علي الأصولي
إن دعوى إثبات إمامة المفضول مع وجود الفاضل والاستشهاد بقصة طالوت
الملك. تحتاج الى تدبر وتدقيق
قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ
مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا
كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} سورة البقرة (246).
وحاصل القصة ان جماعة من أشراف بني إسرائيل جاؤوا الى نبيهم - الذي
لم يسمى قرآنيا بحسب هذا النص كما هو واضح ألا ان نبوته من بعد نبوة موسى (عليه
السلام) - فقالوا له { ابعث لنا ملكا } أي: عيِّن لنا ملكا { نقاتل في سبيل الله }
ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا،
وعلى ما يبدو لي لم يكن لهم رئيس يجمعهم ويجمع كلمتهم - سياسيا
وعسكريا - نتيجة النزاع بين الأسر حول الرياسة آنذاك. بالتالي قدم هؤلاء التماس من
نبيهم تعيين ملك يرضيهم ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم،
بالتالي" تسأل نبيهم بقول { قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال
ألا تقاتلوا } أي: لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به، فعرض عليهم
العافية فلم يقبلوها، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم، فقالوا: { وما لنا ألا نقاتل في
سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } أي: أي شيء يمنعنا من القتال وقد
ألجأنا إليه، بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم
يكتب علينا، فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل، ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة
ولم يقوَ توكلهم على ربهم { فلما كتب عليهم القتال تولوا } فجبنوا عن قتال الأعداء
وضعفوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن {
إلا قليلا منهم } فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم
على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا
أمر الله، فلهذا قال: { والله عليم بالظالمين }ـ هذا اهم ما جاءت به التفاسير حول
القصة وفيها تفصيلات لا تعنينا وما نروم بيانه.
بالتالي{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ
لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ
التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ
مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً
لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (248) البقرة / انتهى.
وكما تلاحظ: إن إمامة طالوت - إمامة السياسة والعسكرة - بدلالة -
الملك - بعد ملاحظة قول نبيهم{ إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}. تعرف بأن تقديم
المفضول - طالوت - على - الفاضل - نبيهم - هو بإجازة السماء وبيان النبي وتعريفه –
والإجازة جاءت بعد طلب الناس - الملأ - من نبيهم بضرورة القيادة
السياسية والعسكرية.
وبالجملة " تقديم المفضول على الفاضل جائز بإجازة نفس الفاضل
والرجوع للمفضول عين الرجوع للفاضل نظير إرجاع الأعلم لغيره في الاحتياطات
الوجوبية كما في أدبيات الفقه تحت عنوان - الأعلم فالأعلم - فالرجوع هو لغير
الأعلم والأصل بإجازة الأعلم فأفهم وتدبر والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات