما لو نعيش غير زمننا. مثلا عند أقرا عن مولد النبي (ص) فمن الطبيعي أن
هذا يمثل يوم سرور، وعندما أقرأ عن معركة أحد، فمن الطبيعي أن أتألم لما أصاب
المسلمين يوم أحد، لكن غير معقول أن أصرخ وأبكي وأضرب على رأسي لأن حمزة قتل قبل
أكثر من 1400 سنة في معركة أحد مثلا. بينما تجد مبالغة كبيرة عندنا في الاحتفالات
حتى كنت أرى أن هناك من يؤرخ لوفاة أبي طالب وعبد المطلب ثم يذكر أربعينهما‼
هذا رغم أنه لا يوجد دليل على أن الأئمة مثلا كانوا يفرحون ويحزنون
لما مضى بهذا الشكل المبالغ فيه، والخارج عن حدود التعامل العقلائي مع حدث تاريخي
ذهب ومضى. نعم وردت روايات كانت تؤكد كثيرا على الفرح والحزن، وأن شيعتنا… يفرحون
لفرحون ويحزنون لحزننا، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال : "رحم الله
شيعتنا خُلِقوا من فاضل طينتنا وعُجنوا بماء ولايتنا ، يحزنون لحزننا ويفرحون
لفرحنا" ورويت عدة روايات بهذا المعنى لا يكاد يصح منها شيء، ومعظمها ورد في
كتاب "ذخائر العقبي" وهو كتاب متأخر جدا.
لقد زرعت ثقافة الفرح المبالغ فيه والحزن المبالغ فيه، رغم أنّ هذا
لم ليس أمرا محمودا، وقد قال تعالى: ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ ) ، وقال الشاعر العربي يفتخر بخلقه:
ولستُ بِمفراحٍ إذا الدهرُ سرّني ولا جازعٍ مـن صرفِــهِ المتقلّبِ
حزن النبيّ (ص) على عمّه حمزة، بل وبكى عليه بكاء شديدا، لكنه لم
يطلب منهم أن يجددوا حزنا أو فرحا كلّ سنة، لأنّ الفرح والحزن أمران تلقائيان
يحصلان انفعال النفس بما يبعث على الحزن أو السرور، لكن هذا الانفعال كأي انفعال
لا يستمر، ولا معنى لأنّ يطلب منا الشارع أن نفعل ذلك باستمرار. بل حتى الروايات
التي جاءت في هذا المعنى فإنها مع ضعف سندها تصف حالا، وليس فيها لسان تكليف، وليس
لك أن تقول بأنها من قبيل ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ ) ، لأن الفرح والحزن لا يتعلق بهما تكليف، بل هما أمران قهريان
يتحققان بتحقّق أسبابهما.
إن هذه الأمور تحقق وتبلور فعلا هوية شيعية، لكنها تعطيهم هوية
خاصة على حساب انتمائهم للأمة ككل، فضلا عن أنه يجعلون الناس يعيشون الفرح والحزن
ويتلمسونه في غير زمنهم وواقعهم، وبالتالي فهو يضعف الشعور بالحاضر…
هذا رأيي والله المستعان.
0 تعليقات