آخر الأخبار

من أخرج اليهود من أوطانهم (العراق أنموذجا) !!

 

 

 

 


 

 

محمود جابر

 

بما أن لكل عصر تقاليده، والناس على دين ملوكهم، وبما أن اليهود اليوم يملكون اقتصاد العالم، إعلامه، يملكون منح جوائز عالمية كنوبل للسلام ونوبل للأدب، يمنحون دويلات على هامش الكون والحضارة تجارة لا تتوقف وحركة طيران كأزيز النحل ليل نهار، فقد تسابق عدد من الكتاب بقصد التقرب من سلطان العصر يزرف الدمع فى بلاطه على أبناءه الذين هجروا من مصر، والعراق، وليبيا، وسوريا.....

 

يُعاد طرح السؤال بصيغ متعددة، ومع موسيقى تصويرية تمثل ذلك اليهودي الوديع المتفوق المتمسك بالوطن والطين والتقاليد والطبخ والملبس، إلا أن المستبدين من الحكام قاموا باقتلاعهم عنونة والقوا بهم فى غياهب الأرض فى ارض فلسطين المحتلة ...

 

وفى فلسطين المحتلة شكل هؤلاء اليهود الودعاء الطيبين ميليشيات وجيش لحماية الفلسطينيين من أنفسهم وإنقاذ ارض فلسطين منهم، وبالتالي فانزلوا بهم عقابا مستحقا، فقاموا بقتلهم وطردهم وتهجيرهم وإحراق مزارعهم وقتل أبنائهم، ولم يكتف هؤلاء الطيبين من اليهود المهجرين بما فعلوه فى فلسطين والفلسطينيين، ولكن قاموا بالتوزيع جهدهم على مصر فضربوا مدرسة بحر البقر الابتدائية من فرط رحمتهم ووداعتهم، وما فعلوه فى مصر فعلوه فى الضفة الغربية لنهر الأردن وفى الجولان السورية وفى لبنان حتى وصل جهودهم المباركة الى بيروت فى عمق لبنان .......... فهل هناك طيبة ووداعة وأخلاق رفيعة ابلغ من ذلك ؟!!

 

فهذا زمن الإبراهيمية اليهودية الصهيونية الذى يرد ان يقتلعنا من أرضنا، ويتباكى على حفنة مجرمة متآمرة، ولا يرى كم من الفلسطينيين هجروا وشردوا وقتلوا وسجنوا، ولا يرى مئات الآلاف من اللبنانيين الذين تم إبادتهم، ولا يرى ما فعلوه فى العراق من احتلالها وما فعلوه فى سوريا وفى الجولان ......... كل هذا لا يراه أصحاب الانتصار للحق اليهودي.........

 

يهود العراق :

 

في أواسط سنة 1925ميلادية، أي بعد تشكيل الحكومة بقليل حضر إلى العراق مندوب من قبل الجمعية الصهيونية في فلسطين لغرض تأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة في هذا البلد، لترويج مبادئ الصهيونية لدى الجيل الناشئ، وبث الدعاية للهجرة إلى فلسطين.

 

تبنت الحكومة العراقية هذا المشروع، مشروع غرس نواة الصهيونية في العراق والسمح بتأسيس وكالة صهيونية ونادي ومدرسة بإجازة من الحكومة، بدأت هذه المؤسسات ببث الدعاية لترويج وتحبيذ الصهيونية في العراق، وتشجيع الهجرة إلى فلسطين تحت رعاية الحكومة وحمايتها.

 

وقد عينت الوكالة الصهيونية مندوبا لها فى العراق كان معترفا به من الحكومة العراقية، بل إن دائرة السفر والجنسية كانت لا تعطي جواز سفر إلى فلسطين إلا أن يصادق على هذا الجواز المندوب المذكور، بالوقت ذاته اتخذت الحكومة العراقية تدابير معاكسة في نشر الدعاية الصهيونية في المدارس الرسمية وفي وحدات الجيش وفي المطبوعات، وعندما قامت المظاهرات (ضد السر الفرد موند) عند قدومه للعراق في 1928م باعتباره أحد أقطاب الصهيونية، لم تفكر بإلغاء إجازة المدرسة الصهيونية الممنوحة من قبلها، بل استثمرت هذه المدرسة والمؤسسات الأخرى في أعمالها، ولم تقدم الحكومة على إلغائها إلا بعد أن قامت الطائفة الإسرائيلية باحتجاج شديد لدى أولياء الأمر على هذه الأعمال ذات الوجهين، وكان ذلك في العام 1934م، أي بعد اثنتي عشرة سنة من التأسيس .

 

وقد حاولت الصهيونية استدراج جميع اليهود الموجودين في العالم، وتوطينهم في فلسطين المحتلة، من أجل خلق وطن قومي لهم على أرض عربية، لن تتحقق بدون وجود العنصر البشري، وبأعداد كبيرة، تحقق لها نمواً سكانياً وعمرانياً واقتصادياً وعسكرياً .

 

ومن بين الدول التي دأبت على استدراج اليهود فيها هي دولة العراق، والتي كانت تضم مئات الآلاف من اليهود، الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع الشعب العراقي المسلم.

 

ولم يبق اليوم من اليهود في العراق سوى أعداد قليلة لا تتجاوز العشرات من كبار السن، رغم أن عدد يهود العراق، كان يأتي في المرتبة الثانية من عدد اليهود العرب بعد يعود المغرب، وبلغ تعداد يهود العراق في منتصف القرن الماضي، أي بعد قيام إسرائيل نحو 120 ألف يهودي، وتراجعوا سنة 1958م إلى ستة آلاف، ثم تناقصوا سنة 1969م إلى ألفين وخمسمائة يهودي!

 

هذا غير اليهود الأكراد الذين بلغ عددهم 100 ألف (موسوعة اليهود واليهودية د.عبد الوهاب المسيري)، وفي المقابل كان يهود البلاد العربية يشكلون أقلية صغيرة بالنسبة ليهود العالم، وأصبح اليهود العرب يشكلون أغلبية سكان إسرائيل.

 

وقد استطاعت الحركة الصهيوني اجتذاب هؤلاء اليهود من العراق بطرق تحريضية وقسرية، حيث افتعلت بعض الأحداث بين اليهود، واستغلت أحداثاً أخرى .

 

ومن هذه الأحداث ما أطلق عليه اسم "أحداث فرهود" سنة 1941م.

 

أحداث فرهود

 

يقول شيخ المؤرخين العراقيين السيد عبد الرزاق الحسني واصفاً لما حدث في أحداث فرهود التي واكبت هزيمة الكيلاني وجنوده في صد التدخل البريطاني في العراق عام 1941م: صادف يوم الأحد أول حزيران 1941م عيد زيارة النبي يوشع عند اليهود، فخرج لفيف منهم إلى المطار المدني للتنزه، وللتفرج على مهرجان استقبال الأمير عبد الإله، وكان فريق من المسلمين والمسيحيين قد خرج إلى هذا المطار للغرض نفسه، فحدثت مشادة كلامية بين أحد اليهود وأحد المسلمين، أدت إلى ضرب ولكم، اشترك فيهما لفيف من الفريقين، وأسفرا عن جرح سبعة عشر يهودياً ووفاة اثنين من المجروحين، فأسف الجميع لهذا الحادث غير المنتظر، وعد حادثاً اعتيادياً انتهى باعتقال المعتدين، فلما كان مساء اليوم المذكور أذاعت متصرفية لواء بغداد البيان الآتي على طلب من (لجنة الأمن الداخلي :

 

يسمح للجمهور التجول في العاصمة وضواحيها ليلاً كالسابق، بدون تحديد الوقت اعتباراً من مساء الإثنين الموافق 2/6/1941 – متصرف لواء بغدادوعدَّ الجمهور من مسلمين ومسيحيين ويهود أن الحالة في العاصمة أصبحت اعتيادية، وأن لكل واحد أن يتمتع بكامل حريته، دون أن يدركوا ما كان يبيته القدر، فلما كان اليهود يرتادون مجالس النزهة والتسلية ونوادي الترف والفرح، ويعلنون عن انشراحهم بانتهاء الحركات العسكرية واندحار الكيلاني وجماعته، حتى وجدوا قطعات الجيش العراقي تنسحب من ميادين القتال وعليها آثار الخيبة والكآبة، ويظهر أن بعض الشبان (اليهود) أظهر شماتته بهذه النتيجة، وأسمع الجيش المنسحب الكلمات الاستفزازية . وكان الجيش البريطاني الزاحف على بغداد يلتمس وسيلة لمشاغلة الأهلين، على نحو ما فعله بالعشار في صباح يوم السابع من آيار 1941م، كما أن أنصار السيد الكيلاني كانوا يبحثون عن وسيلة لإقلاق الرأي العام، فحصلت مناوشات كلامية بين الفريقين (من يهود وقوات الجيش العراقي المنسحب) في نحو الساعة الثامنة مساء تطورت إلى التدافع، فتضارب فاقتتال، فأسرعت سيارة الشرطة إلى موضع الاضطراب، واستطاعت أن تعيد الأمن إلى نصابه.

 

وخرج الناس إلى الشوارع العامة في صباح اليوم التالي (2 حزيران) وهم لا يعلمون عن حوادث الليلة الماضية إلا شيئاً يسيراً، وكانت القطعات العراقية مستمرة في انسحابها، تنسحب من (معسكر الوشاش) في جانب الكرخ إلى (معسكر الرشيد) و(القلعة المدفعية) في جانب الرصافة عابرة (جسر المأمون) فتكررت حركات الشبان اليهود الاستفزازية وغلا الحماس في نفوس فريق من الشبان المسلمين، فحدثت تراشقات مؤسفة بين شبان الفريقين، تطورت إلى مصادمات دامية.

 

ولما كانت العاصمة بقيت بدون حكومة مسؤولة، هاجم الأعراب المحيطون بها بعض الأنحاء، وشرعوا في نهب البيوت والأسواق، وانضم لفيف من الرعاع إلى هؤلاء الأعراب فوقعت حوادث أدمت القلوب وخلقت الرعب في نفوس الناس، وكان الزعيم الركن حميد نصرة في داره بالكرخ، وبصفة كونه ممثل الجيش في (لجنة الأمن الداخلي) انتقل إلى مقر عمله في الرصافة، واتصل بمدير الشرطة العام حسام الدين جمعة (العضو الثاني في هذه اللجنة) وسأله عن أسباب عدم منع الغوغاء من أعمال السلب والنهب والقتل فرد المدير على ذلك بأن المنع يتطلب استعمال القوة، وأن متصرف لواء بغداد السيد خالد الزهاوي غير موجود ولا يعرف محله ليعطي الأمر اللازم باستعمال القوة بحسب السلطة القانونية المخولة له، وبعد أخذ ورد طويلين، اتصل الفريق إسماعيل نامق بصفة كونه أكبر قائد في الجيش آنئذ اتصل بصاحب السمو الوصي وعرض عليه أن الحالة تتطلب أن يدون سموه أمراً باستعمال القوة لقمع الاضطراب وإنهاء الفوضى فوافق على هذا العرض ووقع الأمر الآتي نصه:

إلى رئاسة أركان الجيش بناء على عودتي للعراق، فقد توليت السلطة بكاملها لذا آمركم أن تقوموا بمنع المظاهرات الموجودة في البلد الآن، وضرب العابثين منهم بالنظام والناهبين والمعتدين على الأهلين، ولكم مطلق الحرية في استعمال السلاح لهذه الغاية إذا تطلب الأمر ذلك2حزيران 1941م الوصي على عرش العراق: عبد الإله.

 

فأسرع لواء الخيالة ومعه بعض السرايا من المشاة المدججين بالسلاح إلى النزول في شوارع العاصمة وأسواقها وأعقبتها السيارات المصفحة، فاحتلت مداخل الشوارع الرئيسية وأقامت المتاريس على مفترقات الطرق، وشرعت في إطلاق النار في نحو الساعة الحادية عشر والنصف، فقتل 110 نسمات وجرح كثيرون، وصدر على الإثر هذا البيان بتوقيع رئيس أركان الجيش محمد أمين العمري الذي تولى هذا المنصب في هذه المدة العصيبة :إلى الشعب العراقي الكريم سبق إذ أذاعت عليكم (لجنة الأمن الداخلي) بياناً رسمياً من عقد الهدنة مع الحكومة البريطانية وفقاً لشروط شريفة حفظت لنا استقلال بلادنا، وعرف جيشنا الباسل غير منقوصين، فالجيش الذي كان لا يزال الحارس الأمين للبلاد وحقوقها قد أخذ على عاتقه في هذه الآونة العصيبة من تاريخ بلادنا السيطرة على الموقف سيطرة كاملة، وذلك بغية توطيد الأمن في البلاد، وتمهيداً لفتح صفحة جديدة في حياة هذه الأمة التي أثبتت جدارتها للحرية والاستقلال، ولهذا نطلب من أبناء شعبنا الكريم مؤازرتنا، مؤازرة فعلية لحفظ حقوق الأفراد وملازمة الهدوء والسكينة في كافة أنحاء المملكة، وبمناسبة قيام بعض الغوغاء بأعمل دنيئة في العاصمة، فإني أعلن منع التجول منعاً باتاً منذ الآن وحتى إشعار آخر، وقد أصدرت أمراً قاطعاً بإطلاق الرصاص على كل شخص يخالف هذا الأمر، أما أولئك الذين يحاولون الاعتداء على حرمة البيوت والمتاجر فيعدمون أينما وجدوا فيا أبناء الوطن الكريم اثبتوا للعالم في هذه اللحظة الرهيبة من تاريخ أمتنا أنكم أهل للحرية، وجديرون بالاستقلال الذي تمتعتم بحلاوته، فتعاونوا مع جيشكم الباسل في حفظ السكينة والهدوء لحين تأليف الوزارة الذي سيتم قريباً وفقاً للأسس الدستورية. بغداد 2حزيران 1941 رئيس أركان الجيش: محمد أمين العمري...

 

الحركة الصهيونية و تفجيرات عام 1950م:

 

أيقنت الحركة الصهيونية بعد تلك الأحداث، وبعد الفشل في الاستحواذ على اليهود العراقيين وإرغامهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة أن هنالك طريقة واحدة يمكن أن تحقق لها النجاح في مهمتها الصعبة، فليس من السهل أبداً إرغام آلاف اليهود الذين يعيشون في أمن وسلام في العراق، ويتمتعون بنفوذ تجاري ضخم يستحوذ على تجارات معينة كالذهب والصرافة، أن يتركوا كل شيء ويذهبوا إلى وطن مصطنع. قررت الحركة الصهيونية أن العنف و الرعب هما السلاحان الوحيدان اللذان يمكن أن يجبرا اليهود العراقيين لمغادرة بلادهم، لذلك ومع بداية عام 1950م، بدأت هذه الحركة بتنفيذ مخطط العنف والإرهاب" ففي 8/4/1950م وفي الساعة التاسعة والنصف مساء يوم السبت المذكور، وعندما كان يهود بغداد عائدين إلى بيوتهم بعد أن تمتعوا بتمضية عطلة نهاية الأسبوع في شارع أبي نواس تصحبهم عوائلهم، إذ يدوي انفجار هائل عنيف لم تعتد على أمثاله مدينة بغداد الآمنة يهز شارع أبي نواس، و مكان الحادث بالضبط يقع في الشارع الفرعي الذي يربط شارع السعدون بشارع أبي نواس، وهو الفرع الثاني عند مدخل شارع أبي نواس الذي تقع فيه كازينو البيضاء، لم يسفر الانفجار المذكور عن أية ضحايا، بل جرح بعض الأفراد نتيجة تطاير شظايا القنبلة المنفجرة.

 

وعند قيام السلطات الشرعية بإجراء التحقيق البدائي لم يتمكنوا من العثور على أية أدلة لتوجيه التهمة لأي كان، ووضع الحادث تحت أنظار المسؤولين، وأعلنت السلطات بأن التحقيقات ما زالت جارية، أخذ الناس يتناقلون الخبر غير السار بينهم من الخلف، ولقد ظهر ذلك واضحاً على أبناء الطائفة اليهودية، حيث شنت حملة إعلامية من قبل أطراف صهيونية ضليعة بالحادث الإجرامي المذكور لتهويل ما حدث، وإعطاء مفهوم بأن مستقبلاً مظلماً لا يعرفه إلا الله بانتظار الطائفة اليهودية إذا ما هي أصرت على البقاء في العراق، وما الذي حدث مساء السبت إلا نذير العاصفة ووحدت الأيدي الصهيونية العاملة، أما رد الفعل للانفجار الأول عند أبناء الطائفة لم يكن كما ينبغي حسب المخطط المرسوم له، فقد عدَّ ما حدث غير مقصود ضد جهة معينة رغم كثافة الإعلام الصهيوني المضاد وخاصة وأنه لم تتمخض عنه أي خسائر بشرية أو مادية ذات قيمة، فانتبهت الصهيونية إلى ذلك وصارت في حيرة من أمرها وهي الداعية العاملة على تهجير يهود العراق بكل وسيلة ممكنة وبأسرع وقت مستطاع، فأجلت القيام بالمزيد من عمليات الانفجار قرابة الثمانية أشهر حين حصل الانفجار الثاني بتاريخ 14/1/1951م عند كنيس مسعود شمطوب على إثر انفجار قنبلة يدوية، أما الانفجار الثالث فقد وقع في بناية مكتب الاستعلامات الأمريكية الكائن في شارع الرشيد 19/3/1951م باب الأغا، وألحق بانفجار رابع على منطقة أنبية لاوي للسيارات، والذي استعملت فيه مادة متفجرة وانتهت هذه الحوادث بحادث الانفجار الأخير الذي وقع قرب بناية ستانلي شعشعوع في شارع الرشيد، هذه هي سلسلة الانفجارات التي أريد بها زعزعة النظام في العراق والعمل على إراقة الدماء فيه، وعلى إثر ذلك أصدرت الدوائر المتخصصة بياناً حول الأحداث أعلنت فيه أن الحكومة عازمة على الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن في هذا البلد، ومما جاء في البيان المذكور الذي صدر بتاريخ 16/1/1951م أن الحكومة باذلة أقصى ما في وسعها لمعرفة الجناة فضاعفت الشرطة جهودها من التحقيقات والتحريات تبين وجود شبكات جاسوسية في بغداد، فألقي القبض على شخصين هما العقل المدبر للشبكة، وتوصلت إلى معرفة شركائها الفعليين فألقي القبض على أغلبهم، ولقد تبين أيضاً الذين قاموا بإلقاء المتفجرات هم من المقبوض عليهم، وكان غرضهم الإخلال بالأمن وإظهار العراق أمام الرأي العام العالمي على غير حقيقته، وكذلك كشف الحقيقة أن هناك متفجرات وأسلحة من أنواع مختلفة أخفيت في محلات عديدة من دار المتهمين يوسف وسليم ولدي عبد الله مراد خبازة الواقع في محلة البتاوين، ومن جملة ما عثر عليه وثيقة مؤرخة في 4/4/1950م تشير إلى وجود أسلحة في كنيس عزرا داود الواقع في البتاوين.

 

 كذلك عثر على خرائط ذات أهداف عسكرية وسجلات بأسماء الأعضاء المنتسبين إليها أحيل المتهمون الذين ألقي القبض عليهم وأودعوا التوقيف، وهنا حصل ما لم يكن بالحساب فقد استطاعت الصهيونية توكيل أبرز محامي العراق للدفاع عن المتهمين، وفعلاً فقد تم طلاق سراح أخطر المتهمين الموقوفين أمثال: (نسيم موشي نسيم) الذي كان قد توكل عنه المحامي الكردي جلال بابان الذي كان يشغل منصباً وزارياً سابقاً بعد أن ربط بكفالة مقدارها (600) دينار، وتمكن بعدئذٍ من الهرب إلى تل أبيب.

 

الهجرة وإسقاط الجنسية:

 

لم تكن الحركة الصهيونية لتستطيع عن طريق هذه التفجيرات والأحداث الدموية أن تحقق هدفها الذي تطمح إليه إلا من خلال تعاون الحكومة العراقية نفسها، كأن تصدر قانوناً لهجرة اليهود على سبيل المثال وبالفعل فقد كشف نعيم جيلاوي اليهودي العراقي المقيم في نيويورك مؤخراً، عن جانب من نشاط الحركة الصهيونية في العراق، والذي يقوم فيه.. "تم لقاء بين بن جوريون ونوري السعيد سنة 1948م في فيينا بترتيب خاص من السلطات البريطانية، وطرح خلال هذا اللقاء كلب بن جوريون تسهيل هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل، واستقبال العراق عدد من الفلسطينيين، وأن ينقل يهود العراق بشاحنات عراقية عن طريق الأردن.

 

وكان رأي الإنجليز أن هذه مقايضة لم يحن أوانها بعد!!

 

وبعدها أرسلت إسرائيل مردخاي بن بوارت إلى بغداد، الذي وعد نوري السعيد بمساعدات مالية كبيرة، إذا صدر قانون يجرد اليهود العراقيين من الجنسية.. وهو ما وقع بالفعل بعد ذلك عام 1950م، عندما شكل توفيق السويدي وزارته، وكان صالح جبر وزيراً للداخلية، وأصدرت الحكومة قانون إسقاط الجنسية عن اليهود الراغبين في ترك العراق!"

 

و بعد أحداث المتفجرات التي وقعت في مناطق مختلفة من مدينة بغداد ، وجدت وزارة توفيق السويدي الوقت المناسب لإصدار قانون الهجرة اليهودية والذي بموجبه يحق لكل يهودي عراقي أن يترك العراق بإرادته، وذلك في خلال مدة معينة من تاريخ اعتبار القانون المذكور نافذ المفعول، ولقد دافع توفيق السويدي ووزير داخليته صالح جبر عن الأسباب الموجبة لإصدار القانون، وادعوا أنه كان من أجل مصلحة الوطن والشعب حفظاً على سلامة الاقتصاد العراقي، حيث كانت هناك معارضة قوية داخل البرلمان ضد إصدار هذا القانون .

 

وورد في إفادة توفيق السويدي رئيس الوزراء عندما تم إسقاط الجنسية عن اليهود، وبعد أن اتهم بالضلوع في مؤامرة ترحيل اليهود إلى فلسطين المحتلة ما يلي "أنا سيدي أحب أن أسترعي أنظار المحكمة إلى الفائدة التي حصلت من إسقاط الجنسية. الحقيقة اليهود كانوا ما يقرب 120 ألف شخص، وكلهم تقريباً 108 آلاف منهم كانوا في بغداد ومستولين على التجارة وعلى الاقتصاد، وكذلك مؤلفين رتل خاص لهم، وأعتقد أكثركم مطلع على ما كشفته الشرطة بعد ذلك من مخابئ وأسلحة ومفرقعات... إلخ، فأنا وجدت طالما أن إسرائيل أصبحت عقدة من العقد في بطن الدول العربية لا يمكن أن يعول على مقدار كبير مائة وثمانية آلاف شخص من اليهود في استتباب الأمن، وعلى ذلك فأنا الذي عملت قانون إسقاط الجنسية وأفتخر؛ لأنه لم أحب أن أسقط عنهم أنا الجنسية، وإنما قلت لهم: بإمكانكم رفض الجنسية العراقية، وإذا رفضوا فلهم الحق أن يبقوا شهراً وبعدها يجب أن يسافروا ويأخذوا معهم 25 دينار فقط"!!

 

اعترافات يهودية عن دورهم في التهجير:

 

كتب نعيم جيلاوي اليهودي العراقي مقالاً حول "يهود العراق"، وهو الذي أصدر كتاب "فضائح بن جوريون" وكيف أخرجت الموساد والهاجانا اليهود من ديارهم"، والذي اعترضت عليه الرقابة في إسرائيل، ونشره على نفقته في أمريكا، وهو يبلغ من العمر تسعة وستين عاماً، ويعترف أنه ارتكب أعمالاً في صباه عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، اشترك مع الحركة الصهيونية في أعمال بهدف دفع يهود العراق إلى الرحيل، وهو يعد نفسه ينتمي إلى الثقافة العربية، فهو عربي الثقافة، يهودي الديانة، أمريكي الجنسية.. "فنحن اليهود القادمين من البلاد الإسلامية لم نغادر ديارنا نتيجة أي صورة من صور العداء للسامية، لذا أطالب الولايات المتحدة بوقف تأييدها للعنصرية في إسرائيل، والمتمثلة في التفرقة بين اليهود والفلسطينيين، وبين اليهود الاشكناز والسفارديم، ووقف تأييدها للاستيلاء على أراضي الغير.."

 

ويروي قصته أو قل اعترافاته، وكيف ألقي القبض عليه خلال قيامه بتهريب اليهود من الحدود العراقية الإيرانية سنة 1947م "رغم أني كنت أعيش سعيداً مع عائلتي في مدينة الحلة القريبة من مدينة بلبليون، ورفضت عائلتي الحركة الصهيونية، وتمكنت من الهرب من سجون العراق في سبتمبر 1949م، واستقر بي المقام في إسرائيل، حيث عانيت من العنصرية، وهناك اختفى الحلم الصهيوني أمام ضراوة العنصرية، وتبينت أن الاشكناز يعملون على تشجيع اليهود العرب على الهجرة إلى إسرائيل، حتى يوفروا لهم عمالة رخيصة.

 

ونجحت الحركة الصهيونية في تهجير 125 ألف يهودي من العراق، بين سنتي 1940م و1952م، عن طريق ترويعهم، وبقيت أسرتي ضمن ستة آلاف يهودي تمسكوا بالبقاء في العراق، وقادته تجاربه المريرة ومعاناته من العنصرية إلى الانضمام إلى حركة "الفهود السود"، ثم يستعرض ما قامت به الصهيونية بجبر يهود العراق على الهجرة، ولا يكتفي بذكر أقوال مرسلة، بل يقدم معلومة موثقة، وشهادة شهود عاشوا جانباً من هذه الأحداث.

 

ثورة الكيلاني

 

ويقدم تحقيقاً موثقاً عن وقائع "المذبحة" التي وقعت لليهود في منتصف سنة 1941م أثناء الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن السلطات البريطانية هي التي دبرت وحرضت عليها، واشترك فيها عدد من رجالها، حتى يصبح التوتر العنصري ذريعة لتدخل القوات البريطانية بحجة فرض القانون والنظام.

 

ووقعت تلك المذبحة في ظل صراع حاد بين السلطات الاستعمارية والحركة الوطنية، عقب قيام ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1940م، وسقوط وزارة نوري السعيد، وبدأت الاضطرابات بعد سقوط رشيد عالي الكيلاني وفراره إلى إيران، وحصل التمهيد لهذه الفتنة من البصرة ثاني أكبر المدن العراقية، والتي كان يعيش بها ثلاثون ألف يهودي، عندما نشرت الصحف في عناوين كبيرة على الصفحات الأولى "يهود البصرة يستقبلون القوات البريطانية بالورود"!

 

وعندما بدأ الشغب، وأغار الغوغاء على أحياء اليهود ومحلاتهم، ووقعت مذبحة استمرت يومين في أول يونيو سنة 1941م.

 

هذه هي الوقائع التي يحققها ويعلق عليها نعيم جيلاوي ويقول: "كانت العلاقات بين يهود العراق وبقية المجتمع العربي جيدة، واشترك عدد من اليهود في ثورة رشيد الكيلاني، فكيف انقلبت الصورة؟

 

ويستشهد بأقوال الصهيوني يوسف ماير، اليهودي العراقي الذي يعيش في إسرائيل.."بعد فشل ثورة رشيد الكيلاني، قامت السلطات البريطانية بإشعال الفتنة في بغداد، حتى تتدخل قوات الاحتلال.."، ويعلق نعيم جيلاوي.. "أن أقوال ماير صحيحة، وتأكدت منها، عندما التقيت في الأربعينيات في إيران، بأحد الممرضين الذي كان يعمل في مستشفى بغداد، خلال وقوع هذه الأحداث، وهو أرمني اسمه ميشيل تومسيان، والذي قال له، أثار اهتمامه اثنان من المصابين استقبلهما المستشفى، وكلاهما ادعى الصمم وعدم القدرة على الكلام، أحدهما أصيب بطلقة في كتفه والآخر في دقمه، ورفض كل منهما خلع ملابسه لإزالة آثار الدماء، وتبين أنه حول رقبة أحدهما أداة التعريف بشخصيته، والتي تستخدمها القوات البريطانية، والثاني لديه وشم هندي على كتفه، أي أنه من القوات الهندية المصاحبة للقوات البريطانية، وأخرجهما من المستشفى في الصباح الباكر لليوم التالي أحد الضباط البريطانيين.

 

ولا يكتفى بهذا الدليل على ما وقع، ولكنه يستشهد بإحدى محاضرات دافيد كيمحي في لندن، عندما سئل عن المذابح التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين، استفزه السؤال فقام بتذكير الحضور بما قامت به القوات البريطانية في مذبحة بغداد سنة 1941م.

 

ويضيف "إنه رجل يعرف الحقيقة، فقد عمل في المخابرات البريطانية ثم في الموساد وأخيراً مديراً لوزارة الخارجية الإسرائيلية.." لذا لم يعد لدي شك أن الطلقات التي أطلقت على اليهود عام 41 كانت مخططة من السلطات البريطانية بدوافع سياسية.

 

قنابل صهيونية:

 

ويستعرض بعد ذلك أحداث 19 مارس سنة 1950م، عندما انفجرت القنابل في أماكن تجمع اليهود في بغداد، فانفجرت المتفجرات في المركز الثقافي الأمريكي والمكتبة الأمريكية، مما أدى إلى تدمير وإصابة عدد من المواطنين.

 

 ويؤكد أن هذه العمليات كانت بتدبير المنظمات الصهيونية لحث اليهود على الهجرة، وهي وقائع تشبه وقائع فضيحة "لافون" في مصر، عندما سعى الموساد إلى تفجير بعض المراكز الأمريكية حتى يوقع بين حكومة الثورة في مصر والولايات المتحدة، وانفجرت المتفجرات في بغداد لدوافع سياسية أيضاً.

 

وبعدها قامت سيارة في 8 أبريل 1950م يقودها ثلاثة شبان، وألقت قنبلة على مقهى الدار البيضاء في بغداد، وهو المقهى الذي اعتاد اليهود اللقاء فيه، وأصيب أربعة منهم بإصابات خطيرة.

 

ويقول أهارون بريجمان في كتابه (تاريخ إسرائيل): إن اليهود كانوا ينقلون من العراق إلى إسـرائيل في عملية تسمى "عزرا ونحميا"، والتي استمرت من مايو 1950م حتى ديسمبر1950م.

 

واللافت للنظر قول السير فرانس همفري السفير البريطاني في بغداد: "يتمتع اليهود في العراق بامتيازات فريدة تزيد عن أي أقلية أخرى في أي بلد آخر حتى تدخلت الصهيونية بين العرب واليهود.

 

لذلك سارع الصهاينة بتوزيع منشورات في المعابد تحتوي على شعارات تسيء إلى العلاقات بين اليهود وباقي شعب العراق، مثل: "لا تشتروا من المسلمين"، ثم تحريضهم على الهجرة إلى إسرائيل، وتتابع إلقاء المتفجرات وإطلاق الرصاص ومع تتابعها تزايدت هجرة اليهود إلى إسرائيل . والملاحظة الجديرة بالتسجيل – وما زال الكلام للسيد نعيم جيلاوي – أنه خلال حرب فلسطين سنة 1948م، لم يمس أي يهودي، ولم تكن هناك أحداث جديدة في سنتي 1950م و1951م تثير الضغينة والمشاعر ضد يهود العراق، والحقيقة المرعبة أن القنابل التي انفجرت، والمدافع التي أطلقت كانت بأيد صهيونية، ومن تعاون معهم من يهود العراق.

 

وقد نشرت مجلة هحولام هازيه عام 1966م مقالاً بقلم يوري أفندين اتهم فيه صراحة مردخاي بن بورات بالمسؤولية عن ا نفجارات بغداد، وما زال يهود العراق يطلقون عليه "مراد أبو القنابل" ومراد هي مردخاي بالعبري.

 

وتتوالى الأسرار، وأن الكثير من المعلن غير ما هو خفي، والظاهر ليس مثل الباطن، ويؤكد جيلاوي أن عبد الكريم قاسم بعد ثورة 1958م، أرسل وفداً عراقياً للاتفاق مع إسرائيل، ويزعم أن بن جوريون رفض استقبال الوفد؛ لحرصه على استمرار التوتر بين العرب وإسرائيل لكي يخدم سياسته في هذه المدة.

 

وفي هذه المرحلة، رفعت ثورة 1958م عن اليهود كل القيود، بل وألغى قانون إسقاط الجنسية.

 

ومن ناحية أخرى أصدر محسن الحكيم مرجع الشيعة الأعلى، ووالد محمد باقر الحكيم – فتوى بضرورة حسن معاملة اليهود ورفع أي ظلم عنهم.

وسمحت العراق لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بحق العودة!!

 

ويختم نعيم جيلاوي مقاله بالقول: "لقد سجلت تلك الحقائق التاريخية مع علمي أن الأسهل على العالم أن يقبل كذبة بسيطة على أن يقبل حقيقة مركبة، فأسهل على العالم أن يقبل ادعاءات الصهيونية بهجرة اليهود نتيجة العداء للسامية، وأن يقبلوا أن الإسرائيليين وليس العرب هم طلاب السلام!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات