عز الدين البغدادي
منذ عقود برز دعوات تدعو إلى الرجوع إلى القرآن الكريم وترك
الأحاديث والروايات التي تتحمل المسؤولية الكبرى عن تفريق الأمة من جهة وإرباك
العقل المسلم من جهة أخرى. ويحتج أصحاب هذه الدعوة بقوله تعالى: ( مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) وقوله: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ )، كما يحتجون بأن القرآن محفوظ من التحريف كما قال
تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) بينما
تجد أن السنة تأخر تدوينها إلى زمن عمر بن عبد العزيز أو ما بعد ذلك، فضلا عما تجد
في تدوينها من إشكالات تتعلق بظاهرة الوضع وغيرها..
هناك من يعزو ظهور هذا التوجه إلى زمن مبكر، عندما منع عمر بن
الخطاب تدوين الحديث وأطلق قوله الشهير "حسبنا كتاب الله" إلا أنّه لم
يكن هناك توجه لقبول هذه الفكرة، لكن في العصر الحديث ظهرت بشكل واضح وقوي، ففي
مصر في أوائل القرن العشرين، كتب محمد توفيق صدقي مقالاً بعنوان "الإسلام هو
القرآن وحده" في مجلة المنار حيث قال بأن القرآن يكفي لتحديد تكليف المسلم
وأن الأحاديث لم تدون إلا بعد مرور زمن يسمح بدخول كثير من الأحاديث الباطلة.
ثم ظهر في الهند أحمد خان الذي فسر القرآن بالرأي ، ووضع شروطا
تعجيزية لقبول الحديث مما جعله ينكر أغلب الأحاديث. ثم تلاه عبد الله جكرالوي في
باكستان الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، من ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله،
فتوصل في النهاية لإنكار كافة الأحاديث والاكتفاء بالقرآن، وأسس جماعة "أهل
الذكر والقرآن" لنشر أفكاره، كما تبنى نفس الفكر أحمد الدين الأمرتسري مؤسس
جماعة أمة مسلمة التي كان يدعو فيها لأفكاره.
كما وجدت في الوسط الشيعي
وظهرت أسماء من قبيل شريعت سنكلجي وعبد الوهاب فريد التنكابني والصادقي الطهراني
وأيضا السيد كمال الحيدري الذي صار يتبنى هذا الاتجاه كما هو واضح من كلامه وكتبه.
وعموما فقد كثر الدعاة إلى هذا المنهج، إلا أنّ هذه الدعوة لم تأخذ
في زمن ما حالة منهجية محددة وواضحة، واعتقد ان هناك نزعة معتدلة لا ترفض الأحاديث
تماما، لكنها تعطي علوية للقرآن عليها، وتجعله له الاهتمام الأكبر واعتبر نفسي ضمن
هذا الخط، بل تجد بعض فقهاء الشيعة مثل ابن زهرة في كتابه "غنية النزوع"
يحتجون كثيرا بعمومات القرآن واطلاقاته على حساب الروايات.
وهناك نزعة أخرى أكثر اندفاعا، تتجاهل الروايات تماما، وهي تمثل
حالة مرتبكة منهجيا، ويمكن ان نمثل لها بالشخصية المعروفة محمد شحرور ولعل من أهم
ما يمكن أن يشكل عليها:
الأول: أن هذه الدعوة تتعارض مع آيات قرآنية أمرت بالرجوع إلى الله
والرسول كقوله تعالى: ( وأطيعوا الله أطيعوا الرسول)، فهي تلزم بالرجوع إلى الرسول
(ص) من خلال سنته.
الثاني: إن هدر الأحاديث هو أسلوب غير منطقي، إذ ما معنى أن أهدر
مادة علمية متوفرة، رغم أن ما يقتضيه المنهج هو أن نميز بين الأحاديث من حيث سندها
وأيضا من حيث ملاحظة ظروفها، وما إذا كان فيها إطلاق زماني أولا؟ وما إذا كان
مضمونها تعبديا أو إداريا، أو كانت تعبر عن قواعد دائمة أو ترجع إلى العرف الذي
يتغير بحسب الزمان والمكان.
الثالث: إن طبيعة النص القرآني أنه كما وصفه الإمام علي (ع) في
عبارته الهامة "حمال أوجه" وهذه سمة هامة في النص القرآني، لهذا تجد أن
القدرية والجبرية يحتجون به، والخوارج والشيعة والمعتزلة والاشاعرة بل كل الملل
والمذاهب الإسلامية تحتج به، وكل يجد فيه ما يدعم رأيه. بل تجد أن هناك من يحتج
بالقرآن على الشذوذ الجنسي ومنهم من يحتج به على جواز شرب المسكر.
وتذكرت هنا احد طلبة العلم
وهو متأثر ببعض الأفكار المغالية يدافع بقوة عن حجية القرآن ويرى أنها تدعم رأيه
في الاعتقاد بالولاية التكوينية وعلم الأئمة بالغيب وما إلى ذلك من الاعتقادات
الفاسدة. وبأي حال؛ فإن هذه السمة في النص القرآني "أي كونه حمال أوجه"
ليست نقطة ضعف، بل نقطة قوة لأن معنى هذا ان النص القرآني يرتكز اليه كل أهل
الإسلام على اختلاف تصوراتهم، فهو جامع لهم.
الرابع: إشكالية العبادات، فالقرآن الكريم أمر بالصلاة والصوم
والحج وغيرها، لكنه لم يبين تفاصيلها وأحكامها، وهذا يعني أن هناك حاجة بل ضرورة
للرجوع إلى السنة، وأن القرآن الكريم لا يكفي في ذلك.
وهنا أمور أخرى ربما نتعرض لاحقا تتعلق تتعلق بفهمنا للنص القرآني،
ربما نقف عندها لاحقا… والله المستعان
0 تعليقات